يوجد العديد من الخرافات والمفاهيم المغلوطة عن الكهرباء. يهدف هذا المقال إلى دحضها. تدخل الكهرباء في كافة الاستخدامات اليومية. فهي التي تتيح إنارة المصابيح، وتعمل بمثابة الوقود في السيارات الكهربائية، وحتى تُستخدم في لغتنا اليومية كثيرًا، ويُقال إن شعور الشخص بشرارة يعني أنه مجذوب للشخص الآخر. يبقى هناك الكثير مما يجهله العديد من الناس عن هذه الظاهرة وكيفية عملها.

1. المعلومات المتداولة عن حادثة اكتشاف الكهرباء لأول مرة مبالغ بها

يبدو أن تاريخ اكتشاف الكهرباء مليء بالقصص المتناقضة، فهل كان بينجامين فرانكلين هو حقًا أول من اكتشف الكهرباء في أثناء تحليقه داخل طائرة ورقية وسط عاصفة رعدية في الخمسينات من القرن الثامن عشر؟ أم هل هو طاليس من ميليتوس؟ فيلسوف إغريقي يُقال أن تجاربه المبنية على استخدام الكهرمان والريش أدت إلى اكتشاف الكهرباء الساكنة لأول مرة في سنة 600 قبل الميلاد.

الجواب ليس أي مما سبق. تشير العديد من المصادر غير المؤكدة أن طاليس من ميليتوس هو من اكتشف الكهرباء الساكنة، لكن ذلك غير صحيح. فبحسب تحقيق أجري سنة 2012 ونُشرت نتائجه في مجلة السكونيات الكهربائية (Journal of Electrostatics) طاليس لم يكتشفها قط، إذ في محاولته لحك الكهرمان، ذكر طاليس فكرة السكون فقط لدعم حجته التي مفادها أن الأشياء الجامدة تمتلك روحًا.

أما بالنسبة لتجربة فرانكلين المزعومة، اتضح لاحقًا أنه أجراها بعد مضي فترة زمنية ليست بقليلة على اكتشاف العلماء الكهرباء. اقترح فرانكلين فكرة الطائرة الورقية بالفعل للتأكد ما إن كان البرق عبارة عن شكل من أشكال الإفراغ الكهربائي، لكن لا يزال المؤرخون غير متأكدين مما إذا كان فرانكلين قد أجرى التجربة بنفسه أم لا.

لا يوجد سوى مصدرين فيهما قصة فرانكلين، وأحدهما عُثر عليه بعد 15 سنة من اكتشاف الكهرباء، بحسب المتوفر من معلومات لدى الأرشيف الوطني وإدارة السجلات في الولايات المتحدة الأميركية.

الحقيقة هي أن العديد من الناس اكتشفوا الكهرباء على مدى القرون. بدأ الأمر مع عالم الفيزياء الإنكليزي ويليم غيلبرت وتجاربه على المغناطيس والكهرباء في أواخر القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر، إذ ابتكر اسم «لكتركس» لوصف الشحنات الكهربائية، بحسب ما نشرته قناة أخبار BBC.

تبع ذلك دحض العديد من الخرافات على يد العالم الإنكليزي ثوماس براون في القرن الثامن عشر، الذي ناقش الخرافات الشائعة جميعها في كتاب سماه «الأخطاء الفادحة»، وظهر فيه مصطلح «الكهرباء» أول مرة قبل موت ثوماس سنة 1682.

حاول فرانكلين وآخرين من نفس الحقبة الزمنية في القرن الثامن عشر فهم طبيعة الكهرباء أيضًا. بحلول عام 1800، تمكن المخترع الإيطالي أليساندرو فولتا لأول مرة في التاريخ من توليد الكهرباء عبر اختراع بطاريات بدائية مصنوعة من الزنك والنحاس وورق مقوى مبلل بالماء المالح.

سنة 1831، اكتشف العالم الإنكليزي مايل فاراداي طريقةً لتوليد الشحنة الكهربائية بتدوير مغناطيس ضمن ملف أسلاك معدنية. خلاصة القول إن اكتشاف الكهرباء تضمن جهودًا جماعية من عدة أشخاص.

2. الكهرباء مجرد إلكترونات متحركة

لماذا توجد الكهرباء من الأساس؟ يصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن الكهرباء موجودة في كل مكان، فتضيع التفاصيل المتعلقة بطبيعة هذه الظاهرة. يرتبط وجود الكهرباء في الطبيعة بالجسيمات دون الذرية.

بالطبع، تنتج الكهرباء عن حركة الإلكترونات، ولكن الأمر أكثر تعقيدًا. تُشكل الذرات المادة في الكون، وهي تتألف من نواة تدور حولها مجموعة من الإلكترونات ذات الشحنة السالبة. تبقى بعض هذه الإلكترونات ملتصقة بنواة الذرة، أما بعضها الآخر فهو يعوم بحرية حول المدارات.

تبدأ الإلكترونات بالتحرك بعد تطبيق قوة معينة عليها، بحسب المعلومات التي يقدمها قسم إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

3. البرق كهرباء كثيفة، عالية الشحنة

تُعد ظاهرة البرق أحد أفضل الأمثلة في الطبيعة عن الطاقة الكهربائية، وتحدث الظاهرة نتيجة تولد شحنات ساكنة بوساطة السحب العاصفة. تفيد الدراسات التي نشرها مكتب المملكة المتحدة للنشرات الجوية أن عرض صاعقة البرق بعرض إصبع الإبهام وطولها نحو 2 إلى 3 ميل (3.2 إلى 4.8 كيلومتر).

تكفي الطاقة التي تسري في صاعقة كهربائية لتسخين الهواء لدرجات حرارة مهولة تبلغ 54,000 فهرنايت (30,000 درجة سيليسيوس)، وتفوق درجات الحرارة بهذه الحالة درجات حرارة سطح الشمس خمس مرات.

يدوم تأثير الصاعقة نحو 44 ثانية عند حدوثها في مكانٍ ما على سطح الأرض.

4. بعد هزيم الرعد، تصدر النباتات شرارًا

قد تتفاعل النباتات أحيانًا مع الحقول الكهربائية الناتجة عن العواصف الكهربائية بتفريغ شرارات كهربائية صغيرة. وتُشكل كثرة هذه الشرارات ضبابًا أزرق خافتًا يُسمى كورونا.

تؤثر هذه الشرارات المفرغة في الهواء من حولها لسبب مجهول. أفادت دراسة نُشرت في Journal of Physical Research: Atmospheres أن ضباب الكورونا ينتج عنه كميات كبيرة من الكيماويات عالية التفاعل تُسمى الجذور. تفتقر الجذور للإلكترونات وتسرقها من الذرات المجاورة لتعويض النقص، ما يؤدي إلى حدوث تغير في المركبات الكيميائية.

من الممكن أن يؤدي ذلك إلى إزالة بعض المركبات المؤذية الموجودة في الهواء، ولكن من الممكن أيضًا أن تؤدي إلى تشكل ملوثات جديدة، بحسب ما نشر الباحثون.

5. الدماغ قادر على تشغيل لمبة إنارة

تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها عبر دفقات صغيرة جدًا من الكهرباء، التي تنشأ من تغير حالة الأغشية الخلوية العصبية، إذ تسمح هذه الأغشية للجزيئات المشحونة بالدخول إلى الخلية والخروج منها استجابةً للإشارات الكيميائية.

بمعنى آخر، يولّد الدماغ الكهرباء التي يحتاجها لإتمام العمليات الحيوية. يُفسر هذا أيضًا الشعور الغريب الذي تُسببه صدمة كهربائية، والحركة المفاجئة اللاإرادية للجسم التي تتبع ذلك. فمصدر الكهرباء القادم من خارج جسم الإنسان يُحدث خللًا في الجهاز العصبي.

تكفي الطاقة التي تولدها كافة العصبونات الموجودة في الدماغ، التي يبلغ عددها 86 مليار لتشغيل مصباح إنارة منخفض الطاقة.

6. تختلف همهمة الكهرباء من مكان إلى آخر

تُصدر الكهرباء صوت الهمهمة خلال تشغيلها للأجهزة المختلفة في المنزل وأماكن العمل، ومصدر تلك الهمهمة هو الشحنة المتناوبة. يتحرك هذا النوع من الشحنات في عدة اتجاهات، عدة مرات في الثانية الواحدة. أما التيار المتواصل، فيتحرك في اتجاه واحد فقط، ويُستخدم عادةً لشحن البطاريات.

يحدث صوت همهمة الكهرباء جرّاء اهتزاز المغناطيس الكهربائي داخل الأداة، ويمكن سماعه عند الاقتراب من الأداة الكهربائية.

يختلف صوت الهمهمة تبعًا لسرعة تقلب الشحنات المتناوبة. يصل معدل تناوب الشحنات في دول أميركا و كندا وبعض دول جنوب أميركا إلى 60 تناوبًا بالثانية.

في أغلب مناطق العالم الأخرى، يصل معدل تناوب الشحنات إلى 50 مرة بالثانية. يقول غاري وودز أستاذ جامعي في قسم هندسة الحواسيب والكهرباء في جامعة رايس في ولاية تاكسس لمجلة Live Science أن تردد الهمهمة أكثر بنحو مرتين من تردد تناوب الشحنات.

في الولايات المتحدة، يصل معدل همهمة الكهرباء إلى 120 هرتز، أو بين درجة B و-B ثابتة تحت أوكتافان اثنان أسفل C بالنصف. في أوروبا، يصل معدل الهمهمة إلى 100 هرتز، أو في عالم الموسيقا بين -A ثابتة وG تقع أسفل أوكتافان اثنان وسط C.

7. استهلاك الكهرباء يستمر في التزايد

يستهلك العالم ككل كميات كبيرة من الكهرباء. في سنة 2019، وصل استهلاك الطاقة الكهربائية حول العالم إلى 22,848 ساعة تيراوات. لفهم ضخامة هذا الرقم، تعادل التراوات الواحدة ترليون واط، وهو رقم يكفي لتشغيل عدد لا يحصى من مصابيح الإنارة.

تبين بحسب ما نشرته وكالة الطاقة الدولية (International Energy Agency) أنه يجري استهلاك 41% من كل تلك الطاقة الكهربائية في مجال الصناعة، ويأتي في المرتبة الثانية استهلاك الكهرباء في مناطق السكن بنحو 27%، و21% في قطاعي الخدمات العامة والتجارة. يستهلك قطاع النقل بما في ذلك السيارات الكهربائية ما تبقى من الكهرباء، إضافةً إلى استخدامات أخرى تحتاج الطاقة الكهربائية.

زاد الاعتماد على الطاقة الكهربائية تدريجيًا منذ التسعينات؛ وشهدت سنة 2019 زيادة في الاستهلاك بنسبة 1.8% أكثر من العام السابق 2018. تتصدر الصين قائمة أكثر الدول المستهلكة للكهرباء في العالم، وتليها الولايات المتحدة الأميركية والهند.

8. النحل كائنات كهربائية

قد تتسبب حركة النحل ضمن سرب كبير بحدوث تأثير أقرب للصدمة الكهربائية، ولا يشمل ذلك فقط لسعة النحلة. من الممكن أن ينتج عن حركة أسراب النحل توليد حقول كهربائية شبيهة بتلك الناتجة عن العواصف الرعدية، بحسب بحث نُشر في مجلة iScience في أكتوبر 2022.

يعود تفسير هذه الظاهرة إلى طبيعة حركة النحل، إذ يستمر النحل بالاحتكاك بالنباتات خلال الطيران، وترفرف أجنحة النحل مئات المرات في الثانية الواحدة.

لذلك، من السهل جدًا تشكل حقل كهربائي ساكن. ظن العلماء بدايةً أن الحقل الساكن صغير المدى، لكن تغير ذلك بعد قياس الشحنة الكهربائية بالقرب من خلايا النحل قبل تحليقها سويًا ضمن سرب واحد.

وجد العلماء أنه باستطاعة النحل صنع تدرج للجهد الكهربائي بحدود 100 فولت لكل متر، وفي بعض الأحيان 1000 فولت لكل متر، أي تدرجًا للجهد الكهربائي أعظم بثماني مرات من ذلك الذي ينتج عن عاصفة رعدية. تؤثر تدرجات الجهد الكهربائي المتولدة عن كائنات حية مثل النحل في هذا المثال على حركة الغبار أعلى الغلاف الجوي وحركة ملوثات أخرى.

9. بعض أنواع البكتيريا يزفر منها كهرباء

يزفر صنف من البكتيريا الذي يدعى Geobacter الموجود أسفل قاع المحيط وتحت الأرض الكهرباء. يحدث ذلك نتيجة لعدم تمكن البكتيريا من الحصول على الأوكسجين. يمكن تفسير ذلك بالعودة إلى مفهوم الأيض، إذ تؤدي عملية الأيض إلى توليد إلكترونات زائدة.

يمر البشر وأنواع أخرى من الكائنات الحية بدورة حياة تتطلب فيها أجسامهم الأوكسجين، إذ يرتبط الأوكسجين بالإلكترونات الزائدة ليخرجها من الجسم. لكن، الكائنات التي لا حاجة لها للأوكسجين لا تحظى بهذه الميزة، وهذا يُفسر زفير Geobacter للكهرباء.

لذلك، تزفر باكتيريا Geobacter الإلكترونات الزائدة للبيئة المحيطة عبر ما يُشبه أنابيب تنفس حجمها أصغر من شعرة الإنسان بنحو 100,000 مرة، وإلى مسافات قد تصل إلى مسافات بعيدة، مقارنة بحجم البكتيريا.

وجد العلماء في بحث أجروه سنة 2021 أن أنابيب التنفس الصغيرة تُشبه أسلاك الكهرباء الرفيعة، وتتكون من بروتين يُدعى سيتوكروم. قد تستطيع مستعمرات من هذه البكتيريا تشغيل أدوات كهربائية صغيرة، نظرًا لعدم توليد البكتيريا لكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية.

10. الألماس يحتاج لصعقة كهربائية ليتشكل

أفاد تقرير نشره العلماء سنة 2021 في مجلة Science Advances أن الألماس الذي يتشكل في عمق دثار الأرض يحتاج إلى صعقة كهربائية ليكتمل تشكله. تبين أن الكربون لا يتحول إلى حجز براق إلا بعد تعرضه لصدمة كهربائية شدتها واحد فولت.

تنتقل الطاقة الكهربائية أسفل الأرض بسهولة، إذ يوجد العديد من الصخور والسوائل الناقلة للشحنة الكهربائية. يبدو أن الحقل الكهربائي الصغير الضعيف فيه ما يكفي من الإلكترونات التي تلزم لبدء عملية البلورة وتشكل الألماس.

اقرأ أيضًا:

اختراع شريحة فائقة الدقة لتوليد الكهرباء من السكر الموجود في الجسم

تكنولوجيا جديدة صديقة للبيئة تولد الكهرباء من طبقات الهواء الرقيقة

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: نغم رابي

المصدر