حسب نظرية جديدة، قد لا يوجد للثقوب السوداء أي ميزات تفرُّدية في مركزها، لكن المادة التي تمتصها قد تُلفظ عبر الكون في وقت ما في المستقبل.

تُعد الثقوب السوداء من بين أكثر الأماكن غموضًا في الكون، حيث يلتف فيها نسيج المكان والزمان بشدة لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع الهروب منها.

وفقًا لنظرية أينشتاين للنسبية العامة يوجد في مركزها حالة تفرُّد؛ وهو المكان الذي  يتم فيه سحق كتلة العديد من النجوم إلى أن يصل حجمها إلى صفر بالضبط. مع ذلك فإن ورقتين فيزيائيتين بحثيتين -نُشرتا في العاشر من كانون الأول في المجلتين العلميتين Physical Review Letters و Physical Review D’على التوالي- قد تجعلان العلماء يعيدون النظر في ما نعتقد أننا نعرفه حول الثقوب السوداء؛ فهي ربما لا تعيش للأبد ومن الممكن أن نكون فسرنا طبيعتها وشكل مركزها بشكل خاطئ تمامًا حسب هذه الأوراق العلمية.

لطالما اعتقد علماء الفلك والفيزيائيون منذ فترة طويلة أن فكرة التفرُّد لا بُدَّ أن تكون فكرة خاطئة؛ فالجسم الذي له كتلة لكن لا حجم له ستكون كثافته لا نهائية. وبقدر ما يطرح الباحثون أفكارًا حول كلمة “اللا نهاية” فإن اللا نهاية من هذا النوع لا توجد في الطبيعة. بدلاً من ذلك، عندما تُصادف “لا نهاية” في حالة علمية وفيزيائية فإن ما تعنيه حقًا هو أنك دفعت الرياضيات الخاصة بك إلى ما وراء المجال الذي تنطبق عليه وبالتالي تحتاج إلى رياضيات جديدة.

من السهل إعطاء مثال واضح على ذلك، قانون نيوتن للجاذبية يقول أن قوة التجاذب التثاقلي تتغير بمقدار واحد على مربع المسافة الفاصلة بين الجسمين؛ لذلك فالكُرة التي توجد بعيدًا عن الأرض لها وزنٌ معيَّن، وسيزداد وزنها عندما نُقرِّبُها من الأرض. وبأخذ تلك المعادلة إلى أقصى الحدود كلما قربنا هذه الكرة من مركز الأرض ستواجه قوة غير محدودة، لكن هذا لا يحدث.

بدلاً من ذلك، لم يعد قانون نيوتن البسيط للجاذبية ساري المفعول عندما نضع شيئًا بالقرب من سطح الأرض؛ لأنه يجب أن نأخذ في الاعتبار التوزيع الفعلي لكتلة الأرض؛ وهذا يعني أننا بحاجة إلى استخدام معادلات مختلفة وأكثر تعقيدًا تتنبأ بسلوك مختلف. وعلى نحو مماثل، فبينما تتنبأ نظرية أينشتاين في النسبية العامة بأن حالة تفرُّد الكثافة اللانهائية موجودة في مركز الثقوب السوداء، فإن هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا؛ ففي الأحجام الصغيرة جدًا يجب أن تُؤخذ نظرية جديدة للجاذبية بالحسبان. ولدينا اسم عام لهذه النظرية الجديدة وهو “الجاذبية الكمية”.

إن اسم الجاذبية الكمية يعني ببساطة “الجاذبية عند أصغر المقاييس”، لكن العبارة لا تشير إلى نظرية محددة. مع ذلك، فقد قُدّمت مقترحات لنظرية محددة تصف الجاذبية كما هي في الكون المصغر. أحد المقترحات يدعى “الجاذبية الكمية الحلقية”.

إن الجاذبية الكمية الحلقية واضحة الملامح بشكل جيد رياضيًا، وتُعبِّر عن نسيج الزمكان كمشبك من شبكات العزم المغزلي، التي تتطور بمرور الوقت. وتُعَد هذه الشبكات مجرد صيغة رياضية تصف كيفية تفاعل الجسيمات والحقول.

من وجهة نظر أكثر عملية، تتنبأ الجاذبية الكمية الحلقية بأن الزمكان مكمم بأصغر وحدة أو جزء من نسيج الزمكان، بعدها لا يمكن تقسيم هذا النسيج.

الجاذبية الكمية الحلقية هي نظرية رياضية صعبة استعصى عليها تقديم تنبؤات قابلة للاختبار داخل الثقوب السوداء. لكن رغم ذلك، طبّق Abhay Ashtekar Javier Olmedo في جامعة ولاية بنسلفانيا وجامعة Parampreet Singh في ولاية لويزيانا بتطبيق الجاذبية الكمية الحلقية على مركز الثقوب السوداء، ويدَّعون أن النتيجة ليست حالة تفرُّد.

وتتنبأ حساباتهم بأن الزمكان ينحني بقوة بالقرب من مركز الثقب الأسود. والنتيجة هي أن له امتدادًا في المستقبل في منطقة لها بنية ثقب أبيض. وهذا الأخير هو ثقب أسود في الاتجاه المعاكس، وهذا يعني أنه على عكس الثقب الأسود الذي يسحب المادة، فإن الثقب الأبيض يدفع المادة للخارج.

ربما توجد هناك طريقة أخرى لتخيُّل ما يتوقعونه؛ فمن المعروف أن الوقت يتباطأ في حقول الجاذبية القوية، وتحتوي الثقوب السوداء على أقوى حقول الجاذبية في الكون. ولذلك، فإن أحد التفسيرات المحتملة لهذا البحث الجديد هو أن المادة تسقط في ثقب أسود ثم ترتد ما يؤدي إلى قذف الكتلة عبر الكون. ونظرًا لأن الوقت بطيء جدًا بالقرب من مركز الثقب الأسود، فإن هذه العملية تستغرق وقتًا طويلًا. وإذا كان الباحثون على حق ففي المستقبل البعيد ستثور المادة في الثقوب السوداء الموجودة الآن؛ ما سينشر المادة في جميع أنحاء الكون.

وكما هو الحال دائمًا في العلوم النظرية، هناك العديد من الأفكار المثيرة للاهتمام والاستفزازية التي لا تكون صحيحة، وقد تكون هذه واحدًا منها. لذا من المهم معرفة ما إذا كان هناك دعم تجريبي لمثل هذه للأفكار النظرية.

ويوجد هناك عدد قليل من الاحتمالات، فلقد لاحظ العلماء وجود ظاهرة طاقة عالية في الفضاء لم تُشرح بشكل كامل. أحد الاحتمالات هو وجود أشعة كونية ذات طاقة عالية تضرب الغلاف الجوي للأرض. الاحتمال الآخر هو ما يسمى “التدفق الراديوي السريع”، والذي يحدث عندما يتم رصد وجود كمية كبيرة من الطاقة اللاسلكية في فترة قصيرة جدًا من الزمن. ويمكن لكل من هاتين الظاهرتين على الأقل من حيث المبدأ أن تكونا السبب وراء تحول ثقب أسود إلى ثقب أبيض.

من السابق لأوانه بالتأكيد قبول هذه الفكرة الجديدة المثيرة للاهتمام. بدلاً من ذلك، سيكون من الحكمة أن نرى كيف تنكشف الحسابات الجارية التي تستخدم الجاذبية الكمية الحلقية. وإذا تحسنت التوقعات وبدأت تبدو كبعض الظواهر الفلكية الملاحظة غير المفسرة، فمن الممكن أن تُفسَّر هذه النتيجة الجديدة كيف تعمل الجاذبية الكمية وستُعيد تشكيل فهمنا لماضي كوننا ومستقبله.


  • ترجمة: عبدالله ايت وشن
  • تدقيق: براءة ذويب
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر