يشير مصطلح القدرة الحصانية إلى قوة المحرك، ورغم احترامنا للجياد النبيلة، فإن بعض الحيوانات أقوى من الأحصنة، فلماذا لا نتباهى -مثلًا- بقدرة الثور أو العجل؟

جيمس واط يطوّر المحرك البخاري:

في أواخر الستينيات من القرن الثامن عشر، توصل المهندس الاسكتلندي جيمس واط إلى نسخة محسنة من أول محرك بخاري متوفر تجاريًا صممه توماس نيوكومن عام 1712، عبر إضافة مكثف منفصل.

فقد ألغى تصميم واط الجديد هدر الفحم المستمر للتبريد وإعادة التسخين، الذي تطلبه تصميم نيوكومن البخاري.

إلى جانب كونه مخترعًا بارعًا، تميز واط بواقعيته وتفانيه، إذ أدرك أن الاستفادة من براعته تكمن بقيامه ببيع محركه الجديد لكثير من الناس.

لذا، عاد واط إلى العمل، بهدف اختراع طريقة بسيطة تفسر للزبائن قدرة محركه البخاري المُحسَّن بطريقة سهلة الفهم.

كيف استُبدلت المحركات بالخيول؟

أدرك واط أن معظم ممتلكي المحرك البخاري بتصميم نيوكومن، يستخدمون المحرك لمهام السحب أو الدفع أو رفع الأشياء الثقيلة. ساهم ذلك في تذكيره بفكرة كتاب قديم يحسب فيه المؤلف إنتاجية الطاقة المحتملة للمحركات الميكانيكية، التي قد تستخدم بدل الأحصنة لتلك المهام.

فقد ذكر المهندس والمخترع الانكليزي توماس سافري في كتابه (صديق عامل المناجم) عام 1702: «باستطاعة المحرك رفع مقدار من الماء مثل حصانين يعملان معًا بالوقت نفسه، وبالتالي يجب الاحتفاظ بعشرة أو اثني عشر حصانًا لفعل الشيء نفسه، ومن الممكن بأن يكون هذا المحرك كبيرًا بما يكفي للقيام بعمل ثمانية أو عشرة أو خمسة عشر وربما عشرين حصانًا، مكرّسة للقيام بهذا العمل فقط».

صياغة مصطلح «10 حصان»:

بعد إجراء بعض العمليات الحسابية المعقدة، ادعى واط بأن محركًا بخاريًا واحدًا ينتج طاقة تساوي عشرة أحصنة تجر عربات.

ومع ازدهار محركات واط البخارية، بدأ منافسوه باستخدام مصطلح «قدرة حصانية» للإعلان عن قوة محركاتهم، وهذا ما جعل المصطلح معيارًا لقياس قوة المحرك، ولا يزال متداولًا حتى يومنا هذا.

بمراقبة أحصنة الطاحونة وهي تعمل، حاول واط حساب قوة الحصان الواحد. إذ رُبطت الأحصنة بالعمود الرئيسي للطاحونة، لتدير العمود عبر المشي بدائرة قطرها 24 قدمًا، نحو 144 مرة في الساعة، فقدر واط بأن كل حصان كان يدفع بقوة 180 رطلًا.

توصّل واط إلى أن القدرة الحصانية تساوي حصان واحد يقوم برفع 33000 رطل/قدم في الدقيقة. وللوصول إلى هذه النتيجة، صوّر واط حصانًا يرفع دلوًا من الماء يبلغ وزنه 33 رطلًا من قعر بئر يبلغ عمقه 1000 قدم خلال 60 ثانية، وخلص إلى أن هذا القدر من العمل يساوي «قدرة حصانية».

بحلول عام 1804، حل محرك واط البخاري محل محرك نيوكومن، ما أدى إلى اختراع أول قاطرة تعمل بالبخار.

وفي عام 1882، ظهر مصطلح «واط» (وحدة قياس القدرة الكهربائية والميكانيكية، التي تظهر تقريبًا في كل مصباح كهربائي يباع اليوم) تكريسًا لذكرى العالم جيمس واط.

ومن المفارقات، أن واحد واط لا يساوي واحد قدرة حصانية، بل إن كل 1000 واط (كيلو واط) تساوي 1.3 قدرة حصانية. ويستهلك كل مصباح بقوة 60 واط 0.08 قدرة حصانية، أو إن كل 1.0 قدرة حصانية تساوي 746 واط.

هل أغفل واط حقيقة القدرة الحصانية ؟

ارتكب واط خطأً طفيفًا عندما خمن أن قدرة محركه البخاري تساوي 10 أحصنة، فقد بنى حساباته على قوة المهور الصغيرة، التي استُخدمت لصغر حجمها في سحب العربات عبر ممرات مناجم الفحم.

وبعملية حسابية معروفة جيدًا في ذلك الوقت، يمكن التوصل بأن مهرًا صغيرًا قادر على سحب عربة فحم واحدة يبلغ وزنها 220 رطلًا مسافة 100 قدم خلال دقيقة واحدة، أو 22000 رطل/قدم في الدقيقة.

افترض واط بأن الخيول العادية أقوى بنسبة 50% من المهر الصغير، ما يجعل القدرة الحصانية تساوي 33000 رطل/قدم في الدقيقة، ولكن قوة الحصان العادي -في الواقع- لا تزيد عن قوة المهر إلا قليلًا، ما يعادل 0.7 قدرة حصانية كما تقاس اليوم.

أول قاطرة بخارية أمريكية الصنع:

في الأيام الأولى للسكك الحديدية الأمريكية، عدت القاطرات البخارية، التي صممت بناءً على محرك واط البخاري، خطرة وضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها لنقل الركاب. وأخيرًا في عام 1827، مُنحت شركة السكك الحديدية بالتيمور وأوهايو (O&B) أول امتياز أمريكي لنقل البضاعة والركاب باستخدام قاطرة بخارية.

ورغم حصولها على الامتياز، كافحت شركة O&B لإيجاد محرك بخاري قادر على السفر فوق التلال شديدة الانحدار والأراضي الوعرة، ما أجبر الشركة على الاعتماد على قطارات تجرها الأحصنة.

وفي محاولة لإنقاذ الشركة، عرض الصناعي بيتر كوبر بناء وتصميم قاطرة بخارية مجانية لشركة O&B، زادعى أنها ستجعل العربات التي تجرها الأحصنة ماضيًا.
عرف الاختراع باسم (توم ثامب –Tom Thumb )، وأصبح أول قاطرة بخارية أمريكية تعمل على سكة حديد عامة لأهداف تجارية.

وفق تصميم كوبر، كانت توم ثامب قاطرة بأربع عجلات تحتوي على غلاية مياه رأسية تعمل بالفحم وأسطوانات مثبتة رأسيًا تدفع العجلات على المحاور. ويبلغ وزن القاطرة نحو 810 رطلًا، وتميزت ببعض الارتجال، مثل أنابيب المرجل المصنوعة من براميل البندقية.

بالطبع، كان هنالك دافع وراء كرم كوبر، فقد كان يمتلك كل الأراضي الواقعة على طول طرق شركةO &B، تلك الأراضي التي ستنمو قيمتها كثيرًا في حال نجاح خط السكة الحديدية، بعد دعمها بالقاطرة البخارية توم ثامب.

سباق البخار والأحصنة:

في 8 آب عام 1830، كانت القاطرة (توم ثامب) تخضع لاختبار أداء على مسارات O&B خارج بالتيمور بولاية ماريلاند، عندما توقف قطار تجره الخيول على طول المسارات المجاورة.

دعا سائق قطار الخيول القاطرة إلى السباق، بعد أن ألقى عليها نظرة ازدراء. قبل كوبر العرض، لأنه رأى الفوز عرضًا إعلانيًا مجانيًا لمحركه البخاري, وبدأ السباق.

انطلقت القاطرة البخارية مسافة بعيدة، ولكن أدى كسر أحد أحزمة المحرك إلى توقفها، وفاز قطار الأحصنة القديم الجدير بالثقة.

شركة O&B تتبنى القطارات البخارية:

خسر كوبر المعركة، لكنه ربح الحرب. إذ أعجب الإداريون بشركة O&B بقوة محرك كوبر وسرعته، وقرروا استخدام القاطرة البخارية في قطاراتهم جميعها.
استمرت القاطرة توم ثامب بنقل الركاب حتى أواخر آذار عام 1831، ولم تستخدم في الخدمات التجارية العادية.

نمت شركة O&B لتصبح إحدى أكبر شركات السكك الحديدية وأنجحها، وتمتع المخترع بيتر كوبر بمسيرة مهنية طويلة. وفي عام 1859، افتُتح اتحاد كوبر للتقدم العلمي والفني في مدينة نيويورك بالأموال التي تبرع بها كوبر.

اقرأ أيضًا:

تاريخ صناعة السيارات

كيف تخرج النار من عوادم السيارات؟

ترجمة: بتول حويشان

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: حسين جرود

المصدر