يسعى علماء من كلية ترينيتي في دبلن إلى الوصول إلى «الوصفة السحرية» التي من خلالها ستتمكن البشرية من إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة بالكامل مستقبلًا، والتي سيكون الماء الناتج عنها هو النفايات الوحيدة.

باستخدام خبراتهم في الكيمياء والفيزياء النظرية والذكاء الاصطناعي يعمل الفريق الآن على ضبط هذه الوصفة، وكلهم إيمان بأن ما يبدو خيالًا اليوم سيكون واقعًا نعيشه قريباً.

العمل الأولي على هذه الوصفة الذي صُرح عنه قبل أقل من عامين أعطى نتائج واعدة، أما الآن فإن هذه النتائج ستكون مثمرة أكثر مما عرفناه من النتائج الأولية السابقة لهذا العمل المثير الذي نشر عنه في وقت قريب في المجلة الرائدة «Cell Reports Physical Sience».

المشاكل والحلول:

يمكن القول إن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشري CO2 هو التحدي الأكبر الذي يواجه حضارة القرن الحادي والعشرين، لا سيما بالنظر إلى زيادة عدد سكان العالم والطلب المتزايد على الطاقة المصاحب لها.

ينبعث الأمل من فكرة أنه يمكننا استخدام الكهرباء المتجددة لتفكيك جزيء الماء (H2O) لإنتاج الهيدروجين الأخضر الغني بالطاقة (H2) والذي يمكن بعد ذلك تخزينه واستخدامه في خلايا الوقود. بصيص الأمل هذا مثير للاهتمام خاصةً في المواقف التي تنتج فيها مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهرباء لتحليل الماء، لأن هذا سيسمح لنا بتخزين الطاقة لاستخدامها عندما لا تتوفر تلك المصادر المتجددة.

اقرأ أيضًا: كيف يمكن أن تساعدنا الطاقة المتجددة على التعافي اقتصاديًا من الجائحة؟

المشكلة الأساسية هي أن جزيء الماء مستقر إلى حد بعيد ويتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة لشطره، أي إن الطاقة اللازمة لتحليل الماء ستكون أكبر من الناتجة عنه. والعقبة الرئيسية التي يجب إزالتها خاصةً هي فرط الجهد المرتبط بتفاعل إنتاج الأكسجين وهو حجر الأساس في تفكيك الماء لإنتاج الهيدروجين.

على الرغم من أن بعض العناصر فعالة في كونها محفزات في شطر الماء مثل الروثينيوم أو الإيريديوم، فإنها باهظة التكلفة ونادرة، ما يجعلها غير صالحة للاستهلاك العالمي. أما الخيارات الأخرى الأقل تكلفة فتعاني مشكلة كفاءتها أو متانتها أو كليهما، فعليًا وحتى هذه اللحظة لم يكتشف أحد محفزات فعالة من ناحية التكلفة، وقوية لفترات زمنية طويلة.

إذن ما الحل لهذه المعضلة؟

قبل أن تتخيل المعاطف والنظارات الواقية والدوارق الزجاجية الكيميائية والروائح الغريبة فإن هذا البحث العلمي قد أُنجز بالكامل حاسوبيًا.

اجتمع الفيزيائيون النظريون والكيميائيون في فريق ترينيتي المسؤول عن هذا الاختراق الحديث، جمع الفريق عباقرة الكيمياء مع أجهزة حاسوبية شديدة القوة للعثور على أحد «الكنوز المفقودة» للتحفيز الكيميائي.

إلام توصل الفريق؟

في ذلك الوقت، أي قبل سنتين، اكتشف الفريق أن العلم كان يقلل من أهمية نشاط بعض المحفزات الأكثر تفاعلية ونتيجة لذلك بدا أن عقبة الجهد الزائد المخيفة أسهل في التخلص منها مما تبدو عليه، علاوةً على ذلك، عملوا على تنقيح نموذج نظري مقبول منذ فترة طويلة يستخدم للتنبؤ بكفاءة محفزات تفكيك الماء، ما سهل البحث عن محفز «الرصاصة الخضراء Green bullet» بعيد المنال.

وفي الوقت الحاضر، فإن عمليات البحث اللاحقة التي أُجريت باستخدام نهج اندماجي آلي ونمذجة كيميائية كمومية متقدمة حددت تسع مجموعات وفيرة على كوكب الأرض من المعادن والروابط (التي تُلصق معًا لتوليد المحفزات) بكونها أدلة واعدة للتحقيق التجريبي.

تبرز معادن الكروم والمنغنيز والحديد للفريق بشكل خاص. يمكن الآن وضع الآلاف من المحفزات التي تتكون خاصة من هذه المعادن في وعاء انصهار وتقييم قدراتها مع استمرار البحث عن المزيج السحري.

اقرأ أيضًا: الطاقة المتجددة أفضل من الطاقة النووية في خفض انبعاثات الكربون

قال ماكس غارسيا ميلكور أستاذ مساعد في الكيمياء في ترينيتي وهو المؤلف الأول لهذا البحث التاريخي: «منذ عامين، كان عملنا قد جعل البحث عن الكنز المفقود للعوامل المحفزة يبدو أكثر قابلية للإدارة. والآن، اتخذنا قفزة كبيرة أخرى إلى الأمام من خلال حصر الخيارات بشكل كبير وتسريع طريقة البحث، حتى وقت قريب كنا نبحث عن إبرة صغيرة في كومة قش ضخمة. قبل عامين فحصنا 17 محفزًا، أما الآن فقد فحصنا 444، ونعتقد أنه لن يمر وقت طويل قبل أن يكون لدينا قاعدة بيانات فيها 80000 محفز قابل للفحص».

وأضاف: «كيف يمكننا أن نعيش على نحو مستدام؟ يمكن القول إن هذا هو السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا الذي يواجه مجتمع القرن الحادي والعشرين. أعتقد أن الباحثين من جميع التخصصات يمكن أن يساعدوا في الإجابة على ذلك، ونشعر بقوة خاصة في سعينا تتمثل بالنهج متعدد التخصصات الذي نتخذه».

قال مايكل كريغ طالب الدكتوراه في ترينيتي والمؤلف الأول لمقال المجلة العلمية: «يبدو لنا وبأمل كبير أن العلم يمكن أن يزود العالم بالطاقة المتجددة بالكامل، وهذا العمل الأخير يوفر أساسًا نظريًا لتحسين الطرق المستدامة لتخزين هذه الطاقة، ويتجاوز ذلك من خلال تحديد معادن معينة تقدم نتائج واعدة أكثر. ركزت الكثير من الأبحاث على المعادن الفعالة ولكنها باهظة الثمن، على الرغم من أن هذه المعادن أندر من أن نطوعها لتخزين الهيدروجين وإنتاج طاقة تكفي كل متطلبات البشرية. نحن نركز على إيجاد خيار طويل الأمد وقابل للتطبيق ونأمل تحقيق ذلك».

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن أن يصبح الهيدروجين الأخضر رخيصًا بما يكفي لينافس الوقود الأحفوري؟

هل يمكن للطاقة المتجددة تغطية حاجة بلدان بأكملها؟

ترجمة: أحمد أبو شمالة

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر