عادت تقلبات السوق، وتقييمات الشركات تحت المجهر. يحتاج قادة اليوم إلى إظهار قدراتهم الإدارية بالتشكيك والذكاء المتقد في مواجهة أحداث البجعة السوداء واحدًا بعد الآخر.

تشير استعارة البجعة السوداء إلى أحداث تعكس صعوبة في التوصل إلى التقييم الصحيح للمخاطر في الأنظمة المعقدة).

عندما يتعلق الأمر بإثبات التغيير، تميل الشركات إلى التركيز على الأشياء المادية، مثل نمو الإيرادات وحصة السوق والربحية. جميع تلك الأشياء مهمة بالتأكيد، ويعير المساهمون أيضًا أهمية للأصول غير المالية وغير الملموسة.

لكن غالبًا ما يتم التغاضي عن شيء غير ملموس وحاسم للغاية، وهو عدم قدرة المدير التنفيذي على التحدث إلى المستثمرين. تفهم الشركات أهمية كون المدير التنفيذي متحدثًا عامًا ممتازًا، إلا أنها أحيانًا لا تدرك أن طريقة التواصل وحضور المدير التنفيذي تؤثر في قيمة الشركة.

وفقًا لدراسة أجريت عام 2020، الشركات التي قادها مدير تنفيذي فعّال بمهارات تواصل قوية، قاومت تأثير أسعار الأسهم السلبية الأولية الناتجة عن وباء كوفيد-19.

ماذا يتوقع المستثمرون من المدير التنفيذي؟

عندما نضع تصورًا للمدير التنفيذي الذي يتفوق في التحدث أمام العامة، نتخيل القائد على أنه صاحب شخصية جذّابة (كاريزما) ومُنفتح. لكن طبقًا للمحادثات مع المستثمرين والمحللين، نسمع دائمًا بأن الكاريزما ليست فقط غير كافية، بل قد تعود بنتائج سلبية. لماذا؟

يحتاج المستثمرون إلى أن يكونوا بطبيعتهم مشككين. يعتمد عملهم على الإشارة إلى العيوب لضمان استثمارات سليمة. عندما يردّ المدير التنفيذي على تلك الشكوك بالكاريزما، قد تكون علامة تحذيرية. هذا لا يعني أن الكاريزما بحد ذاتها سيئة، لكن يحتاج المدير التنفيذي لتدريب جيد والتحدث بثقة، وعلاوة على ذلك، الإحساس بالأصالة والمسؤولية والمصداقية يقود التقييم.

بناًء على العمل لأكثر من 20 عامًا مع التنفيذيين والمستثمرين، هذه أهم 3 أسئلة يأخذها المستثمرون بعين الاعتبار لتقييم المدير التنفيذي والشركة:

هل المدير التنفيذي واثق من نفسه، لكن دون إفراط؟

يحدث التواصل الحقيقي عندما تتقاطع الثقة مع التواضع. يريد المستثمرون رؤية المدير التنفيذي واثقًا في قوة الشركة، وعلى علم بالعيوب المحتملة. يُطلق عليها اسم (الثقة المنطقية). العرض التقديمي المتفائل المبالغ به يعرّض صاحبه لخطر فقدان الثقة.

بحسب تعبير أحد المستثمرين: «لا تكن قائد أفلام الليغو الذي يخبرنا بأن كل شيء مذهل وعلى ما يرام». (كل شيء مذهل هي الأغنية الرسمية لفيلم The Lego عام 2014).

يمكن أن يؤدي شعور المسؤولين التنفيذيين بالحاجة إلى الفوز في المناقشة مع المستثمرين، إلى المبالغة في الوعود واتخاذ وضعية الاستعداد المفرط لخوض المعركة.

هذا يقودنا إلى ما يدعى مشكلة رفيعة المستوى «غرورك يكتب الشيكات وعملك لا يستطيع صرفها».

وفقًا لكاتب المقال: «عملنا قبل عدة سنوات في شركة مع مدير تنفيذي لم يستطع عدم البوح بتقديراته للنمو طويل الأمد خلال اجتماعات المستثمرين. لم ترتبط تقديراته بالنتائج المالية على المدى القصير، وسرعان ما أدت ثقته المفرطة إلى خفض ثقة المستثمرين وتقييم الشركة».

وضح هاري شابيرو، رئيس إدارة شركة شابيرو كابيتال مانجمنت، أن الغرور أكبر دليل على الخطر.

يبدأ إظهار الثقة المنطقية بلغة جسد المتحدث ونبرة الصوت. ننصح المديرين التنفيذيين بالوقوف بطريقة منفتحة ومتواضعة (ثابت القدمين والذراعين فوق الخصر والجسد في حالة ارتياح). يُفضّل أيضًا التوقف في أثناء الحديث عمدًا لإعطاء المستمعين القدرة على الاستيعاب الكامل. يجذب الصمت المتعمد خلال العرض التقديمي الحضور مجددًا، ويكسر الملل.

لا تخشَ الاعتراف بالتحديات الصعبة. يتجنب المديرون التنفيذيون أحيانًا التعبير عن العوائق والعقبات المحتملة خشية خسارة ثقة المستثمرين. المثير للاهتمام ازدياد ثقة المستثمرين عند سماع المدير التنفيذي يعبر عن شكوكهم وأسئلتهم. عند التحدث عن المشكلة المحتملة، يدرك المدير التنفيذي وجهات نظر المستثمرين ويعزز شعورهم بأهميتها، ويتيح له هذا الأسلوب أيضًا مشاركة قدرة مؤسسته على حل المشكلات.

جرّبت مديرة تنفيذية في عرض تقديمي مرة هذه الاستراتيجية وقالت بجرأة لمستثمريها: «أنتم على الأرجح تتساءلون، هذه الفكرة لم تنجح في الماضي، لماذا ستنجح الآن؟»، أومأ المستثمرون رؤوسهم بالموافقة، تابعت: «نعم، لن يكون سهلًا، لكن دعوني أخبركم ماذا تعلمنا من الماضي، ولماذا هذه المرة مختلفة». كان المستثمرون أكثر انفتاحًا لسماع أفكارها، لأنها تحدثت بوضوح وبطريقة مباشرة عن مخاوف المستثمرين حول أداء الشركة.

هل المدير التنفيذي متحدّث صريح؟

أوضح أحد المستثمرين: «لا أريد مديرًا تنفيذيًا يعطي جوابًا ذا طابع سياسي لسؤال صعب، أريد الصراحة. لا تلطّف أمرًا صعبًا بقول أن تسريحنا نصف عمالنا لهو شيء جيد في الحقيقة». يجب أن يقدر المدير التنفيذي على نقل الحقيقة بصورة واضحة حتى لو كان سماعها صعبًا.

إحدى العقبات المحتملة للكلام الصريح هي العرض التقديمي المنمق. من الجيد التدريب والاهتمام المفرط بعروض المستثمرين التقديمية؛ لأنها مهمة للغاية، فالتحضير القوي مهم جدًا، إلا أنه من الضروري أن لا تفقد عنصر المباشرة للرسالة الموجهة والفرصة لفهم ردات فعل الحضور. لا ينطبق في هذه الحالة المثل القائل «الممارسة تصنع الكمال»، الكمال ممل. بدلًا من ذلك، يجب التدرب على التواصل الكامل مع الحضور وتوصيل الرسالة لهم.

إحدى الطرق للقيام بذلك، التفكير بمعاني الكلمات في كل تدريب. يجب الحفاظ على الكلمات بسيطة ومباشرة وخالية من المصطلحات الغريبة، وإعطاء الأولوية باستمرار لتوقعات الحضور واحتياجاتهم. غالبًا ما يعرض المديرون التنفيذيون ما يريدون قوله، بدلًا مما يحتاج الحضور سماعه.

صفة المتحدث الصريح تعتمد أيضًا على المصداقية. يقول روب ستالارد، شريك في فيرتيكال ريسيرش بارتنرز: «آخر شيء يريده المستثمرون هو المدير التنفيذي النمطي. هم بحاجة لشخصية وأحدٍ ما يقوم بإنجاز العمل على أحسن وجه».

وجدت أبحاث أن الاعتماد على الشخصية والدعابة تساهم في تأسيس المصداقية. يريد المستثمرون الاستثمار في مؤسسة يفهمونها ويثقون بها. تبدأ الثقة بحسب ما يسمعون من الشخص ذي السلطة العليا.

هل يجيد المدير التنفيذي الإصغاء؟

إذا كانت هناك مهارة واحدة توضح حضور المديرين التنفيذيين، فهي القدرة على الإصغاء. واحدة من أكبر التحذيرات لدى المستثمرين، عدم قدرة المدير التنفيذي على الاستماع لوجهات النظر الخارجية والتركيز فقط على رسالته.

مع الأسف، فإن إتقان قدرة الإصغاء يشكّل تحديًا صعبًا عندما تكون المخاطر كبيرة. حين يسأل المستثمر سؤالًا صعبًا، فالإجابة المباشرة مغرية، إلا أنها قد تكون فرصة لكسب المصداقية بإظهار القدرة على الاستماع.

يجب أخذ لحظة للتفكير بالسؤال المطروح وسبب طرحه قبل الإجابة. هذا يساعد على التنفس قبل التحدث والتوقف لحظة لفهم السؤال التقني والمغزى منه.

مثلًا، السؤال عن الأبحاث وتطوير استراتيجية الاستثمار، قد يكون أيضًا حول قدرة المستثمر على الوثوق بالشخص مع أمواله. غالبًا ما يحمل السؤال عن تخصيص رأس المال، في طياته سؤال: هل أنا من الأولويات؟. إضافةً إلى إعطاء أجوبة فنية، يجب إظهار قدرة الإصغاء إلى ما وراء السؤال والإجابة عنه أيضًا.

إحدى الطرق لضمان التدرب الجيد على الإصغاء هو إنشاء جلسة أسئلة حرجة ناقدة قبل العرض (استخدام النقد للتحضير بشكل أفضل). تتم بجمع أشخاص بوجهات نظر خارجية متعددة، لسؤال المدير التنفيذي أصعب الأسئلة وأكثرها خداعًا حول عرضه التقديمي.

يجب على المديرين التنفيذيين محاولة مواجهة الأسئلة الصعبة للمرة الأولى في أثناء التدريب، وليس في العرض أمام مستثمر أو عميل.

يتدرب المدير التنفيذي على الإصغاء باهتمام للسؤال والغاية منه والتركيز على الحقائق وليس التخمين، والإجابة بطريقة تصل للحضور.

خلاصة القول، تساعد طريقة التدريب بالنقد على إيجاد المشكلات والمخاطر والأخطاء التي يغفل عنها الأشخاص المطلعون على العرض مسبقًا.

لا شك أن المستثمرين جمهور متطلب، إذ وجدت الأبحاث أن أفضل العروض التقديمية للمستثمرين تحدث عندما يركز المديرون التنفيذيون على ما يحتاج الحضور سماعه، أكثر من تركيزهم على إثارة الإعجاب بمهارات التحدث لديهم.

لحسن الحظ، فإن مهارات التواصل المطلوبة للحديث مع المستثمرين- الثقة المنطقية والكلام الصريح والقدرة على الإصغاء- هي نفس المهارات الضرورية لقيادة الأعمال.

يمتلك القائد الناجح تلك المهارات ويستخدمها كل يوم، ويعد العرض التقديمي أمام مستثمر فرصة مثالية لعرض هذه المهارات بصورة عملية.

اقرأ أيضًا:

ما الفرق بين المدير التنفيذي والرئيس؟

أسرار القيادة في الشركات الناجحة وغير المعروفة عالميًا

ترجمة: يوسف حمد

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر