ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية أن الحرارة عبارة عن طاقة، وعليه فإن عمليات الديناميكا الحرارية تخضع لمبدأ حفظ الطاقة، بمعنى أن الحرارة لا يمكن استحداثها أو إفناءها لكن يمكن نقلها من مكان إلى مكان أو تحويلها إلى صور أخرى من الطاقة. الديناميكا الحرارية هي ذلك الفرع من الفيزياء الذي يهتم بالعلاقة بين الحرارة وصور الطاقة الأخرى. على وجه التحديد، تصف الديناميكا الحرارية كيفية تحول الطاقة الحرارية من وإلى صور الطاقة الأخرى، وكيف يؤثر ذلك على المادة، وقد صيغت أربعة قوانين لتحديد أساسيات هذا الفرع من الفيزياء.

وفقًا لأستاذ الفيزياء في جامعة ولاية ميسوري سايبال ميترا (Saibal Mitra): «ينص القانون الأول على أن الطاقة الداخلية لنظام ما تساوي مقدار الشغل المبذول داخل هذا النظام زائد أو ناقص الحرارة الخارجة والداخلة إلى النظام إضافة إلى أي شغل آخر مبذول، أي أنه صياغة أخرى لقانون حفظ الطاقة».

ويضيف ميترا: «التغير في الطاقة الداخلية لنظام ما هو مجموع إدخالات وإخراجات الطاقة من وإلى النظام بنفس الطريقة التي يمثل بها مجموع المسحوبات والإيداعات الرصيد البنكي لحساب ما».

ويعبر عن ذلك رياضيًا بالمعادلة التالية:

ΔU = Q – W

  •  إذ تمثل (ΔU) التغير في الطاقة الداخلية.
  •  (Q) تعبر عن الحرارة المضافة للنظام.
  •  (W) تعبر عن الشغل المبذول بواسطة النظام نفسه.

تاريخ الديناميكا الحرارية

التزم العلماء منذ نهاية القرن الـ18 وحتى مطلع القرن الـ19 بنظرية السعرات الحرارية التي قدمها أنتوني لافوازييه (Antoine Lavoisier) سنة 1783، وأكدت عليها أعمال سادي كارنوت سنة 1824 وفقًا للجمعية الفيزيائية الأمريكية.

تعاملت نظرية السعرات الحرارية مع الحرارة على أنها نوع من السوائل الذي يفيض من المناطق الساخنة للمناطق الباردة كما يفيض الماء من الأعلى للأسفل، وأنه يمكن تحويلها إلى طاقة حرارية واستغلالها في أعمال كثيرة كما تستخدم المياه المتساقطة في إدارة العجلات.

ساد ذلك الاعتقاد حتى نشر رودولف كلاوسيوس (Rudolph Clausius) ورقته البحثية بعنوان «النظرية الميكانيكية للحرارة» سنة 1879.

أنظمة الديناميكا الحرارية

وفقًا لأستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري الجنوبية ديفيد ماكي (David McKee)، يمكن تقسيم الطاقة إلى قسمين، أولهما هو المساهمات الميكروسكوبية بنطاقنا الإنساني مثل مكبس يتحرك ويدفع نظام غازي. وفي المقابل، ثمة ما يحدث على نطاق دقيق جدًا بشكل لا يمكننا معه مراقبة كل مساهمة.

ويفسر ماكي: «عند وضع عينتين من المعدن قبالة بعضهما بحيث تدور الذرات على الحدود المحيطة بهما، وتصطدم إحدى الذرات بأخرى فترتد إحداهما بسرعة أكبر من الأخرى، فإننا في هذه الحالة لا يمكننا مراقبتها.

يحدث ذلك في نطاق زمني صغير جدًا ومسافة صغيرة جدًا، كما يحدث مرات كثيرة خلال الثانية الواحدة. لذا نقسم عملية انتقال الطاقة إلى مجموعتين: تلك التي سنقوم بمراقبتها، والأخرى لا نراقبها، وهذه المجموعة التي لا نراقبها هي ما نطلق عليها الحرارة».

تقسم أنظمة الديناميكا الحرارية عادة إلى ثلاثة أنواع: أنظمة مفتوحة ومغلقة ومعزولة.

ووفقًا لجامعة كاليفورنيا في ديفيس فإن الأنظمة المفتوحة تتبادل الطاقة والمادة مع محيطها، في حين تتبادل الأنظمة المغلقة الطاقة فقط مع محيطها، أما الأنظمة المعزولة فلا تتبادل سواء طاقة أو مادة مع محيطها.

على سبيل المثال، يستقبل وعاء من الشوربة المغلية الطاقة من الموقد ويطلق حرارة من القدر، كما تنطلق منه المادة في هيئة بخار الذي يحمل بدوره الطاقة الحرارية للخارج.

يعتبر ما سبق مثالًا على الأنظمة المفتوحة، لكننا إذا وضعنا غطاء على الوعاء فإنه سيتوقف عن إطلاق المادة في شكل بخار، وهذا يمثل الأنظمة المغلقة.

وفي حالة سكبنا الشوربة في زجاجة معزولة جيدًا وأغلقناها فلن يدخل أو يخرج أيًا من الطاقة أو المادة من وإلى النظام، وهو ما يعبر عن الأنظمة المعزولة.

عمليًا لا يمكن وجود نظام معزول بشكل تام، كل الأنظمة تنقل الطاقة إلى محيطها عبر الإشعاع مهما كانت جودة عزلها. فالشوربة في المثال السابق قد تبقى ساخنة لساعات، لكنها ستصل إلى درجة حرارة الغرفة بحلول اليوم التالي.

في مثال آخر، يمكن عزل النجوم القزمة البيضاء وبقايا النجوم المستهلكة والتي لم تعد تنتج طاقة بسنوات ضوئية مما يقارب الفراغ الكامل في الفضاء البين نجمي (interstellar space)، إلا أنها ستنتقل في النهاية من بعض عشرات آلاف الدرجات إلى ما يقارب الصفر المطلق بسبب فقدان الطاقة الناتج عن الإشعاع.

وعلى الرغم من أن هذه العملية تستغرق وقتًا أطول من عمر كوننا الحالي، فلا يمكن تجنبها.

المحركات الحرارية

تعتبر المحركات الحرارية أكثر الأمثلة شيوعًا على القانون الأول للديناميكا الحرارية. تحول تلك المحركات الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية والعكس، وتصنف معظم المحركات الحرارية ضمن الأنظمة المفتوحة.

والمبدأ الأساسي للمحركات الحرارية هو استغلال العلاقة بين الحرارة والحجم وضغط السائل العامل. غالبًا ما يكون هذا السائل غازًا لكنه في بعض الحالات يمر خلال تحولات من الحالة الغازية إلى السائلة ثم إلى الغازية مرة أخرى ضمن دورة معينة.

يتمدد الغاز عند تسخينه ولكن إذا عزل هذا الغاز فإن ضغطه سيزداد، وإذا كان الجدار السفلي لغرفة العزل يعتلي مكبس متحرك، سيسقط هذا الضغط على سطح المكبس قوة تتسبب في تحريكه للأسفل.

يمكن استغلال هذه الحركة لاحقًا لبذل جهد مساو لمجموع القوة الساقة على أعلى المكبس مضروبة في المسافة التي يتحركها ذلك المكبس.

ثمة تنوعات عديدة للمحركات الحرارية البسيطة، فمثلًا المحركات البخارية تعتمد على الاحتراق الخارجي لتسخين خزان يحتوي على السائل العامل الذي عادة ما يكون الماء.

يتحول الماء إلى بخار ويستخدم الضغط الناتج بعد ذلك في دفع المكبس الذي يحول الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية.

في المقابل، تستخدم محركات السيارات الاحتراق الداخلي حيث يبخر السائل العامل ويمزج مع الهواء ويشعل داخل اسطوانة تعتلي مكبس متحرك فتدفعه للأسفل.

المبردات والمكيفات والمضخات الحرارية

المبردات والمضخات الحرارية عبارة عن محركات تحول الطاقة الميكانيكية إلى حرارة، وبذلك هي تعتمد على القانون الأول للديناميكا الحرارية ، معظم هذه المحركات تندرج تحت الانظمة المغلقة. ترتفع درجة حرارة الغاز عند ضغطه، ويمكن لهذا الغاز الساخن نقل تلك الحرارة إلى البيئة المحيطة به بعد ذلك.

وعندما يسمح لهذا الغاز بالتمدد فإن حرارته تصبح أبرد مما كانت عليه قبل ضغطه لأنه يكون قد فقد جزءًا من حرارته في أثناء الدورة الساخنة. يمكن للغاز البارد بعد ذلك امتصاص الحرارة من البيئة المحيطة، وهذا هو المبدأ الأساسي في طريقة عمل مكيفات الهواء.

لا تنتج مكيفات الهواء البرودة في حقيقة الأمر وإنما تمتص الحرارة، ينقل السائل العامل إلى البيئة الخارجية عبر مضخات ميكانيكية حيث يسخن بالضغط ثم يقوم بعد ذلك بنقل الحرارة إلى البيئة الخارجية عادة عبر مبادل حرارة مبرد بالهواء قبل أن يعاد إلى داخل الغرفة حيث يسمح له بالتمدد وامتصاص الحرارة من هواء الغرفة عبر مبادل حرارة آخر.

المضخات الحرارية ببساطة عبارة عن مكيفات تعمل بشكل عكسي، فتستخدم الحرارة المتولدة عن ضغط السائل العامل في تدفئة المباني ثم تنقل بعد ذلك إلى الخارج لتتمدد وتصبح أكثر برودة ما يمكنها من امتصاص الحرارة من الهواء الخارجي الذي يكون عادة أبرد من السائل العامل حتى في فصل الشتاء.

تستخدم مكيفات الهواء الجوفية أو الأرضية بجانب المضخات الحرارية مواسير على شكل حرف U مثبتة داخل الحائط أو مجموعة من المواسير الأفقية المدفونة تحت منطقة كبيرة، ويدار السائل العامل داخل تلك المواسير وتنتقل الحرارة من أو إلى الأرض.

وقد تستخدم بعض الأنظمة مياه الأنهار أو المحيطات لتسخين أو تبريد السائل العامل داخلها.

اقرأ أيضًا:

ترموديناميكا بيولوجية – الديناميكا الحرارية في النظم البيولوجية

القانون الثاني للديناميكا الحرارية هو القانون الاول في علم النفس

ترجمة: مصطفى عبد المنعم

تدقيق: صهيب الأغبري

المصدر