يعاني نحو ثمانية في المئة من الأطفال دون سن الثالثة، وأربعة في المئة من البالغين من الحساسية الغذائية، وهذا لا يؤدي فقط إلى أعراض مزعجة مثل التهاب الجلد والإسهال وإنما يمكن أن يسبّب صدمة (الحساسية المفرطة_ anaphylactic shock).

تَظهر ردود الفعل التحسّسية عندما تحفّز مكوّنات الطعام، مثل: البيض أو المحار أو بروتينات الفول السوداني، خلايا الدم البيضاء والتي تدعى (الخلايا البدينة_ mast cells) لتفريغ كميات مفرطة من الهستامين أو السيتوكينات في الدم، مما يؤدي إلى التهاب في الجلد أو العينين أو الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى بعض الأنسجة الأخرى.

في عام 2012، أفاد الباحث (توشياكي كاواكامي) في معهد (LA JOLLA) أن بروتينًا صغيرًا سمّي باسم (عامل إفراز الهستامين_histamine-releasing factor) لعب دورًا مساعدًا للالتهابات في الربو.

مدّدت مجموعته الآن هذا العمل في 13 نوفمبر 2017، (حالات على الإنترنت لمجلة Clinical Investigation) بالكشف عن أن عامل إفراز الهستامين يعمل أيضًا “كمضخّم للحساسية الغذائية”.

وتورد الدراسة آلية كيمائية-حيوية جديدة تنظم نشاط عامل إفراز الهستامين، وتمهّد الطريق لاختبارات الدم للتنبؤ بالمرضى الذين سيستجيبون لعلاج الحساسية، وتؤيد بقوة فكرة أن الأدوية المصمّمة لتثبيط عامل إفراز الهستامين يمكن أن تمنع نوبات الحساسية الغذائية.

يقول كاواكامي: إن “النظرة السائدة” لتسلسل الحساسية هي:

المواد المسببة للحساسية ترفع مستويات الأجسام المضادة التي تسمى الغلوبيولين المناعي E (IgE)، والتي ترتبط بالخلايا البدينة، وعندما يلمس المُسبّب للحساسية الغلوبيولين المناعي E (IgE)، فإن الخلايا البدينة ستفرز الهستامين.

“ولكن عندما بدأنا هذه الدراسات، كنا نشكّ في أن المواد المسببة للحساسية غالبًا ما تكون موجودة بنسب منخفضة جدًا، وربما منخفضة جدًا لتنجح في تنشيط الخلايا البدينة من خلال هذا المسار”.

“تؤكد الدراسة الجديدة أنه بمجرد الاستثارة التي تسببها المواد المسبّبة للحساسية، فإن بروتينات عامل إفراز الهستامين ترتبط بالغلوبيولين المناعي E (IgE)، ثم يعمل كل منهما على تنشيط الخلايا البدينة وتعزيز الالتهاب”.

ولإثبات ذلك، هيّأت مجموعة كاواكامي الفئران لتصبح حسّاسة لبروتين البيض وعالجتها عن طريق الفم بمثبّط عامل إفراز الهستامين الذي طوّره الباحثون في المختبر لاستخدامه في التجارب المتعلقة بالربو. ولاختبار فعاليته، أعادوا تعريض الفئران المعالجة وغير المعالجة لمسببات الحساسية للبيض.
كما هو متوقع، عانت الفئران غير المعالجة من الإسهال وعلامات التهاب الأمعاء.

ومع ذلك، تأخّرت هذه الأعراض أو كانت أخفّ بكثير في الفئران المعالجة بمثبط عامل إفراز الهستامين، إذ قلّل المثبّط التفاعل بين العامل المسبّب للحساسية والخلايا البدينة.

يقول (تومواكي أندو)، المؤلف الأول للدراسة، وأستاذ مساعد حاليًا في جامعة جونتيندو في طوكيو: “حقيقة أن مثبطات عامل إفراز الهستامين التي تعطى فمويًا يمكن أن تمنع تطوّر الحساسية الغذائية في فأر تشير بقوة إلى أننا يمكن أن نطور أدوية مماثلة لعلاج البشر الذين يعانون من الحساسية الغذائية”.

وفقًا لذلك، لاحظ الفريق أن مستويات أعلى من المعتاد من الأجسام المضادة من الغلوبيولين المناعي E (IgE) استجابت استجابة كبيرة لعامل إفراز الهستامين في دم الأطفال الذين يعانون من الحساسية للبيض، ما يشكّل تلميحًا قويًا أن عامل إفراز الهستامين يساهم في الحساسية الغذائية في البشر مثلما يفعل في الفئران.

وراقب الفريق بعد ذلك هؤلاء الأطفال أنفسهم أثناء الشروع في تجربة سريرية لإجراء مضاد للحساسية يسمى العلاج المناعي عن طريق الفم الذي يستهلك فيه المرضى كميات متزايدة من البيض عدة مرات يوميًا على مدى بضعة أسابيع. وعندما يتحقق للمريض اختفاء أعراض الحساسية، فإنه يستمر في استهلاك البيض لمدة 12 شهرًا.

ثم يتوقّف عن استهلاك منتجات البيض لمدة أسبوعين قبل إعادة التعرض لبروتين البيض، بوصفه اختبارًا لفعالية العلاج.

ومن النتائج الرئيسية التي توصّلنا إليها في هذا البحث أن الأطفال الذين نجحوا في مواجهة هذا “التحدي” الأخير –بالبقاء من دون أذى رغم استهلاك البيض بعد أسبوعين من إيقاف العلاج – حافظوا على مستويات منخفضة من عامل إفراز الهستامين في الدم بعد العلاج المناعي عن طريق الفم.

على النقيض من ذلك، لوحظ أن الأطفال الذين ظهرت لديهم أعراض الحساسية لبروتينات البيض مباشرة بعد انقطاع العلاج المناعي عن طريق الفم كانت لديهم زيادة في الغلوبيولين المناعي E (IgE).

يرى أندو أن الارتباط بين زيادة عامل إفراز الهستامين المتفاعل مع الغلوبيولين المناعي E (IgE) وفشل العلاج المناعي عن طريق الفم يعدّ نتيجة إيجابية من ناحية اكتشاف العلاجات، لأنه يكشف أن عامل إفراز الهستامين من الممكن أن تستهدفه وبشكل فعال مثبطات فعالة في النماذج الحيوانية.

“في الواقع، إذا كانت حساسية المريض غير مرتبطة بمستويات عامل إفراز الهستامين، هذا قد يعني أن الحالة ستكون أكثر صعوبة أثناء العلاج”.

“وتضمن هذه الاختبارات أيضًا الرصد السريري في المستقبل لمستويات عامل إفراز الهستامين المتفاعل مع الغلوبيولين المناعي E (IgE) كمؤشر لنتائج العلاج المناعي عن طريق الفم”.

ما زال مختبر كاواكامي يركّز على تطوير مثبّطات قوية لعامل إفراز الهستامين ويختبرها حاليًا باستخدام نماذج من الفئران المعدّلة وراثيًا والمذكورة في هذه الدراسة. والهدف منه هو تقليل خطر إصابة المرضى بصدمة الحساسية، حتى يتمكنوا من التمتّع بالملذات البسيطة للحياة الطبيعية، مثل الخروج لتناول الطعام.

يقول كاواكامي، أستاذ في قسم البيولوجيا الخلوية التابع لمعهد (LA JOLLA INSTITUTE FOR ALLERGY ANDIMMUNOLOGY):

“آمل أن تتوفّر الوقاية للمرضى الذين يذهبون إلى المطاعم ويجهلون مكوّنات الطعام”. “في المستقبل، قد يأخذون مثبّطًا عن طريق الفم كتدبير وقائي، ويبقى جلّ اهتمامنا بهؤلاء الأفراد محصورًا حول الحساسية المفرطة -فمن المحتمل أن تكون مميتة”.


  • ترجمة: بشار الجميلي
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر

مواضيع ذات صلة: