ما هو تصورك عن إصابات الدماغ؟ هل تشفى؟ هل يمكن أن يستعيد الدماغ وظائفه التي خسرها؟ لقد اعتدنا على الاعتقاد باستحالة عكس تضرر الدماغ والتعافي من الإصابة اللاحقة به، ولكن التقدم في علم الأعصاب أظهر خطأ هذا الاعتقاد. فعلى الرغم من أن الخلايا العصبية الفردية يمكن أن تتضرر لدرجة تصبح غير قابلة للشفاء، يحاول الدماغ أن يعالج نفسه عندما يصاب بأذية ما من خلال تشكيل اتصالات جديدة أو مسارات عصبية جديدة كحلول بديلة للضرر الذي لحق بالدماغ، وهذا ما يطلق عليه الليونة أو المرونة العصبية Neuroplasticity والمشتقة من كلمتين هما neuro -التي تدل على الدماغ أو العصب أو الخلية العصبية- وكلمة plasticity وتعني قابلية التشكل.

ما دور المرونة العصبية في علاج الإدمان؟

عندما نطور عادةً جديدةً يقوم الدماغ بإنشاء مسار عصبي لدعم تلك العادة الجديدة، وكلما زاد استخدمنا لهذه العادة أصبح هذا المسار أقدم وأقوى، وهذا يشبه رفع الأثقال؛ فكلما رفعت أوزانًا أثقل، أصبحت عضلاتك أقوى.

يمكن بطرق عديدة تفسير الإدمان على أنه حالة من حالات المرونة العصبية ، ويكون هذا كما يلي: يتدرب الدماغ على أداء سلوك معين -مثل تعاطي المخدرات والكحول والقمار- إلى أن يستبعد الدماغ أي شيء آخر. ولكن رغم ذلك يمكن أن نعيد تدريب الدماغ خلال مرحلة العلاج على تطوير مسار جديد يدعم عملية الشفاء.

ونستطيع تقوية حلقة العلاج الجديدة داخل الدماغ من خلال العلاج النفسي المكثف والتدخلات العلاجية الأخرى، وبعدها يتعلم الدماغ كيف يستمتع بالعلاج من خلال الأشياء التي تمنحنا السعادة في حياتنا الطبيعية مثل الأسرة والعمل وتفاعلات العلاقات الشخصية، أي أننا نعيد تدريب الدماغ وبالتالي تغيير حياتنا.

كيف يلعب الدماغ دورًا في الانتكاس وعودة الإدمان؟

يخطف الإدمان مراكز السعادة في الدماغ، وفي نهاية الأمر يصبح السلوك الإدماني فقط هو ما يمنح المدمن شعور السعادة أو على الأقل يخلصه من الألم، والإدمان ليس فقط عمليةً كيميائيةً حيويةً -إذ تؤثر المخدرات نفسها على كيمياء الدماغ الحيوية- وإنما هو أيضًا طريقة العادة في التأثير على الدماغ.

ويصبح دماغ المدمن معتادًا على كون الفعل الإدماني هو مصدر السعادة وليس العائلة أو الأصدقاء أو وجبة لذيذة أو إنجاز مهمة بشكل رائع.

لكن يمكننا أن نعيد تدريب الدماغ ونعيد التوازن إلى كيمياء المدمن الحيوية، مع إدراك حقيقة أن المسارات العصبية القديمة التي تربط بين الإدمان والسعادة ستظل موجودةً في تلك المناطق من الدماغ.

ولهذا يقترح الأخصائيون أن يُمنع المدمن بشكل كامل من المخدرات والكحول، إذ لن يستغرق الأمر كثيرًا حتى ينتكس المدمن ويعود للعادة القديمة.

على سبيل المثال ربما لم تزر حرم الجامعة خلال 20 عامًا، إلا أنك ستتذكره خلال دقائق من زيارته بعد هذه الفترة وستذكر الأماكن المعهودة لك وكيف كنت تتجول في تلك الأماكن. ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بالإدمان، فالعلاج لا يُزيل طريقة التفكير الإدمانية وإنما يعطي المدمن فرصةً جديدةً كي يغير من سلوكياته.

ما هي بيولوجيا الأعصاب للعلاقات الشخصية؟

صاغ الدكتور دان سيغل Dan Siegel من جامعة كاليفورنيا UCLA مصطلح البيولوجيا العصبية للعلاقات الشخصية، وهذا المصطلح هو منهج متعدد التخصصات ظهر من أجل فهم كيف يعمل الدماغ، ويعمل هذا المنهج على نسج مفاهيم حول أسباب سلوكنا لبعض التصرفات وذلك من مختلف التخصصات مثل علم الإنسان وعلوم الحاسوب وعلم النفس.

المرونة العصبية ودورها في علاج الإدمان تضرر الدماغ والتعافي من الإصابة اللاحقة به الخلايا العصبية الفردية تشكيل اتصالات جديدة أو مسارات عصبية جديدة

تساعدنا بيولوجيا الأعصاب للعلاقات الشخصية على فهم أمرين اثنين:

الأول كيف يعمل الدماغ بشكل نشط تجاه شيء ما يدعى “التكامل”، والثاني كيف تطور الدماغ لينمو ويعالج نفسه من خلال علاقته مع الآخرين.

ويعني التكامل الصحة الخارجية وتقبل الذات (الاندماج) من الداخل. إذ يريد الدماغ أن تعمل كل أجزائه المنفصلة معًا. صُمم الدماغ من أجلك كي تشعر بالسلامة والسعادة، ويمكن أن يساعدك العلاج إلى ذلك الهدف من خلال الدعم الصحي الخارجي والنفسي الداخلي.

وتلعب العلاقات دورًا مهمًا في الصحة الذهنية، وبالتالي لا يتعافى الناس المعزولون بالدرجة نفسها التي يتعافى بها أولئك الذين يتلقون نظامًا من الدعم العاطفي في أماكن مخصصة لذلك، وهذا ليس استنباطًا حدسيًا عن الصحة العقلية إذ توجد العديد من الدراسات في علم الأعصاب التي تدعم هذا الادعاء.

وبالتالي يمكننا مساعدة المدمن على بناء نظام من الدعم الشخصي خلال مرحلة العلاج والمرحلة التي تليها من أجل مساعدة الدماغ على تطوير مسارات عصبية صحية وتسريع من عملية العلاج.

اقرأ أيضًا:

لا تقلق، العمر ما زال أمامك لتعلّم كل جديد

تدريبٌ دماغيٌ لعلاج مرضى اضطراب ثنائي القطب

ما هو الإدمان على العمل ؟

ترجمة: عدي بكسراوي

تدقيق: أحلام مرشد

المصدر