وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، قد تصل درجة الحرارة لسطحٍ أسود اللون إلى ما يقارب 65 درجة مئوية خلال نهارٍ صيفي مشمس. يؤدي هذا تباعًا إلى ارتفاع الحرارة داخل المبنى، ما يفرض تشغيل مكيف الهواء، الذي يعمل عبر تشغيل المحطات والمصانع الكهربائية التي تنتج الكهرباء بحرق الوقود الأحفوري، إلا أن هذه الآلية بانبعاثاتها تؤدي إلى زيادة نسب التغير المناخي. وعلى رغم من كون هذه المشكلة عالمية ومستعصية، إلا أن حلها قد يكون بسيطًا إذا ما إستطعنا إنتاج أسطح تعكس أشعة الشمس بدل امتصاصها.

الطلاء الأكثر بياضًا في العالم قد يساعدنا في توفير الطاقة وتقليص الاحتباس الحراري - إنتاج أسطح تعكس أشعة الشمس بدل امتصاصها

الطلاء الأكثر بياضًا في العالم:

بهدف إيجاد حلٍ للمشكلة المذكورة، طور الباحثون الطلاء الأكثر بياضًا في العالم، إذ تعكس هذه التركيبة الفائقة البياض نحو 98.1% من أشعة الشمس. ويتأمل العديد بأهمية هذه الخطوة التي تُمثل حلًا علميًا أساسيًا في مواجهة الاحتباس الحراري. وذُكرت تفاصيل هذا الطلاء في المقال الذي نشرته صحيفة المجتمع الكيميائي الأمريكي في 15 من أبريل، 2021.

صرح شيانغ يولي، الكاتب الرئيسي للمقال قائلًا: «إضافةً إلى خاصية عكس الأشعة الشمسية لتجنب ارتفاع الحرارة، يتمكن الطلاء من خفض حرارته بدرجة أبرد من الهواء المحيط به؛ حتى وإن كان تحت الأشعة مباشرةً».

يعمل شيانغ يولي حاليًا في الأبحاث العليا في معهد ماساتشوستس الجامعي للتكنولوجيا.

ويعقب شيانغ قائلًا: «هذا الطلاء يشبه المكيف الجوي، إلا أنه لا يستهلك أي طاقةٍ كهربائية».

إضافةً إلى امتصاصه جزءًا بسيطًا من الأشعة، يعكس الطلاء الطاقة الحرارية إلى الجو على شكل أشعة تحت الحمراء، ما يساهم بابتعادها وعدم تفاقم أزمة الاحتباس.

وعلق شيانغ على مميزات الطلاء قائلًا: «كلا التأثيرين يساعدان في خفض حاجتنا للطاقة الكهربائية والتكييف الجوي».

عمل الباحثون على طلاءٍ يُستخدم في التبريد السلبي منذ سبعينيات القرن الماضي، إلّا أن معظم المنتجات التي ظهرت كانت تمتص الحرارة بنسبٍ عالية بما لا يوفر أي تأثير تبريد خلال النهار؛ يعتقد شيانغ بأن ميل العلماء الحالي إلى استعمال تكنولوجيا النانو لخلق أسطحٍ تعكس الأشعة لن يأتي بأي نتائج بسبب صعوبة استعمال هذه التكنولوجيا وسعرها المرتفع.

إن عقبة استعمال تكنولوجيا النانو وسعرها الجنوني أجبر العلماء على البحث عن طرقٍ أخرى للخروج بطلاءٍ أفضل. ويؤكد شيانغ بأن مركب جسيمات البوليمر -المشابه للطلاء التجاري- هو أفضل وسيلةٍ للوصول إلى النتائج المرجوة.

يعكس الطلاء الأبيض العادي ما يعادل 80-90% فقط من أشعة الشمس، إذ أنه ليس أبيض بما يكفي للمساعدة في التبريد السلبي، وترتفع حرارته بفعل الأشعة فوق البنفسجية، لهذا كان الهدف إيجاد لونٍ يتفوق ببياضه على الطلاء العادي، وهذا اُعتبر تحديًا للباحثين في المجال.

يوضح شيانغ قائلًا: « بدأنا بالعمل على مواد ذات فجوة طاقة عالية في نطاق الإلكترون بهدف منع الامتصاص الحراري، لكن هذه المواد ظهرت بشكلٍ شبه شفاف لعدم قدرتها على عكس الأشعة».

ويستكمل شيانغ حديثه قائلًا: «إن الدراسات السابقة على أنواع الطلاء ومميزاته ساهمت بتأكيد أهمية توزيع حجم الجزيئات ونسبة تركيز الطلاء وتأثيرهما عليه؛ عندما عملنا على هاتين الخاصيتين، تحسنت النتائج التي حصلنا عليه».

خلال عملية إنتاج الطلاء، أجرى الباحثون العديد من التجارب لإيجاد المادة الأفضل في عكس الأشعة الشمسية، وتبين أن كبريتات الباريوم تتميز بهذه الخاصية نظريًا، ما يجعل الطلاء أكثر بياضًا.

تُستعمل كبريتات الباريوم طبيًا على شكل أقراص أو مشروب تغلف المريء والمعدة والأمعاء قبل تعرض المريض للتصوير بالأشعة السينية أو التصوير المقطعي المحوسب (CT Scan)، إذ تساعد الأطباء على رؤية المناطق المُستهدفة بشكلٍ أوضح. ويؤكد شيانغ سلامة استعمال كبريت الباريوم في الطلاء، بما أنه لا يشكل أي خطر على البشر والطبيعة بشكل عام.

استعمل الباحثون أحجامًا مختلفة من جزيئات كبريتات الباريوم، ما ساهم في تشتيت الضوء بنسبٍ أعلى. إضافةً إلى ذلك، قاس الباحثون مدة بقاء الطلاء في الجو الخارجي وقدرة تحمله للتأكد من كونه مناسبًا للأسطح.

يوضح شيانغ قائلًا: «أجرينا عدة تجارب على الطلاء مثل مقاومة التآكل وتعريضه للطقس لثلاثة أسابيع؛ إضافة إلى ردة فعل المواد على الماء».

يعتقد شيانغ بأن هذه الاختبارات أثبتت قدرة الطلاء على تحمل الجو الخارجي، ما يعني نجاحه. قاس الفريق أيضًا لزوجته، وتبين تشابهها مع لزوجة الطلاء العادي.

استطاع شيانغ وفريقه بفضل هذا من الوصول إلى موادٍ تعكس الضوء بنسبٍ عالية، إضافةً إلى سهولة إنتاجها وتشابهها الكبير مع الطلاء العادي بإمكانية تنظيفها بالفرشاة وتجفيفها وطريقة صناعتها ونقلها وتطبيقها التي لا تحتاج إلى معدات أو مواد متخصصة.

لا تستطيع العين المجردة التفريق بين الطلاء العادي والطلاء فائق البياض، إذ يعود الفرق بينهما إلى نسبة الضوء المعكوس، وهي نسبة غير محسوسة بالعين. ويؤكد شيانغ ذلك عبر صورتين لكل طلاءٍ، لا يظهر الفرق بينهما فيها.

يهدف الباحثون في الخطوة التالية إلى إطالة عمر الطلاء وقدرته على تحمل تقلبات الطقس، ولا يوجد تاريخ محدد لنشر المنتج في السوق حاليًا.

اقرأ أيضًا:

كيف يساعدنا الطلاء الأبيض على مكافحة اضطرابات المناخ؟

ما الفرق بين انعكاس الضوء من على ورقة بيضاء وانعكاسه على مرآة؟

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: أحمد الحميّد

المصدر