يبدو ضوء المصباح المتوهج ثابتًا لكنه في الواقع عبارة عن ومضات متتالية تبلغ 120 ومضة في الثانية. لن يبدو هذا الوميض المستمر واضحًا لنا لأن دماغ الإنسان يدرك معدل المعلومات التي يتلقاها وإدراك الوميض بالعين المجردة محض وهم.

لنصعد إلى الفضاء ونسقط هذه الفكرة على مجرتنا.

في الفضاء حيث لا يستطيع الضوء عبور الثقب الأسود يعطي هذا مجالًا لمزيد من الوميض المتفرد الذي تتمتع به الغازات التي تدور بسرعة كبيرة.

انطلاقًا من هذه النقطة نُشر في مجلة الفيزياء الفضائية بحث علمي لكل من لينا مورشيكوفا وويليام د غوين من معهد الدراسات المتقدمة، وكريس وايت من جامعة برينستون، وشون ريسلر من جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا باربرا.

تمكن العلماء من استخدام هذه الومضات الخفيفة للغازات في بناء النموذج الأكثر دقة حول الثقب الأسود المتمركز في قلب مجرتنا «الرامي أ»، وأوضح لنا هذا النموذج خصائص يتمتع بها الثقب الأسود مثل هيكله وحركته.

أظهر الباحثون لأول مرة بواسطة نموذج متفرد حركة الغازات في مجرة درب التبانة منذ بداية رحلتها حيث تنطلق من النجوم إلى النهاية داخل الثقب الأسود.

عند قراءة ما بين السطور، أي عند الفهم العميق لوميض الضوء التابع لتلك الغازات، توصل الفريق إلى التصور الأوضح للثقب الأسود الموجود في منتصف مجرتنا وهو أنه يتوسع ويتمدد بسحب الغازات البعيدة بدلًا عن سحبه للمواد القريبة منه ببطء.

قالت مورشيكوفا: «تحتوي الثقوب السوداء على أسرار عصية على الفهم». وأضافت: «لفهم ألغاز الثقوب السوداء اتجهنا نحو المراقبة المباشرة والمستمرة لها».

على الرغم من أن اكتشاف الثقوب السوداء يعود لنحو 100 عام من قبل كارل شوارتزشيلد اعتمادًا على نظرية الجاذبية الجديدة لألبرت آينشتاين، فإن الثقوب السوداء لم يراقبها الباحثون بدقة إلا حديثًا.

نشرت مورشيكوفا في أكتوبر عام 2021 بحثًا علميًا في مجلة الفيزياء الفلكية قدمت فيه طريقة لدراسة وميض الثقوب السوداء بواسطة جدول زمني مؤلف من عدة ثوان بدل عدة دقائق. أعطت هذه الدراسة تقديرًا كميًا أدق لخصائص الثقب الأسود «الرامي أ» اعتمادًا على وميضه.

يعمل وايت على دراسة الأمور التي تتعرض لها الغازات بالقرب من الثقوب السوداء -حيث تكون التأثيرات القوية للنسبية العامة مهمة- وكيف تؤثر بدورها في الضوء الواصل إلى الأرض، وهناك بحث علمي نُشر سابقًا هذا العام يحاكي بعض هذه الاكتشافات.

حاول ريسلر خلال سنوات عديدة بناء المحاكاة الأقرب إلى الواقع للبيانات التي رُصدت حول الثقب الأسود الرامي أ. أنشأ ريسلر هذه المحاكاة عبر دمج نتائج مراقبة النجوم القريبة مباشرة مع المحاكاة، والتعقب الدقيق للمواد التي تبدو أنها تسقط في الثقب الأسود، وقد نُشر بحثه في مجلة الفيزياء الفضائية عام 2020.

تعاون كل من مورشيكوفا ووايت وريسلر على مقارنة نمط الوميض المرصود من الرامي أ مع تنبؤاتهم للأنماط العددية.

تقول مورشيكوفا: «تبدو النتائج مذهلة، ظننا لزمن طويل أننا نستطيع تجاهل منشأ الغازات التي تحوم حول الثقب الأسود؛ أي إن هذه المعلومة غير مهمة».

أضافت: «تصور لنا النماذج النمطية حلقة من الغازات بشكل دائري، ووجدنا أن بعض هذه النماذج تنتج أنماطًا من الوميض تختلف عما رُصد في المراقبة».

إن نموذج الرياح النجمية لريسلر يقترب من الواقعية؛ الغاز الذي يسقط في الثقب الأسود أطلقته النجوم القريبة من مركز المجرة سابقًا، وعندما يسقط هذا الغاز في الثقب الأسود ينتج النمط الحقيقي من الوميض.

قال ريسلر: «لم يكن نجاح النموذج مضمونًا، ولم يكن بناؤه بقصد تفسير هذه الظاهرة تحديدًا. كان أمرًا مشجعًا رؤية هذا النجاح يحدث بعد سنوات من الجهد».

وأضاف: «عندما ندرس الوميض يمكننا رؤية التغيرات في كمية الضوء المنبعث من الثقب الأسود في كل ثانية، وإجراء آلاف القياسات خلال ليلة واحدة».

وأضاف: «لا تساعدنا هذه النتيجة في معرفة الصورة الكبيرة لشكل ترتيب الغازات في الفضاء. عند جمع المعلومات التي رصدناها في الحالتين قد نتمكن من تجاوز العقبات التي نواجهها في سبيل الحصول على الصورة الأقرب للحقيقة».

اقرأ أيضًا:

رصد أسرع الثقوب السوداء نموًا وأكثرها سطوعًا

العثور على الجسم الأكثر سطوعًا في الكون المبكر على بعد 13 مليار سنة ضوئية

ترجمة: رهف ابراهيم

تدقيق: عبد المنعم الحسين

المصدر