بول دِيراك الفيزيائي الإنجليزي العبقري، الذي قال عنه (جون جريبين) في كتابه الشهير (البحث عن قطة شرودنجر): «يُعدّ دِيراك العالم النظري الإنجليزي الوحيد الذي يُمكن وضعه في صفّ نيوتُن، فقد طوّر أكثر الصور اكتمالًا بما يُعرف اليوم بميكانيكا الكَمْ».

وُلِد دِيراك في إنجلترا في 8 أغسطس عام 1902، درس الهندسة الكهربائية في جامعة بريستول وتخرّج منها مهندسًا عام 1921، كان معروفًا وسط زُملائه بكونه قليل الكلام مُحبًّا للصمت، ذا طبيعة دقيقة.

كان يشتكي (نيلز بور) أحيانًا من عدم استطاعته إنهاء جملة في مقالة علمية، فيجيبه دِيراك على الفور قائلًا: «لقد تعلمت في مدرستي بألا أبدأ أيّ جملة أبدًا لا أعلم كيف أُنهيها».

التحق دِيراك بكامبريدج كطالب أبحاث ولكنه لم يعمل مهندسًا، وفي تموز عام 1925 استمع لمحاضرة (هايزنبرج) واطّلع بعدها على بحثهِ الجديد عن ميكانيكا المصفوفات التي اكتشفها في وصف السلوك الكمّي للمادة، لم يكن بحثه قد نُشِر بعد، لكن بعد أسابيع قليلة أحكم دِيراك قبضته على المعادلات، واستطاع أن يُعبّر عن الكَمْ بطريقته الخاصة والجديدة تمامًا وهي (الجَبْر الكَمِي Quantum Algebra)

. والجَبْر الكَمّي هو الأنسب للتعبير عن الكوانتم!

بلغت أبحاث دِيراك قمّتها عندما وضع معادلته الشهيرة التي دمجت بين (ميكانيكا الكّمْ) وبين (النسبيّة الخاصّة) وبذلك استطاع دِيراك أن يضع وصفًا لحركة الإلكترون عند حركته بسرعة تقارب سرعة الضوء.

فحركة الإلكترون هي من اختصاص ميكانيكا الكّمْ، أمّا السرعة القُصوى – سرعة الضوء – فهي موضوع النسبيّة الخاصّة المعروف.

وهكذا وضع دِيراك الأساس الأوّل لنظرية جديدة وهي نظرية المجال الكَمّي Quantum Field theory.

وكان لمعادلته حلّان أحدهما موجب والآخر سالب، يُمكننا إدراك الحل الموجب، أما عن السالب فهو مأزق وقع فيه دِيراك، وخرج منه عند اكتشاف الجسيم المُضادّ للإليكترون وهو البوزيترون عام 1932.

وبذلك تحققت نبوءة معادلته.

في عام 1933 حاز على جائزة نوبل مُناصفة مع (شرودنجر) عن أبحاثهما في النظرية الذريّة.

مات دِيراك عام 1984 في فلوريدا، كما كان معروفًا بتواضعه الشديد وإخلاصه لعلمه، وقد كتب في مُذكّراته: «أنه يُركز فقط على أبحاثه، ولا يتوقف إلا في يوم الأحد للتنزُّه لمسافات طويلة وحيدًا».

أقوال ديراك:

  • لقد استخدم الإله رياضيات جميلة في خَلْقِ هذا العالم.
  • التقط زهرةً من الأرض، وستتحرك إلى أبعد نجمة.*
  • القوانين الأساسية الضرورية للمعالجة الرياضية لجزء كبير من الفيزياء والكيمياء كلها، معروفة تمامًا. الصعوبة تكمن في حقيقة أن تطبيق هذه القوانين يقود إلى معادلات غاية في التعقيد وغير قابلة للحل.
  • في العلم يحاول المرء إذاعة خبر للناس بطريقة مفهومة للجميع، حول شيء غير معروف لأحد من قبل. لكن في الشعر، فالعكس تمامًا هو ما يحدث.
  • أنا لا أفهم كيف يُمكن للرجل أن يعمل على حافة الفيزياء وفي نفس الوقت أن يكتب الشعر، إنه التضاد.
  • على أساليب الفيزياء النظرية أن تكون قابلة للتطبيق على جميع فروع الفكر التي تكون فيها السمات الأساسية قابلة ليُعبّر عنها بالأرقام.
  • إن نقص المشترين، الذي يعاني منه العالم، مفهوم تمامًا، وذلك ليس بسبب عدم رغبة الناس في الحصول على السلع، ولكن لعدم رغبة الناس بالتخلي عن شيء قد يكون لهم دخلًا منتظمًا مقابل تلك السلع.
  • برأيي هناك تشابه كبير بين مشاكل السلوك الغامض للذرة وتلك المفارقات الاقتصادية الحالية التي تواجه العالم.
  • إن سبب جميع المشاكل الاقتصادية هو امتلاكنا لنظام اقتصادي يحاول المساواة بين شيئين، بينما يجدر بنا الاعتراف بالأمر على كونه قيمة غير متكافئة منذ البداية.
  • يبدو أنه إذا عمل أحدهم ليجد الجمال في معادلاته وكان عنده اطلاع معمّق عن الموضوع فإنه سيحقق تقدمًا بالتاكيد.

ملاحظة:

*يشير ديراك هنا إلى تأثير الجاذبية الممتد عبر الكون والذي يشمل كل الذرات على الإطلاق، فإذا قطفت زهرة من الأرض، سيمتد هذا التأثير ليؤثر حتى على أبعد النجوم.