qpc2

تطرقنا في الجزء الاول من موضوعنا في الحواسيب الكمومية عن مبدأ عمل الحواسيب التقليدية وأبرز مشاكلها و توقفنا عند السؤال عن ماهية هذه الحوسبة الكمومية . رغم التطور الرهيب المتسارع في قدرات الحواسيب لكن العلم مازال يضج بالمسائل المعقدة التي لا تقوى الحواسيب الحالية على معالجتها نظرا لقصور إمكانياتها في التخزين والمعالجة . بين أيديكم الآن الجزء الثاني الذي سيحاول فك تعقيد المبدا الكمومي الذي ستبنى عليه الاجيال القادمة من الحواسيب الأسرع بملايين المرات من سابقاتها الحالية. لذلك قبل الخوض في هذا المقال من المستحسن مراجعة المقال السابق.

ماهي الحوسبة الكمومية؟

النظرية الكمومية (quantum theory)هي أحد فروع الفيزياء التي يهتم بعالم الذرات بالإضافة للجزيئات المتناهية الصغر التي بداخل هذه الذرات. لربما تعتقد أن الذرات تتصرف بنفس طريقة تصرف أي شيء آخر في العالم. لكن هذا الإعتقاد بعيد تماماً عن الصحة: عندما ننتقل إلى مستوى الذرات, فإن القوانين الحاكمة تتغير وتصبح قوانين الفيزياء الكلاسيكية التي عادة ما نأخذها كمسلمات غير قابلة للتطبيق بشكل أتوماتيكي. كما قال ريتشارد فينمان (Richard P. Feynman) أحد أشهر الفيزيائيين في القرن العشرين”عندما تكون الأشياء صغيرة جداً فإنها تتصرف بطريقة لم نراها ولم نختبرها من قبل”

لو أتيحت لك من قبل دراسة الضوء خلال تحصيلك العلمي, فأنت ربما تعرف قليلاً عن النظرية الكمومية . ربما تعلم أن حزمة الضوء أحيانا تتصرف كما لو أنها مكونة من جزيئات ( مثل سيل قطرات المطر), وأحيانا أخرى تتصرف كما لو أنها موجات طاقة مهتزة ( مثل أمواج البحر). هذا ما يدعى بثنائية الجزيء-الموجة (wave-particle duality) . من الصعب بمكان تقبل فكرة إمكانية أن يكون شيء في حالتين بنفس الوقت – جزيء و موجة – لأنها فكرة غريبة عن ما نختبره في حياتنا اليومية فالسيارة لايمكن أن تكون دراجة و باص في آن معاً. لكن ما هذا إلا أحد أنواع الأمور الغريبة و المجنونة التي تحصل في النظرية الكمومية. أحد أشهر الأمثلة بإمكانية تواجد الشيء في حالتين هو الأحجية العلمية المحيرة المسماة بـ ” قطة شرودينغر” (Schrodinger’s cat) . باختصار, في العالم الغريب للنظرية الكمومية, بإمكاننا أن نتخيل حالة يكون فيها شيء مثل القطة حية و ميتة بنفس الوقت!

ما علاقة كل هذا بالحواسيب؟ لنفرض جدلاً أننا سنستمر في تطبيق قانون موور بأن نصنع ترانزستورات بشكل أصغر إلى أن نصل لمرحلة حيث الترانزستورات لا تصبح خاضعة لقوانين الفيزياء الكلاسيكية , كما الترانزستورات الحالية, لكن تخضع لقوانين ميكانيكا الكم (quantum mechanics) الأكثرغرابة. السؤال هنا هل الحواسيب المصممة بهذا الشكل بمقدورها أن تقوم بمهام لا تقدر عليها حواسيبنا الحالية. لنفترض أيضا أننا تمكنا عبر المعادلات الرياضية أن نتنبأ بقدرتها على ذلك, فهل بإمكاننا حقاً أن نجعل هذه الحواسيب تعمل على أرض الواقع؟

الحوسبة + الكمومية = الحوسبة الكمومية

كما ذكرت في الجزء الأول من هذا الموضوع, المكونات الرئيسية للحاسوب التقليدي – البتات, السجلات, البوابات المنطقية, الخوارزميات, وأشياء أخرى – كلهم لهم نظراء في الحاسوب الكمومي. فبدلاً عن البتات, الحاسوب الكمومي لديه البتات الكمومية (quantum bits أو qubits) وهي تعمل بشكل غريب ومختلف تماماً. في الحاسوب التقليدي البت يخزن إما صفر أو واحد, بينما البت الكمومي أو الكمي بمقدوره أن يخزن أحد الحالات التالية ,صفر, واحد, كلا الصفر والواحد, أو أي عدد من القيم اللانهائية التي تقع بين الصفر والواحد. بإمكانه أن يكون في عده حالات بنفس الوقت اي أن يخزن عدة قيم. هذا يبدو محيراً ومربكاً بلا شك. هنا دعونا نعود أدراجنا قليلاً لمسألة إمكانية أن يكون الضوء جزيء أو موجة في ذات الوقت, قطة شرودينغر حية وميتة بنفس الوقت, أو السيارة تكون دراجة وباص بآن واحد. الطريقة الأكثر وضوحاً لفهم ما يمكن للبتات الكمومية أن تخزنها هو عبر مبدأ التراكب في الهندسة (superposition) حيث ينص باختصار أن موجتين يمكن أن تجمعا أو تتراكبا مع بعضهما لتكوين موجة ثالثة تحتوي كلا الموجتين الأصليتين. لو نفخت في آلة موسيقية كالناي, فإن الأنبوب سوف يمتلئ بموجه هوائية إهتزازية مكونة من عنصرين الأول هو الموجة ذات التردد الأولي – النوتة الموسيقية الأساسية التي تعزفها – والثاني هي عدد كبير من الموجات تسمى بالتوافقيات وهي ذات ترددات من مضاعفات التردد الأساسي. الموجة في الأنبوب تحوي كل هذه الموجات بآن واحد: لقد انجمعت كل الأمواج لتشكل موجة وحيدة تحويهم جميعاً. البتات الكمومية تستخدم مبدأ التراكب نفسه لتمثل عدة قيم رقمية بشكل متزامن وبنفس الطريقة.

بما أن الحاسوب الكمومي يستطيع تخزين عدة أرقام بنفس الوقت, فإنه بالتالي يستطيع أن يعالجهم بشكل متزامن. فبدلاً من العمل بشكل متسلسل- القيام بالأشياء بالتتالي- فهو يعمل بشكل تفرعي –يقوم بعدة اشياء بذات الوقت- . لكن فقط عندما تحاول أن تكتشف بطريق القياس ما هي الحالة التي يكون عليها البت الكمومي في لحظة ما فإن هذه التعددية في الحالات تتلاشى لتبقى فقط حالة أو قيمة واحدة, هذه القيمة هي نتيجة عملية المعالجة التي سعيت إليها. التقديرات تتوقع أن تلك القدرة للحاسوب الكمومي بالعمل بشكل تفرعي ستجعله أسرع بملايين المرات من أي حاسوب تقليدي… فقط لو بإمكاننا أن نبني هذا الحاسوب! السؤال المطروح الآن: كيف نبني هذا الحاسوب؟

الإجابة على هذا السؤال وأسئلة أخرى سوف نتطرق لها سويا في الجزء الثالث من مقدمتنا حول الحواسيب الكمومية.

[divider]

[author ]ترجمة: ابراهيم رشدان | المقال ٢ فلسطيني سوري, العمر 30 عام. يعمل كباحث في وكالة الفضاء الألمانية (DLR) في مجال أنظمة المواصلات الذكية. بكالوريوس في هندسة الاتصالات و الالكترونيات من جامعة دمشق عام 2009 . والماجستير من جامعة كاسل في ألمانيا في هندسة الاتصالات 2014. انضم لمشروع “أنا أصدق العلم” في بداية 2015 كون المشروع يشكل خطوة لنشر العلم الضروري لبناء المجتمع و الإنسان.[/author]

[divider]

المصدر