في الآونة الأخيرة ابتكر فريق من علماء الفيزياء الكمومية نهجًا جديدًا من شأنه التقليل من حجم الساعات الذرية ليسهل نقلها خارج المختبر إلى العالم الخارجي، وذلك بالتعاون مع وزارة الدفاع البريطانية للعلوم، والتكنولوجيا.

ما الساعات الذرية أو الكمومية؟

يُنظر لهذه الساعات الذرية أنها عامل أساسي وضروري في أي مجال يتطلب دقةً عاليةً، مثل الاتصالات العالمية عبر الإنترنت، وأنظمة الملاحة، وتجارة الأسهم العالمية التي يمكن لأجزاء من الثانية أن تُحدث فيها فارقًا اقتصاديًا كبيرًا.

تُعد الساعات الذرية ذات الترددات الضوئية أدق من نظائرها ذات الموجات الصغيرة بـ 10000 مرة.

تلك الحقيقة تعطي تعريفًا جديدًا لمعيار واحدة القياس SI.

ويُتوقع من الساعات الضوئية الأكثر تقدمًا أن تصنع فارقًا كبيرًا في الحياة اليومية، أو في مجال العلوم الأساسية.

تقدم الساعات الذرية مرونةً متزايدةً في البنية التحتية العالمية للوقت وتُزوّد المركبات المستقلة بتطبيقات تحديد المواقع والملاحة المستقبلية، بالسماح بفترات أطول بين إعادة مزامنة وأخرى.

نتمكن بهذه الدقة العالية لهذه الساعات من فهم نماذج القياس الفيزيائية بشكل أكبر، وفهم أجزاء الكون الأكثر غموضًا مثل: المادة المظلمة، والطاقة المظلمة.

هذه الساعات الذرية تُعيد طرح الأسئلة الفيزيائية الأساسية، مثل: هل الثوابت الأساسية هي ثابتة حقًا، أم متغيرة بتغير الزمن؟

يقول قائد البحث الدكتور يوغيشوار كالي: «دقة الساعات الذرية وثباتها تجعلها ذات أهميةٍ كبيرةٍ مستقبلًا للعديد من شبكات المعلومات، والاتصال».

من المجالات التي ستدخل بها الساعات الذرية بعد إمكانية استخدامها خارج المختبرات، شبكةُ الملاحة الأرضية التي تتواصل فيها الساعات مع بعضها البعض باستخدام ألياف بصرية. إذ إن نجاح الساعات الضوئية مع الشبكات، سيمكننا من الاستغناء عن اعتمادنا الكامل على نظام تحديد المواقع GPS الذي فشل في بعض الأحيان.

لا تساعد الساعات الذرية الضوئية فقط في تحسين القياسات الجيوديسية (الخصائص الأساسية لشكل الأرض، واختلاف الجاذبية)، بل تُستعمل كبدائل لرصد وتحديد الإشارات الجيوديناميكية، مثل: المراحل المبكرة للزلازل، والبراكين.

من معوقات انتشار هذه الساعات التي تتطور بسرعةٍ، هو حجمها الكبير، إضافةً إلى تأثّرها بالبيئة.

تُنقل النماذج الحالية في شاحناتٍ صغيرةٍ بسعة 1500 لترٍ. هذه الأسباب تحدّ من نقلها بين أماكن مختلفة.

أحد الحلول التي طُرحت لحل تلك المشكلة هو صندوق حجمه 120 لترًا، ووزنه أقل من 75 كيلوغرامًا. اقترح هذا الحل فريق برمنغهام في مركز الولايات المتحدة لتكنولوجيا الكم، للاستشعار والتزامن.

ونُشر بحثهم في مجلة تكنولوجيا علوم الكم.

أضاف المتحدث الرسمي لمختبر علوم وتكنولوجيا الدفاع: «يعتمد مختبرنا على الساعات الذرية الضوئية، ونأمل أن تكون المفتاح الذي يزود وزارة الدفاع بإمكانياتٍ كبيرة.

هذا النوع من الساعات لديه القدرة على تغيير المستقبل، عن طريق تزويد البنية التحتية الوطنية بمرونةٍ متزايدة، وتغيير الطريقة التي صُممت بها شبكات التواصل، والاستشعار.

بدعمٍ من المختبر استطاعت جامعة برمنغهام التقليل من حجم العديد من الأنظمة الداعمة لبنية الساعات الضوئية، وبذلك ساعدت في التغلب على العديد من العقبات التقنية.

نتطلع إلى الإنجازات الأخرى التي يستطيعون القيام بها في هذا المجال».

كيف تعمل الساعات الضوئية؟

تعمل الساعات الذرية الضوئية باستخدام الليزر لإصدار وقياس الاهتزازات الكمية في الذرة، إذ تقاس هذه الاهتزازات بدقةٍ عالية؛ أي بقياس التردد، يمكن قياس الزمن.

تعيق التأثيرات الخارجية مثل الاهتزازات الميكانيكية، والتداخل الكهرومغناطيسي عملية القياس. أما الحل للتقليل منها فهو القياس في أماكن خاليةٍ، وبأقل قدرٍ مُستطاع من التداخل الخارجي.

يوجد في منتصف بنية الساعات الذرية المُصممة، غرفةٌ مفرّغة تمامًا من الهواء؛ تُعد الأولى من نوعها، وتُستخدم لحفظ الذرات وخفض حرارتها لتقترب من الصفر المطلق، عند تلك الدرجة يمكن استخدام أجهزة استشعار الكم الدقيقة.

حدّد الفريق عدد الذرات التي يمكن التقاطها وتبريدها، إذ بلغ 160 ألف ذرةٍ في أقل من ثانية. وأمكنهم نقل النظام مسافة 200 كيلومترٍ، في أقل من 90 دقيقة، قبل ضبطه وإعداده للقياس. ويستطيع النظام تحمّل ارتفاع درجات الحرارة أثناء النقل بـ 8 درجات أكثر من درجة حرارة الغرفة.

أضاف دكتور كالي: «تمكنّا من الوصول إلى نظام مرنٍ وقوي يستطيع فني واحد فقط نقله وتجهيزه بسرعةٍ، وبذلك نتمكن من الاقتراب أكثر من الوصول إلى أدوات كميةٍ عالية الدقة تُستخدم في العالم الحقيقي خارج المختبر».

اقرأ أيضًا:

الساعات الذرية الضوئية قد تساعدنا على تغيير طول الثانية.

هل تتغير طريقة قياس الوقت؟ قد نجد تعريفًا جديدًا للثانية بحلول عام 2030.

ترجمة: رهف ابراهيم

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر