حدس حماية تسلسل الزمن


لا يزال العقل هو الوسيلة الأكثر أمانًا للسفر عبر الزمن.

شاهدنا في السلسلة التفلزيونية «ستار تريك» كيف دخل «الدكتور ماكوي – Dr. McCoy» عبر بوابة زمنية في مدينة تقع على «حافة الأبد» وقام بتغيير الماضي عبر تدمير سفينة «Enterprise» وفريقها باستثناء قائدها «كيرك – Kirk» والسيد «سبوك – Spock»، والذي كان عليه أن يعود إلى الماضي ليصلح ما فعله الدكتور «ماكوي». إن السفر في الزمن هو مصدر رئيسي قديم للأفكار لكتاب الخيال العلمي، وهذا ليس فقط ينتهك العديد من قوانين الفيزياء، بل لأنه يوجد مشاكل أساسية متعلقة بالاتساق والسببية.

وأبرز هذه المشاكل هي «مفارقة الجد»، والتي تجادل حول إمكانية سفرك إلى الماضي وتقوم بقتل جدك قبل ولادتك، مما يعني أنك لن تولد لتقوم بعد ذلك بالعودة إلى الوراء وقتل جدك. أما بالنسبة لفيلم «الرجوع إلى المستقبل» فإن «مارتي مكفلي – Marty McFly» يواجه نفس هذه المعضلة لكن بالجهة المقابلة، حيث يجب عليه أن يرتب للمواعدة بين أمه وأبيه من أجل أن يضمن وجوده.

يمكن الحصول على مثل هذه المفارقات في آلات الواقع الافتراضي المتطورة للغاية (فكر في «الهولوديك – Holodeck» في سلسلة ستار تريك)، والتي تكون مبرمجة لتكرر الأزمنة الماضية والأماكن بحيث تحتوي على تفاصيل لدرجة أنه لا يمكنك تمييزها عن الماضي الحقيقي بأي حال من الأحوال. وأيضًا هناك خيار آخر يحوي نموذجًا لأكوان متعددة، بحيث يمكنك السفر إلى الماضي وبالضبط إلى كون مقاربٍ وموازٍ للكون الذي تعيش فيه، كما صوّر ذلك في رواية «الخط الزمني – Timeline» للمؤلف «مايكل كريشتون – Michael Crichton» حيث تسافر شخصيات هذه الرواية إلى نسخ أخرى من أوروبا في القرون الوسطى بدون أن تقلق حول تأثير ذلك على الجدول الزمني للنسخة التي تعيش فيها.

هل الماضي هو ماضيك أنت أم لشخصٍ آخر؟

إن أحد أوجه القصور الأساسية في سيناريوهات السفر إلى الماضي هو أن الزمن الماضي ليس بالضبط هو الزمن الماضي الخاص بك. في الواقع إن آلة الزمن ذات الواقع الافتراضي هي مجرد متحف كبير، حيث أنك حين تسافر إلى ماضي كويٍ آخر فإنك ستقابل شخصا تشبه والدتك والتي تزوجت بشخص يشبه والدك، فأنجبوا شخصًا يشبهك ولكنه ليس أنت — وهي فعلا رحلة أقل جاذبية من لو كانت إلى الماضي الخاص بك.

لجعل هذه الرحلة ممكنة فإنك بحاجة إلى آلة زمن «كيب ثورن – Kip Thorne»، والذي كان مهتمًا بالسفر عبر الزمن عندما تلقى مكالمة هاتفية من «كارل ساجان – Carl Sagan»، حيث كان «ساجان» مهتمًا بإيجاد طريقة لإرسال بطلة روايته «اتصال – Contact»، «إليانور أرواي – Eleanor Arroway» إلى نجم فيغا والذي يبعد 26 سنة ضوئية (وقد لُعب هذا الدور في الفيلم السينمائي من قبل «جودي فوستر –  Jody Foster»). إن المشكلة التي واجهها «ساجان» ككل كُتّاب روايات الخيال العلمي هي السرعة، حيث أن بسرعة مركبة فوياجر (وهي أسرع مركبة صنعها الإنسان) فإن السفينة الفضائية ستستغرق حوالي 490.000 سنة للوصول إلى نجم «فيغا». إن هذا هو وقت طويل للجلوس، حتى لو كنت ضمن ركاب الدرجة الأولى جالسا على مقعد مريح.

كان حل «ثورن» والذي اعتمده ساجان هو إرسال «ايلي – Ellie» إلى ثقب دودي – يلوي الفضاء افتراضيًا حيث يشبه الثقب الأسود من حيث دخولها في فتحة الثقب، ومن خلال دخولها إلى هذا الثقب فإنها ستدخل إلى أنبوب قصير ضمن الفضاء الفائق والذي سيقود إلى مخرج في مكان آخر من الكون. (فكر بأنبوب يمر بمنتصف كرة السلة ليصل بين طرفيها بدلّا من الخط الذي يمر حولها للوصول إلى الطرف الآخر). منذ أن أظهر آينشتاين أن الزمان والمكان متشابكان بشكل وثيق، فإن «ثورن» ظن بأنه من خلال لف المكان فإننا أيضًا نستطيع لف الزمن، فإننا قد نستطيع السفر إلى الماضي من خلال دخولنا عبر ثقب دودي.

وقد أظهرت الحسابات الأولية لثورن أنه من الممكن نظريًا لإيلي السفر لمسافة كيلومتر واحد فقط داخل الثقب الدودي وتظهر بعد دقائق عند نجم «فيغا». وعندما قدم نظريته لمجلة «الفيزياء التقنية» في عام 1988، حصلت وسائل الإعلام على فكرة ثورن وروجت عنه بأنه الذي «اخترع آلة السفر عبر الزمن». لا يوجد أحد يقبل بمثل هذا النوع الإثارة الزائدة حول الموضوع، واصل ثورن أبحاثه وبحلول أوائل التسعينات بدأت الشكوك تتزايد حول أطروحته.

مشكلة السفر عبر الزمن

حتى في حال من الممكن السفر من خلال ثقب دودي من دون أن نسحق أثناء دخولنا ضمنه, فإن فكرة ثورن تعتمد على قوانين الجاذبية الكمومية، والتي ليست مفهومة تمامًا في هذه النقطة بالذات, إن ما اكتشفه ثورن وفريقه كما قال لي «كيب – Kip» : «إن جميع سفن الزمن سوف تتدمر ذاتيًا في اللحظة التي ستعمل بها» وقد أيد ذلك زميل ثورن «ستيفن هوكينج – Stephen Hawking» حيث أطلق نصف الساخرين من هذه الأفكار على هذه الأحجية اسم «تخمين الحماية المنطقية للزمن» والتي تنص على أن «قوانين الفيزياء لا تسمح ببناء سفن السفر عبر الزمن» والتي تجعل «العالم آمنًا بالنسبة للمؤرخين»، إلى جانب ذلك تساءل «هوكينج» فيما إذا كانت هذه الأفكار صحيحة فأين هم إذن السياح القادمون من المستقبل؟

إن هذه الأسئلة الجميلة والتي تم جمعها مع مفارقات وقيود قانون الفيزياء، تجعلنا نشك كثيرًا حول المعرفة التي لدينا عن أشياء مثل الجاذبية الكمومية، الثقوب الدودية، آلات الواقع الافتراضي والأكوان متعددة. إلى ذلك الحين، سنسافر عبر الزمن من خلال عرض التسلسل الزمني للعقل.


  •  ترجمة: عامرالسبيعي
  •  تدقيق: المهدي الماكي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر