مع ازدياد ميل المستعمرات إلى تحدي الحكومة البريطانية وعصيانها، لجأت الأخيرة إلى إجراءات عقابية وفرض بعض القوانين القسرية، ردة فعلٍ لم تقدم أي شيء سوى إغضاب المستعمرات وساكنيها والدفع نحو اندلاع الثورة الأمريكية.

في عام 1774، مرر البرلمان البريطاني حزمةً من القوانين القسرية التي كانت عبارةً عن مجموعة من الإجراءات المقصود منها معاقبة مدينة بوسطن على تمردها على الحكومة البريطانية. وقد استهدفت تلك الإجراءات «حزب الشاي» في مدينة بوسطن على وجه التحديد وامتد أثرها ليتجاوز حدود ماساتشوستس.

أصبحت القوانين الأربعة إلى جانب قانون كيبيك معروفة لدى المستعمرات الثلاثة عشر بـ«القوانين الجائرة». وقد شكلت هذه القوانين القسرية والإجراءات التأديبية والعقابية نقطة تحول في الصراع بين الحكومة البريطانية والمستعمرات، إذ ساعدت على تهيئة الطرفين وتوجيههم نحو الحرب الثورية.

القوانين القسرية تستهدف مدينة بوسطن

كانت بوسطن بؤرة التمرد الذي بدأته المستعمرات ومركز تنسيقه عندما مررت بريطانيا القوانين القسرية عام 1774. في ديسمبر عام 1773 ألقى المستوطنون منتجات الشاي البريطانية في ميناء بوسطن احتجاجًا على قانون الشاي الذي جعل منتجات الشاي البريطانية الخاضعة للضريبة أو المشمولة بالضريبة أرخص من منتجات الشاي الهولندية غير المشمولة بضريبة والمستوردة استيرادًا غير شرعيًا، التي اشتراها وفضلها المستوطنون على تلك البريطانية.

قانون الشاي

كان قانون «بورت بل» أحد القوانين القسرية التي استهدفت مباشرةً حزب الشاي في مدينة بوسطن. ومن خلال هذا القانون أعلن البرلمان البريطاني أنه سيغلق ميناء بوسطن حتى تدفع المدينة ثمن الشاي المهدور.

إضافة إلى ذلك، قلل قانون صادر عن حكومة ماساتشوستس عدد اللقاءات والاجتماعات في دور البلدية التي كانت المجتمعات المحلية تعقدها كل عام. على الرغم من أن البريطانيين كانوا قد مرروا هذا القانون لمعاقبة مدينة بوسطن وتأديبها، فقد أثر في عموم ماساتشوستس ورأى كثيرٌ من البيض، من أصحاب الملكيات والعقارات من جميع أنحاء المستعمرة أن ذلك يشكل تهديدًا كبيرًا لحكوماتهم المحلية واستقلالها.

قانونا إقامة العدل والإيواء

جاء في الخطوة التالية في سلسلة الإجراءات التأديبية بحق مدينة بوسطن تنفيذ قانوني إقامة العدل والإيواء. ومع أن القانونين قد يمتدان وينُفَذان في جميع المستعمرات الثلاث عشرة، فإن البرلمان البريطاني كان يستهدف مدينة بوسطن عند تمريره هذين القانونين.

نص قانون إقامة العدل على أن المسؤولين البريطانيين المتهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام في 13 مستعمرة يمكن أن يحاكموا في بريطانيا. رأى المستوطنون في ذلك طريقةً لحماية الجنود من قبيل أولئك الذين قتلوا مستوطنين في خضم مجزرة بوسطن عام 1770، ما دفع البعض إلى تسمية القانون بـ«قانون القتل».

أما قانون الإيواء فقد نص على أنه باستطاعة بريطانيا استغلال الأبنية الفارغة لإسكان جنودها في المدن الساحلية. وعلى الرغم من أنه يمكن أيضًا تنفيذ هذا القانون في عموم المستعمرات الثلاثة عشرة، فقد أشار إلى أن مدينة بوسطن قد حاولت إيواء القوات البريطانية على جزيرة تبعد عدة أميال قبالة ساحل المدينة. ضمن ذلك القانون للقوات البريطانية مكوثها في مدينة بوسطن، وبذلك المحافظة على حضور بريطاني عسكري متزايد هناك.

القوانين القسرية تقود إلى مقاطعة بريطانيا

أصبحت القوانين القسرية وقانون كيبيك الصادر عام 1774 معروفةً في المستعمرات الثلاث عشرة باسم «القوانين الجائرة». قانون كيبيك إجراء منفصل زعم واضعوه أن جميع الأراضي بين نهري أوهايو وميسيسبي تعود إلى كيبيك، إحدى مستعمرات بريطانيا الكثيرة في أمريكا الشمالية. ولو أن ذلك القانون لم يكن عقابيًا أو تأديبيًا، فقد أغضب المضاربين في سوق الأراضي في المستعمرات الثلاث عشرة الذين أرادوا الاستحواذ على المزيد من الأراضي الغربية.

ورغم أن أن معظم تلك القوانين قد استهدفت معاقبة بوسطن، فقد خشي المستوطنون من خارج ماساتشوستس من أنه إذا كان بإمكان البرلمان البريطاني إغلاق ميناء إحدى المستعمرات وتقييد عمل حكومتها المحلية، فإن باستطاعته أن يفعل الشيء ذاته مع باقي المستعرات الاثنتي عشرة الأخرى.

يقول وودي هولتون، أستاذ التاريخ لدى جامعة ساوث كارولينا ومؤلف كتاب «الحرية حلوة: التاريخ الخفي للثورة الأمريكية»: «نتج عن تنفيذ القوانين القسرية اتحاد جميع المستعمرات -باستثناء جورجيا- مع ماساتشوستس ومقاطعتهم التجارة».

اعترض كثير من الآباء المؤسسين -ومن بينهم جورج واشنطن- على القوانين القسرية، لكنهم رغبوا بالبقاء جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. وما أثار حفيظتهم لم يكن الإمبراطورية نفسها، بل طريقة تعامل البرلمان مع المستوطنات وأحيانًا المقارنة الشنيعة بين معاملة بريطانيا للمستوطنين الشبيهة بما يعامل المستوطنون به الشعوب التي يستعبدونها.

كتب واشنطن في رسالة قبل مدة قصيرة من انعقاد المؤتمر القاري الأول: «من جهتي، لن أتولى تحديد أماكن رسم الحد الفاصل بين بريطانيا العظمى والمستعمرات، ولكنني، ودون أدنى شك، من أصحاب الرأي القائل بضرورة رسم حد فاصل كذلك».

وأضاف: «إذ لم يوضع ذلك الحد، فإن بريطانيا ستجعلنا عبيدًا حقيرين أليفين وديعين مثل أولئك السود الذين نخضعهم لسلطاننا الاستبدادي التعسفي».

يقول آلان تايلور، أستاذ التاريخ لدى جامعة فرجينيا ومؤلف كتاب «الثورات الأمريكية: تاريخ قاري، 1750-1804»: «بدلًا من حشد المستوطنين على إعلان الاستقلال، دفعت القوانين القسرية المستوطنين البارزين لأن يطرحوا السؤال التالي: ما الشروط التي بموجبها يمكن لهم أن يظلوا جزءًا من الإمبراطورية؟»

يقول تايلور: «لم تقدم القوانين شيئًا سوى أنها جعلت التوصل إلى حل وسط في المستقبل شبه مستحيل وضربًا من الخيال»، ويضيف: «زادت تلك القوانين خطر وقوع مواجهة بطريقة دراماتيكية جديدة وضاعفت من احتمالية اندلاع حرب».

اقرأ أيضًا:

جورج واشنطن: سيرة شخصية

الحرب الأهلية الأمريكية: لمحة تاريخية

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: يمنى عيسى

المصدر