الكوكب التاسع هو كوكب افتراضي غير مُكتشَف في المنطقة الغامضة البعيدة من نظامنا الشمسي. افتُرض وجوده لشرح عدة ظواهر، تشمل ميل محور دوران الشمس والتجمع الظاهر في مدارات الكويكبات الجليدية الصغيرة خلف مدار نبتون.

لكن هل الكوكب التاسع موجود فعلًا؟

الاكتشافات على حافة النظام الشمسي

حزام كايبر هو مجموعة من الأجرام الجليدية الصغيرة التي تدور حول الشمس وراء مدار نبتون، على بعد أكثر من 30 وحدة فلكية. الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس.

تتراوح أجرام حزام كايبر في أحجامها بين صخور كبيرة الحجم وأخرى يبلغ قطرها زهاء 2000 كيلومتر، وهي مخلفات المادة التي لم تندمج لتشكل كواكب على غرار حزام الكويكبات.

تشير اكتشافات الدراسة الاستقصائية الأنجح حتى الآن حول حزام كايبر، أو ما يُعرف بمسح أصول النظام الشمسي الخارجي OSSOS إلى تفسير أدق للمدارات التي نرصدها، كون العديد من هذه الكويكبات لها مدارات بيضاوية مائلة مثل بلوتو.

أظهرت الحسابات الرياضية وعمليات المحاكاة الحاسوبية المفصلة أن المدارات التي نراها في حزام كايبر قد تشكلت لأن نبتون تكوّن بمنطقة أقرب إلى الشمس بعدة وحدات فلكية، ثم تحرك مبتعدًا إلى مداره الحالي.

تفسر هجرة نبتون انتشار المدارات الإهليجية في حزام كايبر، وتفسر مدارات جميع الأجرام التي رصدناها، باستثناء قلة لها مدارات متطرفة على بعد 10 وحدات فلكية وراء مدار نبتون.

إثبات وجود الكوكب التاسع

تقدّم هذه المدارات المتطرفة الدليل الأقوى على وجود الكوكب التاسع، إذ اقتصرت بعض أوائل المدارات المكتشفة على جانب محدد من النظام الشمسي. يتوقع العلماء رصد المدارات في اتجاهات مختلفة، ما لم تؤثر فيها قوة خارجية.

أشار العثور على عدد من الأجرام المتطرفة في نفس الاتجاه إلى حدوث شيء ما. وفقًا لحسابات فريقين من الباحثين، فإن بقاء كل هذه المدارات في نطاق محدد من النظام الشمسي لا يفسره إلا وجود كوكب كبير، ومن هنا نشأت نظرية الكوكب التاسع.

تقترح النظرية أن الكوكب التاسع تبلغ كتلته 5 – 10 أضعاف كتلة الأرض، ويدور على بعد 300 – 700 وحدة فلكية، وطُرحت عدة توقعات فيما يتعلق بموقعه في النظام الشمسي، لكن لم تتمكن أي من فرق البحث من العثور عليه حتى الآن، وليس لدينا بعد 4 سنوات من البحث سوى دليل غير مباشر على وجوده.

البحث عن أجرام حزام كايبر

يتطلب البحث تخطيطًا دقيقًا وحسابات محددة ومتابعة شديدة الاعتناء بالتفاصيل. يضم تجمع مسح النظام الشمسي الخارجي 40 عالم فلك من 8 بلدان، استعملوا تلسكوب (كندا/ فرنسا/ هاواي) على مدار 5 سنوات، لاستكشاف أكثر من 800 جرم جديد في حزام كايبر وتتبعها، وبذلك تضاعف عدد الأجرام المعروفة ذات المدارات المحسوبة بدقة.

تراوحت أحجام الأجرام المرصودة بين بضعة كيلومترات إلى 100 كيلومتر، ويتراوح مدى الاستكشاف بين بضع وحدات فلكية إلى 100 وحدة فلكية، لكن أكثر الأجرام وُجدت على بعد 40-42 وحدة فلكية، أي ضمن حزام (كايبر) الرئيسي.

هذه الأجرام الجليدية الصغيرة لا تبعث ضوءها الخاص بل تعكس ضوء الشمس فقط، لذلك فإن انحياز الأجرام على هذه المسافة البعيدة ضد الرصد يكون بالغ التطرف، فإذا تحرك الجرم أبعد 10 أضعاف يصبح أكثر خفوتًا بـ10000 ضعف.

وفقًا لقوانين الفيزياء، فإن الأجرام ذات المدارات البيضاوية تقضي معظم وقتها في الأجزاء الأبعد من مداراتها، ويسهل رصدها فقط عندما تكون قريبة من الشمس، لذلك تبقى أكثر الوقت خافتةً صعبة الرصد، وهذا يعني صعوبة رصد الأجرام ذات المدارات البيضاوية تحديدًا.

لم نعثر سوى على بعض الأجرام الجليدية حتى الآن، ويمكننا رصدها عبر التلسكوبات الحالية فقط عندما تكون أقرب إلى الشمس.

يقودنا ذلك إلى تحيز آخر طالما تم تجاهله تاريخيًا في الدراسات الاستقصائية حول أجرام حزام كايبر، وهو أن الأجرام في مناطق مختلفة من النظام الشمسي يمكن رصدها خلال فترات محددة من السنة، فالتلسكوبات الأرضية مقيدة بالظروف الجوية، ما يعني أنه من المرجح انخفاض نسبة الرصد خلال الجو الغائم أو الممطر أو العاصف.

أيضًا من غير المرجح الرصد بالقرب من ذراع المجرة حيث يجعل عدد النجوم الهائل رصد الأجرام الجليدية الخافتة صعبًا للغاية في صور التلسكوب.

ما يميز مسح النظام الشمسي الخارجي كونهم واضحين جدًا فيما يتعلق بتحيزات الرصد، وبناءً على فهمهم للتحيز، يمكنهم إعادة بناء شكل حزام كايبر الحقيقي بعد إزالة هذه التحيزات عبر عمليات المحاكاة الحاسوبية.

الكوكب التاسع المفترض في نظامنا الشمسي قد لا يكون موجودًا! - المنطقة الغامضة البعيدة من نظامنا الشمسي - الكويكبات الجليدية الصغيرة خلف مدار نبتون

تعديل التحيزات

اكتشف مسح النظام الشمسي الخارجي عددًا من الأجرام المتطرفة، نصفها خارج المنطقة المحدودة ومُتّسق إحصائيًا في توزيع موحد. تؤكد دراسة جديدة -قيد المراجعة حاليًا- اكتشافات مسح النظام الشمسي الخارجي غير المتجمعة. وجد فريق من العلماء أكثر من 300 جرم دون تجمع في المدارات باستخدام بيانات مسح الطاقة المظلمة (DES).

وجدت دراستان استقصائيتان مستقلتان -تابعت كل منهما تحيزات الرصد في أثناء اكتشاف مجموعات مستقلة من أجرام حزام كايبر وأبلغت عنها- أنه لا يوجد دليل على أي تجمع للمدارات.

كل الأجرام المتطرفة التي اكتُشفت قبل مسح النظام الشمسي الخارجي ومسح الطاقة المظلمة كانت من طريق عمليات مسح لم تُبلِغ عن التحيز في اتجاهها بالكامل، لذلك لا نعرف هل اكتُشفت هذه الأجرام في نفس الرُبع من النظام الشمسي لأنها حبيسة فيه؟ أم أن عمليات المسح لم تدرس الأجزاء الأخرى دراسةً كافية؟

أظهرت عمليات المحاكاة الإضافية أن الملاحظات حدثت فقط في موسم واحد باستخدام تلسكوب واحد، لذا فمن المتوقع أن تُرصد الأجرام المتطرفة في جانب محدد من النظام الشمسي.

للمزيد من اختبار نظرية الكوكب التاسع، نظر الباحثون إلى تفاصيل مدارات الأجرام المتطرفة المعروفة، ووجدوا أن جميعها -ما عدا اثنين ذوا النقاط المركزية الأعلى- يمكن تفسيرها بتأثيرات فيزيائية معروفة.

هذان الجرمان لديهما قيم متطرفة، لكن عمليات المحاكاة الحاسوبية السابقة لحزام كايبر، التي تضمنت القوى الجاذبية للكوكب التاسع، قدمت مجموعة من الأجرام المتطرفة بنقاط مركزية تتراوح بين 40 و100 وحدة فلكية.

تقترح هذه المحاكاة ضرورة وجود عدد أكبر من الأجرام ذات النقاط المركزية المشابهة لهذين الجرمين، إضافةً إلى عدد من الأجرام بنقاط مركزية أصغر، ما يجعل رصدها أسهل، إذن لماذا لا تطابق الاكتشافات التوقعات؟ ربما كان الجواب أن نظرية الكوكب التاسع لا تصمد أمام الملاحظات التفصيلية.

اكتشفت الملاحظات من طريق الكشف الدقيق أجرامًا غير مقيدة بوجود الكوكب التاسع، وأظهرت عمليات المحاكاة أن حزام كايبر -حال وجود الكوكب- يجب أن يحتوي مدارات مختلفة عما نلاحظه.

نحن بحاجة إلى نظريات أخرى لشرح أجرام حزام كايبر ذات النقاط المركزية العالية، لكن المشكلة ليست نقص النظريات المقترحة في الأدبيات العلمية.

ما تزال العديد من الأجرام الجميلة المذهلة ممكنة الاكتشاف في النظام الشمسي الخارجي، لكن الكوكب التاسع قد لا يكون أحدها.

اقرأ أيضًا:

هل الكوكب التاسع في نظامنا الشمسي ثقب أسود بحجم حبة العنب؟

استغرقت رحلة البحث عن الكوكب التاسع أكثر من 160عامًا حتى الآن، فلماذا كل هذا التأخير؟

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر