ما هو العلاج السلوكي الجدلي؟

إنه نمط مُعدل من العلاج السلوكي المعرفي، يتمثل هدفه الأساسي بتوجيه الفرد إلى عيش الحياة بطريقة صحية، والتأقلم مع ضغوطها وكيفية ضبط المشاعر، وكذلك التدرب على تحسين العلاقات ومحاولة تركيز الانتباه على الحاضر دون الخوف من المستقبل. يعد العلاج السلوكي الجدلي أفضل العلاجات الموجهة لمرضى اضطراب الشخصية الحدية. يشكّل أيضًا خيارًا مناسبًا في حالات عديدة من الأمراض العقلية.

يمكنه مساعدة الأفراد الذين يجدون صعوبة في ضبط ردود أفعالهم وعواطفهم، والأشخاص الذين يُبدون ميلًا لأذية أنفسهم ويعانون بعض الاضطرابات مثل اضطرابات الطعام أو إدمان بعض المواد. كذلك يفيد هذا النوع من العلاج في معالجة اضطرابات ما بعد الصدمة.

أساليب العلاج السلوكي الجدلي

شهد العلاج السلوكي الجدلي تطورًا تدريجيًا حتى أصبح نهجًا متبعًا في المعالجة النفسية متمثلًا بأساليب متعددة، منها:

  •  العلاج الجماعي: يطور المريض مهارات سلوكية مختلفة من خلال نظام مجموعات يضم أفرادًا يشاركونه اهتماماته ومشاكله.
  •  العلاج الفردي: يخضع المريض لعلاج فردي بإشراف مختصين احترافيين يساعدون في تدريبه على السلوك الصحيح وفقًا لتحديات الحياة اليومية التي تواجهه.
  •  العلاج عن بعد عبر الاتصال الهاتفي: يتواصل المريض هاتفيًا مع المعالج عندما يحتاجه في مواقف معينة يواجهها، لتلقي النصيحة الملائمة وتقديم الدعم اللازم بين الجلسات.

تتضمن بعض التقنيات المستخدمة في العلاج السلوكي الجدلي ما يلي:

التركيز الذهني الكلّي

واحدٌ من أهم أساليب العلاج، إذ يهدف إلى توجيه تركيز الفرد كاملًا نحو التفكير باللحظة الحالية، ما يساعد الشخص على الاهتمام بما يجول بداخله من أفكار ومشاعر وأحاسيس ودوافع، وعلى الاعتماد على حواسه لفهم وتقبّل ما يجري حوله، ما يسمعه ويراه ويلمسه. تساعد هذه الطريقة في الحفاظ على هدوء الفرد وتجنبه الوقوع في الأفكار السلبية والسلوكيات غير الصحية.

من الأمثلة عليها: يُنصح الفرد بالتركيز على تنفسه مع مراقبة حركات البطن مع الشهيق والزفير من صعود وهبوط.

التعامل مع الأزمات والقدرة على تحمل الضغط

يهتم المعالج بتدريب المريض على تقبل ذاته ووضعه الراهن وتحمل الضغوط المترتبة عليه، ما يجعله قادرًا على تحمّل أشد المشاعر والتعامل معها بنظرة أكثر إيجابية على المدى الطويل. إذ ينصح المختصون باتباع عدة خطوات لتحقيق ذلك، منها: ممارسة نشاطات التسلية للإلهاء ومحاولة تحسين الوضع الحالي والسعي لتهدئة الذات من خلال التفكير بطريقة إيجابية، والتأكيد على أهمية إدراك الفرد لسلبيات عدم التسامح مع نفسه عندما يكون تحت ضغط نفسي.

مثال بسيط للتوضيح:

حاول أن تحسن من ظروف اللحظة الحالية، اخرج للمشي إن كنت جالسًا في المنزل وتشعر بالملل، أو قم ببعض التمرينات مثل صعود الدرج ونزوله عدة مرات، تساعد هذه الممارسات على تحويل الانتباه إلى الشعور الجسدي بدلًا من النفسي.

تعزيز تأثير شخصية الفرد وفعاليته

يهدف المعالج من خلال اتباع هذا الأسلوب إلى تحفيز الشخص ليكون أكثر تأثيرًا في علاقاته، فينصحه مثلًا بالتعبير عن حاجاته الحقيقية، ورفضه لأي تصرف أو شعور لا يرغب به، الأمر الذي يعزز حبه لذاته واحترامها وكذلك احترام الطرف الآخر في العلاقة.

قدم العلماء اختصارًا لهذه الطريقة بكلمة (Gentle-Interest-validate-Easy) GIVE، التي تعني:

  •  :G كن لطيفًا مع الآخرين، لا تهاجم بعدوانية أو تتخذ أحكامًا مسبقة.
  •  :I أظهر اهتمامًا بالآخرين من خلال الإنصات بشكل جيد وعدم مقاطعة أحد في أثناء كلامه.
  •  :V اعترف بمشاعر الآخرين وأفكارهم.
  •  :E حاول أن تكون مرنًا وحافظ على ابتسامتك دائمًا.

تنظيم المشاعر

تعزز هذه الطريقة قدرة الفرد على تجاوز مشاعره القوية بطريقة فعالة، إذ تساعد على تعريف المشاعر وتسميتها وتغييرها. إن القدرة على تحديد المشاعر السلبية القوية والتعامل معها، تُقلل مستوى الضعف العاطفي لدى الفرد وتساعده على خوض تجارب عاطفية إيجابية.

على سبيل المثال: ينصح المختصون بضرورة اعتراف المريض بمشاعره ورغباته، وفعل عكسها. مثلًا، عند الشعور بالحزن والرغبة بالعزلة أو الانسحاب من جلسة جماعية، حاول رؤية أشخاص تحبهم.

ماذا يقدم العلاج السلوكي الجدلي؟

في أواخر الثمانينيات، لاحظ المختصون أن العلاج السلوكي المعرفي لم يحقق النتائج المرجوة في علاج اضطراب الشخصية الحدية، ما دفع طبيبة تدعى مارشا لينهان لتطوير هذا العلاج بمشاركة زملائها، إذ أضافوا خصائص جديدة تساعدهم في تقديم الدعم اللازم لمرضى الشخصية الحدية، ولاحظوا فائدة العلاج السلوكي الجدلي في العديد من الاضطرابات النفسية، مثل:

  •  اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD).
  •  اضطراب ثنائي القطب.
  •  اضطراب الشخصية الحدية.
  •  الاضطرابات المرتبطة بالطعام مثل فقدان الشهية والشره العصبي.
  •  اضطراب القلق المعمم.
  •  الاكتئاب الشديد (المزمن والمقاوم للعلاج).
  • إيذاء النفس غير الانتحاري.
  •  اضطراب الوسواس القهري.
  •  الاضطراب النفسي بعد التعرض لصدمة.
  •  تعاطي المخدرات.
  •  السلوك الانتحاري.

فوائد العلاج السلوكي الجدلي

يتعاون فيه الطبيب والمريض لإيجاد حلول مناسبة لحل التناقضات التي يعانيها المريض، بين تقبل ذاته وحاجته لإحداث التغيير اللازم لتحقيق تقدم ملحوظ في شخصيته.

يدعم المعالج النفسي مريضه من خلال تأكيده على منطقية تصرفاته دون الحكم على أساليبه، يمكن توفير العلاج السلوكي الجدلي من خلال التدريب الفردي أو الجماعي أو عبر الهاتف، ويتميز هذا العلاج بالعديد من الخصائص، أهمها:

  •  التقبّل والتغيير: يعلّم العلاج الجدلي المريض أن يتقبل ذاته ويتحمل صعوبات الحياة والضغوطات النفسية التي ستواجهه، إضافةً إلى ذلك يساهم بتحفيزه لتطوير مهارات مختلفة تُحسن سلوكه وتفاعله مع المجتمع، ما يشعره بالتغيير الإيجابي.
  •  تطوير سلوك الفرد: يساهم العلاج بتعزيز قدرة الشخص على تحليل المشكلات واستبدال التصرفات المدمرة للذات بتصرفات أكثر صحية وإيجابية.
  •  الإدراك: يركز العلاج على استبدال المعتقدات والأفكار البالية بأخرى ذات نظرة إيجابية وفعّالة.
  •  التعاون: يفيد العلاج بتعزيز روح التعاون والعمل كفريق (مجموعات أطباء نفسيين، ومعالجين وغيرها).
  •  الانضمام لورشات مهارات مختلفة: يمكن من خلالها تطوير المهارات القديمة واكتساب مهارات جديدة.
  •  الدعم: يقدم العلاج دعمًا لمساعدة المرضى في التعرف على جوانبهم الإيجابية وتطويرها.

فعالية العلاج السلوكي الجدلي

لاحظ الباحثون مدى فعالية العلاج لدى غالبية المرضى بصرف النظر عن العمر والجنس والعرق، وأكدوا على دوره في تطوير مهارات التأقلم والتعامل مع المحيط.

  •  أظهرت الدراسات فعالية العلاج ونجاحه لدى مرضى اضطراب الشخصية الحدية وتقليل مخاطر الانتحار لديهم، إذ لوحظ أن 75% من المرضى لا يحققون معايير التشخيص للحالة بعد سنة من العلاج.
  •  وجد الباحثون في دراساتهم أن اتباع المهارات التدريبية في العلاج، حقق نتائج أفضل من العلاج دونها، خاصةً لدى مرضى السلوك الانتحاري.
  •  على الرغم من فعالية العلاج النوعية لدى مرضى الشخصية الحدية، فإنه نجح أيضًا في تحسين حالات عديدة من الأمراض العقلية واضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق.

تشير الأبحاث أيضًا إلى الدور المهم للعلاج السلوكي الجدلي في تحسين حالات الأطفال الذين يعانون اضطرابًا في المزاج.

أمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار فيما يخص العلاج السلوكي الجدلي

يتطلب تطبيق هذا النمط من العلاج وقتًا كافيًا، مع ضرورة الالتزام بمواعيد جلسات محددة، يُطلب أيضًا من المتدربين أداء وظائف محددة خارج أوقات مجموعات التدريب، بهدف تجاوز الصعوبات التي يواجهها المريض في أثناء تأدية المهام اليومية بشكل منتظم وصحي.

قد تشكل ممارسة بعض الوظائف والمهارات تحديًا حقيقيًا للبعض، فيعاني المريض في مراحل مختلفة من العلاج تجاربًا مؤلمة تترك أثرًا سلبيًا.

كيف تبدأ بالعلاج السلوكي الجدلي؟

يجب استشارة مختص في العلاج النفسي أو طبيب نفسي عند شعور الفرد أو أحد أفراد عائلته بالحاجة إلى العلاج، إذ يقيّم المختص الأعراض التي يعانيها المريض ومدى حاجته إلى العلاج والأهداف المرجوة منه.

يمكن للطبيب والمعالج النفسي توجيه المريض إلى مصادر عديدة لإيجاد برنامج تدريبي ملائم وكذلك إيجاد المعالج المختص المناسب، من أهم هذه المصادر:

  •  منظمة أساليب العلاج السلوكية التي أسستها الطبيبة لينهان لتدريب مختصين في العلاج السلوكي الجدلي. تتيح هذه المنظمة للمريض إمكانية العثور على المعالج والبرنامج التدريبي حسب الولاية، وتوجد أيضًا عيادات البحوث السلوكية والعلاج في جامعة واشنطن.

يمكن للمريض أيضًا التواصل مع معالجه عبر الإنترنت، الأمر الذي يوفر انتشارًا أوسع وأسهل للعلاج.

اقرأ أيضًا:

ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟ ما أسبابه وأعراضه وكيف يتم علاجه؟

ما هي المداخلات التي تساعد على منع حالات الانتحار ؟

ترجمة: بثينة خدام

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر