تجري الآن التحضيرات للبعثات التي ستهبط على المريخ خلال عقدٍ من الزمن تقريبًا، ولكن ماذا سيأكل هؤلاء الناس في حال أدّت هذه المهمات إلى الاستعمار الدائم للكوكب الأحمر من قِبل البشر؟

حالما يصل البشر إلى المريخ -إن نجحوا في ذلك- سيكون تأمينُ مصدرٍ دائمٍ من الطعام أحد أكبر التحديات، إذ سيكون إرسال الموارد والاحتياجات من الأرض بشكلٍ مستمر مكلفًا للغاية وغير عمليّ.

سيكون على البشر على المريخ أن يتخلصوا من اعتمادهم على الشحنات المُرسلة من الأرض، وسيكون عليهم تحقيق درجات عالية من الاكتفاء الذاتي والزراعة المستدامة.

الاكتشاف الأخير للسوائل على المريخ -الذي يضيف معلوماتٍ جديدة حول إيجاد حياة على الكوكب- يزيد من احتمال استخدام هذه السوائل لزراعة الطعام.

لكنّ الماء هو أحد الأمور فقط التي سنحتاجها إن أردنا زراعة طعامٍ كافٍ على المريخ.

أي نوع من الأطعمة؟

اقترحت مهمةٌ سابقة استخدام الميكروبات كمصدرٍ للطعام على المريخ، واقترح خيارٌ آخر أيضًا استخدام البيوت الحرارية، وأنظمة البيئة المتحكم بها التي تشبه تلك المُستخدمة على متن محطة الفضاء الدولية لزراعة المحاصيل.

هذا الشهر، في دورية Genes، سنعطي منظورًا جديدًا مبنيًا على استخدام أساليب بيولوجية صناعية متقدمة لتحسين أداء حياة النبات على المريخ.

البيولوجيا الصناعية مجالٌ سريع النمو، يدمج مبادئ من الهندسة، وعلم الحمض النوويّ، وعلوم الحاسوب، ومجالاتٍ أخرى كثيرة لخلق وظائف جديدة ومحسنة للكائنات الحية.

لا نستطيع فقط أن نقرأ الحمض النووي، بل يمكننا أيضًا تصميم أنظمة بيولوجية واختبارها، بل وهندسة كائنات جديدة بالكامل.
الخميرة مثالٌ على ميكروبٍ استُخدم بكثرةٍ صناعيًا، وتُعاد حاليًا هندسته من قبل اتحادٍ دوليّ.

تقدمت التكنولوجيا لحدٍّ بعيد لدرجة أن دقة هندسة الجينات والأتمتة يمكن أن تُدمج في وسائل روبوتية مؤتمتة، تُعرف بـ (biofoundries – مسابك بيولوجية).

تستطيع هذه المسابك أن تختبر ملايين الأحماض النووية في وقتٍ واحدٍ بهدف إيجاد كائناتٍ تتميز بخصائص نبحث عنها.

المريخ شبيهٌ الأرض، ولكنه ليس الأرض

بالرغم من أن المريخ أشبهُ الكواكب بالأرض من بين الكواكب المحيطة بنا، لكن الأرض والمريخ مختلفان للغاية.

الجاذبية على المريخ حوالي ثلث الجاذبية الموجودة على الأرض، ويستقبل المريخ حوالي نصف ضوء الشمس الذي يأتي إلينا، ولكن تصل إليه الأشعة فوق البنفسجية المضرة والأشعة الكونية بكمياتٍ أكبر من التي تصل إلينا بكثير.

تبلغ درجة الحرارة على سطح المريخ حوالي -60 درجة مئوية (-76 درجة فهرنهايت)، ولدى المريخ غلافٌ جوي رقيق مكوّنٌ بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكربون.

بعكس تربة الأرض التي تتميز برطوبتها وغناها بالمواد المغذية والكائنات الدقيقة التي تساعد على نمو النباتات، يُغطّى المريخ بـ (الثرى – regolith)، مواد قاحلةٌ تحتوي على كيميائيات بيركلورية سامة للبشر.

وعلى الرغم من اكتشاف بحيرة تحت أرض المريخ، فإن الماء عليه موجودٌ بغالبيته على شكل ثلج، ويجعل الضغطُ الجوي المنخفض للكوكب الماء السائلة تغلي عند درجة حرارة 5 مئوية (41 درجة فهرنهايت).

تطورت النباتات على الأرض لملايين السنين، وهي متكيفة على الظروف التضاريسية الصعبة، ولكنها لن تنبت بشكلٍ جيد على المريخ.

هذا يعني أنه يجب تخصيص الموارد المهمة -التي ستكون نادرة ولا تقدر بثمن بالنسبة للبشر على المريخ- كالماء السائل والطاقة من أجل أن تتم عملية الزراعة على أكمل وجه، ويحدث ذلك عن طريق اصطناع ظروف مثالية لنمو النبات.

تكيف النباتات على المريخ

الخيار الأكثر منطقية هو استخدام البيولوجيا الصناعية لتطوير محاصيل مصممة خصيصًا للمريخ، يمكن مواجهة هذا التحدي الهائل عن طريق بناء مسابك بيولوجية مخصصة لنباتات المريخ.

منشأةٌ كتلك ستكون قادرة على تسريع هندسة التصاميم البيولوجية واختبار أدائها تحت ظروف محاكية لظروف المريخ.

بوجود التمويل والتعاون الدولي، منشأة متطورة كهذه قد توفر عددًا من السمات المطلوبة لجعل المحاصيل تزدهر على المريخ خلال عقدٍ من الزمن.

هذا يشمل تحسين عملية البناء الضوئيّ والحماية الضوئية (التي تساعد النباتات على حماية نفسها من ضوء الشمس والأشعة فوق البنفسجية)، والحماية ضد الجفاف وتحمل البرد، وهندسة محاصيل ذات إنتاج عالٍ أيضًا.

نحتاج أيضًا إلى تعديل ميكروباتٍ لإزالة السموم وتحسين التربة المريخية، كل هذه التحديات هي ضمن قدرة علم البيولوجيا الصناعية.

الفوائد للأرض

تطوير الجيل القادم للمحاصيل المطلوبة لديمومة الحياة على المريخ ستكون له فوائد عظيمة للبشر على الأرض.

التعداد السكاني العالمي في ازديادٍ دائم ويؤدي إلى زيادة الطلب على الطعام، ولتلبية هذا الطلب سنحتاج إلى زيادة الإنتاج الزراعيّ، ولكن علينا القيام بذلك دون إضرار بيئتنا بشكلٍ سلبي.

أفضل طريقةٍ لتحقيق ذلك هي تحسين المحاصيل التي تُستخدم بشكل واسع.

إن إنشاء وتجهيز منشآتٍ مثل المسبكة البيولوجية المقترحة للمريخ سوف يؤدي إلى تقليل الوقت المطلوب للقيام بأبحاث على النباتات، وسيوثر ذلك على الأمن الغذائي وحماية البيئة.

في النهاية، سيكون المستفيد الأول من الجهود لتطوير المحاصيل على المريخ، هو كوكب الأرض.


  • ترجمة: عبد الرحمن الصباغ
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر