لن تجد الكثير من الأشياء في هذا الكون تحافظ على انتظامها بدقة مثل نبضات الذرة. حتى الساعات الذرية الأكثر تقدمًا التي تعتمد على أدوات ضبط الوقت الكمومية، قد تفقد دقتها عند دفعها إلى أقصى حدودها.

يؤكد الفيزيائيون أن تحقيق التشابك الكمي بين الذرات سيؤدي إلى زيادة الدقة في الساعات الذرية، لكن معظم التجارب أثبتت ذلك عبر المسافات الصغيرة فقط.

جرب فريق من الباحثين من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة ذلك على مسافات أكبر تصل إلى المترين، وتأكد أن الحسابات لا تزال صحيحة على مسافات أكبر.

يؤدي ذلك ليس إلى تحسين الدقة الإجمالية للساعات الذرية الضوئية فقط، بل يسمح أيضًا بإجراء نوع من المقارنة في الدقة على مستوى أجزاء الثانية لساعات متعددة، ما قد يؤدي إلى الكشف عن إشارات لم يكن اكتشافها ممكنًا في السابق، في مجموعة من الظواهر الفيزيائية.

تستخدم الساعات الذرية الضوئية الضوء لسبر حركة الذرات، للحفاظ على دقة الوقت. مثل طفل على أرجوحة، تتأرجح مكونات الذرات ذهابًا وإيابًا ضمن مجموعة من القيود. كل ما نحتاج إليه «ركلة» موثوقة، مثل فوتون من الليزر، لضبط حركة التأرجح.

اختُبرت تقنيات ومواد مختلفة على مر السنين لتطوير هذه التكنولوجيا، حتى وصلنا إلى درجة من الدقة تدفعنا إلى إعادة التفكير في طريقة قياسنا للوقت.

رغم ضبط هذه التقنية بدقة، توجد حدود معينة تصبح فيها قواعد الحفاظ على دقة الوقت غامضة بعض الشيء، بسبب عدم اليقين في المشهد الكمي.

مثلًا، الترددات العالية للضوء قد تحسن الدقة، لكنها تأتي على حساب عدم اليقين الدقيق بين اندفاع الفوتون واستجابة الذرة، وهو أمر بالغ الأهمية. يمكن علاج هذه المشكلة بمراقبة الذرة عدة مرات، وهو مع ذلك حل لا يخلو من عيوب.

ستكون قراءة دفعة واحدة بالنوع الصحيح من نبضات الليزر نموذجية. يعلم الفيزيائيون أن عدم اليقين في هذا النهج يمكن تحسينه إذا كانت الذرة المُقاسة قد تشابكت بالفعل مع ذرة أخرى.

يُعد التشابك مفهومًا بديهيًا وغريبًا في آن واحد. وفقًا لميكانيكا الكم، ليس للأجسام قيمة أو حالة محددة حتى تُلاحظ. إذا كانت الذرات جزءًا من نظام أكبر، مثلًا بواسطة تبادل الفوتونات مع ذرات أخرى، قد نتمكن من الوصول إلى نتيجة يمكن التنبؤ بها نسبيًا لجميع أجزاء النظام.

يشبه ذلك رمي عملتين معدنيتين في الحافظة ذاتها، إذا أظهرت إحداهما وجه العملة، نعرف أن الأخرى ستُظهر الظهر حتى وهي مازالت تدور في الهواء. العملات في هذه الحالة مكونة من زوجين من أيونات السترونشيوم، متشابكة مع فوتون قصير الموجة في الألياف البصرية.

لم ينتج عن الاختبار مستويات ثورية من الدقة في الساعات الذرية البصرية، فلم يكن ذلك هو الهدف. بدلًا من ذلك، اكتشف الفريق أنه عبر تشابك ذرات السترونشيوم المشحونة، يمكن تقليل عدم اليقين في القياس، في ظل ظروف قد تسمح لهم بتحسين الدقة في المستقبل.

لا تمثل المسافات التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة حتى بضعة أمتار تحديًا، إذ يمكن الآن نظريًا تحقيق تشابك الساعات الذرية الضوئية حول العالم لتحسين دقتها.

يقول الفيزيائي راجافيندرا سرينيفاس: «مع أن نتيجتنا هي إلى حد بعيد دليل على صحة المبدأ، وأن الدقة المطلقة التي نحققها هي أقل بقليل من المقاييس الموجودة في أحدث التقنيات، نأمل أن تحسّن التقنيات الموضحة الأنظمة الحديثة في يوم ما. في مرحلة ما، سيكون التشابك مهمًا لأنه يوفر وسيلةً للوصول إلى الدقة المطلقة التي تسمح بها نظرية الكم».

قد يكون العمل على الوصول إلى دقة أكبر في الساعات الذرية هو ما نحتاج إليه لقياس الفروق الدقيقة في الوقت، التي تنتج من الكتل عند أصغر المسافات، هذه الطريقة قد تؤدي إلى ظهور نظريات كمية جديدة في مجال الجاذبية.

حتى خارج نطاق البحث، فإن استخدام التشابك لتقليل عدم اليقين في القياسات الكمومية قد يكون له تطبيقات أخرى في الحوسبة الكمية، وصولًا إلى التشفير والاتصالات.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أربعة جسيمات أصغر من الذرة قد تختبر فهمنا قوانين الطبيعة

ما هو الفرق بين السرعة الأرضية و السرعة الجوية ؟

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: ميرڤت الضاهر

المصدر