هناك أنواع من الجسيمات الافتراضية قد تجيب على كل سؤال حول كوننا إذا تمكن العلماء من العثور عليها.

الكون غير متوازن: الجاذبية ضعيفة جدًا، ولكن القوة الضعيفة التي تسمح للجسيمات بالتفاعل والتحول هي في الواقع قوية جدًا, كتلة جسيم بوزون هيغز صغيرة بصورة مريبة، وحوالي 96% من مكونات الكون غير معروفة (يقصد المادة المظلمة والطاقة المظلمة).

يمكن تفسير كل عملية رصد تقريبًا للكون على المستوى دون الذري من خلال النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات (Standard Model of Particle Physics)، وهو نظام نظري قوي يعج بالتنبؤات التي يمكن التحقق منها، ولكن بسبب هذه الألغاز التي لم تُحل حتى الآن تبقى الرياضيات محرجة وغير مكتملة ومليئة بالقيود, ولكن هناك عدد قليل من الجسيمات التي سوف تحل كل هذه الإحباطات تقريبًا.

التماثل الفائق (Supersymmetry) هو نموذج ضخم يساهم في إدخال الجسيمات الجديدة في معادلات النموذج القياسي, المشكلة الوحيدة هي أنه بعد عقود من البحث لم يعثر الفيزيائيون على أيّ من هؤلاء الأصدقاء الجدد.

ولكن من المحتمل أن علماء الفيزياء لم يعثروا على التماثل (أو الفيزياء الأخرى ما بعد النموذج القياسي) لأنهم كانوا يبحثون من خلال عدسة خاطئة.

يقول الباحث النظري جيسي شيلتون (Jessie Shelton) من جامعة إلينوي: «تُستبعَد العديد من النماذج الجميلة طوال الوقت، لذلك يجب أن نخطو خطوة إلى الوراء ونضع بعين الاعتبار بُعدًا جديدًا في عمليات البحث التي نقوم بها، وهو العمر الزمني لهذه الجسيمات».

افترض الفيزيائيون سابقًا أن الجسيمات الجديدة المنتجة من اصطدامات الجسيمات سوف تتحلل فورًا، قريبًا جدًا من مكان ظهورها, يمكن للعلماء التقاط الجسيمات التي تتصرف بهذه الطريقة على سبيل المثال بوزون هيغز من خلال أجهزة الكشف عن الجسيمات المبنية حول نقاط الاصطدام.

ولكن ماذا لو كانت الجسيمات الجديدة لها عمر طويل وسافرت بضع سنتيمترات أو حتى كيلومترات قبل أن تتحول إلى شيء يمكن للفيزيائيين اكتشافه؟

هذا ليس بشيء جديد فالكواركات السفلية (Bottom Quarks) على سبيل المثال يمكنها أن تسافر بضعة أعشار من الميليمترات قبل أن تتحلل إلى جسيمات أكثر استقرارًا، وبإمكان الميونات (Muons) السفر عدة كيلومترات بمساعدة النسبية الخاصة قبل التحول إلى الإلكترونات (Electrons) والنيترينوات (Neutrinos).

الآن، يتوقع الكثير من الباحثين النظريين ربما أن هناك أنواع سرية من الجسيمات التي تتصرف بطريقة مماثلة. المأخذ الوحيد هو أن هذه الجسيمات طويلة العمر لا بدّ من أنها نادرًا ما تتفاعل مع المادة الاعتيادية، وبالتالي تفسر سبب هروبها من الكشف لفترة طويلة. أحد التفسيرات المحتملة لهذا السلوك المتحفظ هو أن الجسيمات طويلة العمر تقطن في قسم مخفي من الفيزياء.

يقول هنري لوباتي (Henry Lubatti) من جامعة واشنطن: «جسيمات القسم المخفي مفصولة عن المادة الاعتيادية عن طريق حاجز طاقة ميكانيكي كمي، مثل قريتين تفصلهما سلسلة جبال، يمكن أن يكونا على مقربة من بعضهما البعض، ولكن لا يمكنهما التفاعل معًا دون دفعة كبيرة من الطاقة لاجتياز القمة».

يمكن أن تؤدي الاصطدامات العالية الطاقة الناتجة من مصادم الهدرونات الكبير Large Hadron Collider (LHC) إلى ركل جسيمات القسم المخفي عبر حاجز الطاقة هذا إلى نظامنا الخاص، وإذا كان مصادم الهدرونات الكبير قادرًا على إنتاجها ينبغي أن يكون العلماء قادرين على رؤية بصمات الجسيمات طويلة العمر مطبوعة في بياناتهم.

من المرجح أن تطير الجسيمات طويلة العمر القافزة إلى عالمنا بواسطة مصادم الهدرونات الكبير على مقربة من سرعة الضوء ما بين بضعة مايكرومترات إلى بضعة مئات آلاف من الكيلومترات قبل أن تتحول إلى مادة اعتيادية قابلة للقياس.

هذا النطاق الواسع جدًا يجعل من الصعب على العلماء تحديد أين وكيف البحث عنها, ولكن العمر الزمني للجسيمات دون الذرية يشبه إلى حدّ كبير أي مخلوق حي، كل نوع من الجسيمات له متوسط عمر، ولكن العمر الدقيق للجسيمات الفردية يختلف.

إذا كان بإمكان هذه الجسيمات طويلة العمر أن تسافر آلاف الكيلومترات قبل انحلالها، فإن العلماء لديهم الأمل بأنهم ما زالوا قادرين على التقاط القليل من الجسيمات المتحولة الأولى سيئة الحظ قبل أن تغادر الكاشف.

اقترح لوباتي وزملاؤه كاشفًا سطحيًا جديدًا في مصادم الهدرونات الكبير الذي من شأنه توسيع نطاق البحث بعدة أضعاف, لأن هذه الجسيمات طويلة العمر لا تتفاعل مع الكاشف، فإن إشارتها ستبدو وكأنها سيل من المادة الاعتيادية التي تظهر بشكل عفوي من الفراغ.

يقول لوباتي: «على سبيل المثال، إذا تحلل جسيم طويل العمر إلى كواركات أثناء وجوده في جهاز كشف الميونات، فإنه يحاكي ظهور عدة ميونات متجمعة بإحكام، نحن نثير أحداثًا كهذه في تجربة أطلس (ATLAS) ضمن مصادم الهدرونات الكبير».

بعد تسجيل الأحداث، يستخدم العلماء خوارزميات مخصصة لإعادة بناء أصول هذه الجسيمات المتجمعة لمعرفة فيما لو كانت من نسل أحد الجسيمات الخفية طويلة العمر, لو تم اكتشافها، هذه السلالة الجديدة من المادة يمكن أن تساعد في الإجابة على العديد من الأسئلة العالقة في الفيزياء.

يقول شيلتون: «إن الجسيمات الطويلة العمر ليست تنبؤًا بنظرية جديدة واحدة، بل هي ظاهرة يمكن أن تتلاءم مع جميع أنظمتنا للفيزياء خارج النموذج القياسي».

بالإضافة إلى نجاح هذه الجسيمات في تصحيح الرياضيات الخاصة بالنموذج القياسي، قد تكون الجسيمات طويلة العمر الخاملة من أبناء عمومة المادة المظلمة -وهي شكل غير مرئي من المادة التي تتفاعل مع الكون المرئي فقط من خلال الجاذبية, ويمكن أن تساعد أيضًا في تفسير أصل المادة بعد الانفجار العظيم.

يقول لوباتي: «لقد قضى الكثير منا فترة طويلة لدراسة مثل هذه الأجزاء الصغيرة من الكون. لقد فهمنا الكثير، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي لم نفهمه بعد، هذا يعطيني وزملائي وقفة».


  • إعداد: سرمد يحيى
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر