يُنتج السيروتونين أساسًا في الجهاز الهضمي. لكن تأثيره يمتد ليصبح العامل المؤثر في تحديد أي خلايا الدماغ تُثبط في أثناء عملية التواصل الخلوي، ما يمنحه القدرة على التحكم في أي شيء، من مدى الجوع الذي نشعر به إلى مدى توترنا. باختصار يتدخل السيروتونين في العديد من وظائف الجسم المهمة.

لماذا تختلف مستويات السيروتونين بين شخص وآخر؟

تحتاج أجسامنا إلى كميات معينة من هرمون السيروتونين. مع ذلك فهي لا تنتج دائمًا الكمية الأنسب لاحتياجنا، الجينات من العوامل التي تتدخل في ذلك.

الجينات مثل كتيب تعليمات وإرشادات ورثناه من آبائنا، يدل جسمنا على أجزاء البروتين التي يحتاج إليها ليعمل على الوجه الأمثل. لكن الأمر ليس بتلك السلاسة بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، إذ يصبح إنتاج بعض أنواع البروتين لديهم أقل مما ينبغي، ما يجعلهم أكثر عرضة لبعض الاضطرابات، مثل الاكتئاب.

«كتيب الإرشادات» هذا ليس موحدًا لدى جميع الأشخاص، إذ قد تشير الإرشادات لدى بعض الأشخاص إلى إنتاج البروتينات المرتبطة بالسيروتونين بكميات أكثر أو أقل من اللازم، أو إنتاج بروتينات في غير محلها.

قد تسبب تلك الفروق في إنتاج البروتينات فائضًا أو نقصًا في إنتاج السيروتونين، ما يخل بوظائف دقيقة بيولوجية -مثل الهضم والتوتر- ونفسية -مثل القلق- مرتبطة بصحتنا.

إضافةً إلى جيناتنا، تتدخل الظروف المحيطة في كمية السيروتونين التي تنتجها أجسامنا، مثل مع من نختلط اجتماعيًا، ونوع حميتنا الغذائية وكمية الطعام التي نتناولها، وعدد ساعات نومنا. وعوامل أخرى منها القلق والسن، ومدى تعرضنا للشمس وممارستنا التمارين الرياضية.

العلاقة بين السيروتونين والإصابة باضطرابات نهم الطعام

مع علمنا بدور السيروتونين الكبير في الإصابة باضطرابات الطعام، فإننا ما زلنا نجهل وظيفته في تطور الاضطرابات تحديدًا.

يميل الأشخاص الذين يعانون اضطراب نهم الطعام والنهام العصابي إلى امتلاك مستويات سيروتونين أقل من الطبيعي. ما يبدو منطقيًا نظرًا إلى احتمال تأثر العديد من سمات اضطراب نهم الطعام بانخفاض السيروتونين. مثلًا، تساهم مستويات السيروتونين المنخفضة في الإصابة بالاكتئاب، المصاحب غالبًا لاضطراب نهم الطعام.

وُجد أن الأشخاص الذين ينغمسون في تناول الطعام يختبرون شعورًا متزايدًا بالمكافأة، ما يبين دور الطعام وسيلةً للتخفيف من حدة أعراض الاكتئاب.

أيضًا، وُجدت علاقة بين الاندفاع في تناول الطعام وعدم القدرة على تمييز الشعور بالشبع، وكلها علامات على الإصابة باضطراب نهم الطعام. من وظائف السيروتونين تنبيهنا بالشبع، وعندما تكون مستوياته منخفضة للغاية يصبح ذلك المنبه صامتًا.

إذا أصبح إنذار الشبع صامتًا لدى الشخص، فإنه يواصل تناول الطعام إلى حد يتجاوز الشبع الطبيعي، إلى جانب الميل إلى الاندفاع عمومًا، آليةً مساعدة للتخفيف من حدة الاكتئاب.

العلاقة بين السيروتونين والإصابة باضطرابات تناول الطعام الاجتنابي أو المحدد

تأتي العلاقة بين مستويات السيروتونين وتقييد تناول الطعام -مثل فقدان الشهية العصابي- محيرة نوعًا.

في حين وجدت بعض الدراسات انخفاض مستويات السيروتونين لدى المصابين بفقدان الشهية العصابي، تشير أبحاث أخرى إلى أن مستويات السيروتونين -على العكس- كانت أعلى من الطبيعي لدى المصابين فقدان الشهية العصابي، وأن هذه المستويات المرتفعة يخفيها الإحساس بالجوع، لأن مستويات السيروتونين لدينا تنخفض بدرجة كبيرة إذا أصبحنا مقيدين في تناول الطعام.

تفسر مستويات السيروتونين المرتفعة العديد من أعراض فقدان الشهية العصابي، مثل القلق.

يُعد اضطراب الوسواس القهري أكثر أنواع القلق شيوعًا لدى مصابي اضطراب فقدان الشهية العصابي، مع احتمالية وجود تداخل جيني بين الاضطرابين.
الطعام.

السعي إلى الكمال من أعراض فقدان الشهية العصابي الناتجة عن مستويات السيروتونين المرتفعة. إذ يتميز مصابي فقدان الشهية العصابي بسمات الشخصية الكمالية.

ترتبط مستويات السيروتونين المرتفعة بقيود سلوكية، أو القدرة على منع أنفسنا عن ارتكاب فعلٍ ما. تتميز شخصية فقدان الشهية العصابي بكونها شخصية صارمة وتقييدية، ما يتمثل في التزام هؤلاء الأفراد «بقوانين» ذاتية صارمة. مثل المبالغة في عد السعرات الحرارية التي يستهلكونها.

العلاقة بين السيروتونين واضطرابات الطعام النادرة

لا نعلم حتى الآن سوى القليل عن دور السيروتونين في اضطراب تناول الطعام الاجتنابي وشهوة الغرائب -اشتهاء تناول مواد غير مغذية مثل الشعر أو الثلج أو التراب، إلخ- مع ذلك، أظهرت دراسات علم الأدوية أن الأدوية التي تتحكم في نسب السيروتونين -مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية- تخفف من حدة أعراض شهوة الغرائب واضطراب تناول الطعام الاجتنابي، غالبًا بتقليل حدة القلق حيال الطعام والوجبات، والسلوك الاندفاعي. ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهمٍ أفضل لأثر تلك الأدوية على مصابي اضطرابات الطعام.

رغم الاكتشافات الواعدة، ما زال مبكرًا للغاية استنباط دور السيروتونين في اضطرابات الطعام. إضافةً إلى افتقارنا إلى التكنولوجيا التي تحلل وظائف جزيئية معينة لدى مصابي اضطرابات الطعام. يمكن لنماذج الحيوانات المُصابة باضطرابات الطعام توضيح بعض هذه الألغاز إلى حد معين فقط، لذلك نحن بحاجة إلى تكنولوجيا أدق لفهم العوامل الجزيئية لاضطرابات الطعام.

يصعب تحديد طبيعة مستويات السيروتونين في الجسم قبل الإصابة باضطرابات الطعام، نظرًا إلى مراقبة معظم الدراسات البحثية مستويات السيروتونين لدى مرضى اضطرابات الطعام الحاليين أو المتعافين. فهل ساهمت مستويات السيروتونين غير العادية في تطور اضطرابات الطعام، أم أن مستويات السيروتونين هي التي تأثرت بالاضطراب؟ سوء التغذية من العوامل التي تصعب الاستنتاج، إضافةً إلى أعراض اضطرابات الطعام الجانبية الأخرى، مثل مشكلات القلب والأوعية الدموية. لكن يجب ألا نتوقف عن محاولة اكتشاف أفضل الطرق لدراسة مستويات السيروتونين لدى مصابي اضطرابات الطعام.

توضح أدلتنا دور هرمون السيروتونين تحديدًا بين المواد الكيميائية الأخرى المتدخلة في تطور اضطرابات الطعام واستمرارها. يمكن بناء على هذا ابتكار علاجات دوائية لاضطرابات الطعام، ما يعني مستقبلًا أفضل في هذا المجال العلاجي.

اقرأ أيضًا:

ما هو السيروتونين؟

متلازمة السيروتونين: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر