توصل الباحثون إلى اختبار دموي تشخيصي جديد يستند إلى التعبير الجيني للتفريق بين العدوى البكتيرية والفيروسية بدقة وصلت إلى 90%. هو الاختبار الأول من نوعه الذي يطابق معايير منظمة الصحة العالمية.

يشكل التشخيص الدقيق لسبب العدوى سواء كان بكتيريًا أو فيروسيًا أحد أكبر التحديات التي تواجه الصحة العالمية.

تظهر هذه المشكلة جليًا في الدول النامية، فمعظم المضادات الحيوية الموصوفة فيها تكون عديمة النفع، إذ إن 70-80% من المضادات الحيوية توصف في حالات العدوى الفيروسية التي لا تعالجها أصلًا، فضلًا عن الضرر الناجم عن فرط استخدام المضادات؛ لتسببها في تعزيز مقاومة الجراثيم لها.

تظهر مشكلة مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بلغت نسبة المضادات الحيوية الموصوفة في حالات العدوى الفيروسية 30-50%.

سيمكّن الاختبار الأطباء حول العالم من التمييز بين العدوى البكتيرية والفيروسية بسرعة ودقة، ما سيقضي على مشكلة استخدام المضادات المفرط.

يستند الاختبار الجديد إلى آلية استجابة الجهاز المناعي إلى العامل الممرض، وهو الاختبار الأول من نوعه الذي خضع للتقييم في مجموعات سكانية عالمية متنوعة تمثل مجموعة واسعة من العدوى البكتيرية.

هو الاختبار الوحيد أيضًا الذي يوافق معايير الدقة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية ومؤسسة وسائل التشخيص الجديدة المبتكرة للتصدي لمقاومة المضادات الحيوية.

تتضمن المعايير تحقيق نسبتي الحساسية (التعرف الصحيح على الحالات الإيجابية)، والنوعية (التعرف الصحيح على الحالات السلبية)، إذ تبلغان على الأقل 90% للحالات الإيجابية و80% للحالات السلبية عند التمييز بين العدوى البكتيرية والفيروسية. نُشرت تفاصيل الاختبار في مجلة سيل ريبورتس ميديسن.

يقول مؤلف الدراسة الرئيسي بورفيش خاطري، الأستاذ المساعد في قسم علم البيانات الطبية والبيولوجية في جامعة ستانفورد: «تزداد مقاومة المضادات الحيوية باطراد، لذا يُبذل جهد حثيث للتقليل من استخدام المضادات الحيوية غير الملائم، ويشكل التمييز الدقيق بين العدوى البكتيرية والفيروسية أحد أكبر التحديات التي تواجه الصحة العالمية».

تتضمن تقنيات التشخيص المتوفرة حاليًا، زرع العامل الممرض في طبق بتري الذي يستغرق عدة أيام لظهور نتيجته، واختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR الذي يتطلب معرفة العامل الممرض الذي نبحث عنه.

يضيف خاطري: «لهذا السبب يصف معظم الأطباء المضادات الحيوية تجريبيًا؛ أي أنهم يراقبون حالة المريض بعد وصف المضاد الحيوي، فإن تحسنت حالته سيؤكد ذلك إصابته بعدوى بكتيرية، وإن لم تتحسن يكون مصابًا بعدوى فيروسية، ويوقفون حينها وصف المضاد الحيوي».

تفاعل الجهاز المناعي

ينتمي الاختبار إلى مجموعة جديدة من الاختبارات التشخيصية التي تستهدف استجابة المضيف أو كيفية تفاعل جهاز المريض المناعي لتحديد نوع العدوى.
يُقاس هنا تحديدًا التعبير عن جينات معينة تشارك في استجابة المضيف المناعية.

يقول خاطري: «قضت أجهزتنا المناعية ملايين السنين تتعرف على الجراثيم والفيروسات وكيفية الاستجابة لها، فلماذا لا نسأل الجهاز المناعي عن ماهية العامل الممرض بدلًا من التحري عنه مباشرةً».

مع ذلك، فشلت الاختبارات التي تستهدف استجابة المضيف أمام أنماط العدوى السائدة في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل؛ لأنها اقتصرت في تصميمها للاختبارات على بيانات جُمعت من غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.

تكمن مشكلة الاختبارات تحديدًا في التمييز بين الاختلافات الأدق بين العدوى البكتيرية داخل الخلايا والعدوى الفيروسية.

يقول خاطري: «من منظور وبائي، تسبب الجراثيم التي تتكاثر خارج الخلايا عادةً العدوى البكتيرية في الدول المتطورة».

تتضمن هذه الجراثيم خارج الخلايا: الإشريكية القولونية والجراثيم العقدية التي تسبب التهاب الحلق.

أما في البلدان النامية فتنتشر أمراض شائعة، مثل: التيفوس والسل، تسببها بكتيريا تتكاثر داخل الخلايا البشرية كالفيروسات.

يوضح خاطري المشكلة التي تواجه الاختبارات التي تستهدف استجابة المريض بقوله: «تتباين استجابة الجهاز المناعي تبعًا لنوع العدوى البكتيرية سواء كانت داخل الخلايا أو خارجها».

يضيف: «تكمن الصعوبة في اختلاط استجابة الجهاز المناعي بعد دخول البكتيريا إلى داخل الخلية مع مسارات الاستجابة للعدوى الفيروسية».

قد تميز اختبارات استجابة المضيف حاليًا بين العدوى البكتيرية خارج الخلايا والعدوى الفيروسية بدقة تتجاوز 80%، ولكن دقة تمييز العدوى البكتيرية داخل الخلايا لا تتعدى 40-70%.

اختبار نقاط الرعاية القادم

استخدم فريق خاطري بيانات تعبير جيني جُمعت من 35 بلدًا بهدف تطوير اختبار تشخيصي قادر على التفريق بين العدوى البكتيرية بنوعيها والعدوى الفيروسية.

تضمنت البيانات 4754 عينة من أشخاص بمختلف الأعمار والأجناس والأعراق مصابين بعدوى معروفة.

رأى خاطري أن استخدام هذه البيانات متنوعة الأمراض والعدوى والأنماط يشكل نموذجًا يمثل العالم بأكمله.

تمكن الفريق باستخدام التعلم الآلي ونصف هذه العينات من تحديد 8 جينات يختلف التعبير عنها حسب نوع العدوى بكتيرية أو فيروسية، وقيّم الفريق دقة الاختبار على العينات المتبقية إضافةً إلى 300 عينة جديدة جُمعت من نيبال ولاوس.

وجد الفريق أن هذه الجينات الثمانية قادرة على التمييز بين العدوى البكتيرية بنوعيها؛ داخل الخلايا وخارجها، إضافةً إلى العدوى الفيروسية بدقة عالية بلغت 90% حساسية ونوعية، وهو أول اختبار تشخيصي يحقق المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية ومؤسسة وسائل التشخيص الجديدة المبتكرة ويتجاوزها.

يقول خاطري: «أظهرنا دقة اختبارنا القائم على الجينات الثمانية وقابليته للتعميم في التمييز بين العدوى البكتيرية والفيروسية بصرف النظر عن كونها داخل الخلايا أو خارجها، وبصرف النظر عن عمر المريض وجنسه ومكانه في دولة متطورة أو نامية».

يأمل خاطري أن يصبح اختباره أحد اختبارات نقاط الرعاية، وأن يتبناه الأطباء في الدول المتطورة والنامية؛ لأنه يتطلب فقط عينة دموية لتطبيقه ويستغرق من 30 إلى 45 دقيقة.

من الجدير بالذكر أن فريقه قد تقدّم للحصول على براءة اختراع للاختبار.

اقرأ أيضًا:

كيف نتجنب مختلف أنواع العدوى؟

هل من الممكن ان تنتقل العدوى من الحيوان الى الانسان ؟

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: هادية أحمد زكي

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر