أثارت سلسلة تغريدات مناهضة للمتحولين جنسيًا نشرتها الروائية جي كي رولينج موجة واسعة من الغضب والسخط، خاصة عندما اعترضت على عبارة «الأشخاص الذين يحيضون» المُستَخدَمة في إحدى المقالات، فسخرت من ذلك في تغريدة على تويتر قائلة: «لا بد من وجود كلمة تصف هذا النوع من الأشخاص، هل هي كلمة (wumben)؟» عكست تغريدات رولينج عددًا من الأفكار الخاطئة الشائعة عن المتحولين جنسيًا ، التي سببت وما تزال تسبب الكثير من الألم والأذى لمجتمع المتحولين جنسيًا. نشرح في مقالتنا بعض هذه الأفكار، وفداحة الأذى الذي تسببه.

الجندر والجنس ليسا الشيء نفسه:

يُحدِّد الطبيب جنس المولود بعد فترة قصيرة من الولادة استنادًا إلى أعضائه التناسلية الخارجية، ولا يُعَدُّ هذا التحديد نهائيًا دومًا، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبة 1 -2 % من سكان الولايات المتحدة ثنائيو الجنس، أي إن أجسامهم لا تخضع للتصنيف الثنائي الشائع (ذكر/ أنثى) وقد يرجع هذا إلى وجود اختلاف بين النشاط الغدي والهرموني لأجسامهم من جهة وخصائص أعضائهم التناسلية من جهة ثانية.

لا تتحدَّد الهوية الجندرية سريريًا بل تأتي من نظرة الشخص إلى ذاته. تُعرِّف حملة حقوق الإنسان الهوية الجندرية بأنها: «مفهوم الشخص الأعمق عن ذاته بوصفه ذكرًا أو أنثى أو مزيجًا من الاثنين أو لا شيء منهما».

تتجلَّى الهوية الجندرية في الطريقة التي يختارها الفرد للتعبير عن مظهره أو هويته عبر شكله الخارجي. وليس لهذا علاقة بجنسه بالضرورة، ولا يجب أن يضطر المتحولون جنسيًا إلى ارتداء ملابس مفرطة في الذكورة أو الأنوثة لإثبات هويتهم الجندرية.

يقول هانسل آرويو الطبيب النفسي من مركز ماونت سايناي لطب وجراحة المتحولين جنسيًا: «ما زال معظم الناس يتبعون التصنيف الثنائي الشائع للجنس، ويرون أنه يوجد شكل نمطي واحد للرجل وآخر للمرأة، ولا شيء آخر بينهما. ليس بالضرورة أن تخضع تجربة التحول الجنسي عند كل الأشخاص للصورة النمطية ذاتها، فارتداء المرأة المُتحوَّلة جنسيًا لثياب رجالية لا يغيِّر من حقيقة كونها امرأة».

المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا عن المتحولين جنسيًا والجندرية غير الثنائية - الأفكار الخاطئة الشائعة عن المتحولين جنسيًا - الثقافة الجنسية

الهرمونات ليست حكرًا على جنس دون آخر:

تقول كيتي سبينسر البروفيسورة المُساعِدة في جامعة مينيسوتا والباحثة في الميول الجنسية عند البشر: «إن اقتصار الهرمونات الجنسية على جنس دون آخر محض خرافة، إذ تفرز أجسام الرجال المغايرين جنسيًا الإستروجين وتفرز أجسام النساء المغايرات جنسيًا التستوستيرون، وكذلك أجسام ثنائيي الجنس، وتحتوي أجسامنا جميعًا على نسب متفاوتة من الهرمونات المختلفة».

أثار هذا التفاوت جدلًا واسعًا في أوساط منظمي الرياضات التنافسية. فتعرَّضت نجمة رياضة المضمار والميدان كاستر سيمينيا لكثير من الاتهامات طوال مسيرتها الرياضية بسبب نسبة هرمون التستوستيرون المرتفعة لديها ارتفاعًا طبيعيًا. تقول الباحثة جوانا هاربر: «ما زلنا لا نفهم آلية تأثير الهرمونات في أداء الرياضيين فهمًا كاملًا».

تقول سبينسر: «يوجد العديد من المتحولين جنسيًا الذين لا يتناولون المكملات الهرمونية أو يخضعون للجراحة، مثلما يوجد العديد من المغايرين جنسيًا ممن يحتاجون إلى تناول المكملات الهرمونية، في مرحلة انقطاع الطمث أو لتحفيز الرغبة الجنسية أو منع تساقط الشعر. وهكذا فإن الاعتقاد النمطي بأن المتحولين جنسيًا يحتاجون دومًا إلى تناول المكملات الهرمونية اعتقاد خاطئ. لكن الحصول على العلاج الهرموني الآمن قضية صحية عامة، إذ قد يزيد العلاج الهرموني من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، أما شراء الهرمونات من السوق السوداء التي لا تخضع لأي ضوابط على كميات الجرعات أو تراكيزها فقد يؤدي إلى حالات طبية حرجة مثل الفشل الكلوي.

الحيض والحمل ليسا حكرًا على النساء المغايرات جنسيًا:

تتابع سبنسر: «تمر الكثير من الأجسام بمرحلة الحيض، يوجد بعض المتحولين جنسيًا والأشخاص غير المنتمين إلى أي من صنفي الثنائية ممن يحيضون، ومنهم من هو قادر على الحمل والإنجاب أيضًا، في حين لا تحيض الكثير من النساء المغايرات جنسيًا بسبب بلوغهن سن انقطاع الطمث أو غيره من الحالات الصحية مثل متلازمة المبيض متعدد الكيسات أو اضطرابات الرحم التي قد تمنع انتظام الدورة، إذن فالخلط بين الحيض والأنوثة أمر خاطئ ومهين ناهيك بخطورته الطبية».

من المهم توفير الرعاية الإنجابية للرجال والأشخاص غير المنتمين جنسيًا، لأن تجاربهم الإنجابية تفتقر إلى التوثيق والبحث الكافيين. إذ قد يعاني الكثير من هؤلاء أعباءً نفسية شديدة في أثناء دورتهم الشهرية.

أظهرت إحدى الدراسات أن الرجال الحوامل من المتحولين جنسيًا يتمتعون بمعنويات مرتفعة في أثناء ترقب حدوث الحمل، رغم افتقارهم إلى المعلومات والدعم، لكن دراسة أخرى توصلت إلى أن بعض الرجال المتحولين جنسيًا يعانون العزلة الشديدة واضطراب تشوه صورة الجسم في أثناء حملهم.

يقول آرويو: «إن توفير الرعاية اللازمة للمتحولين في أثناء عملية تحولهم ضروري لصحتهم النفسية، فعندما يحصل المتحولون جنسيًا على رعاية مناسبة ومدروسة تتحسن صحتهم النفسية ويزداد إحساسهم بالأمان والرضا. يجب علينا أن نبذل أقصى جهدنا للحد من معاناة المتحولين جنسيًا وحمايتهم من الاضطرابات النفسية».

التحول الجنسي ليس أمرًا جديدًا:

تقول المتحولة جنسيًا جيسي برات لوبيز «لطالما عاش المتحولون جنسيًا بيننا». تعمل برات لوبيز مصورة وناشطة في شؤون التحول الجنسي وقد أطلقت حديثًا مبادرة على موقع GoFundMe لجمع التبرعات للنساء المشردات المتحولات جنسيًا من ذوات البشرة السمراء.

تقول سابرينا آجارول، عالمة الآثار الحيوية والأنثروبولوجيا من جامعة كاليفورنيا بيركلي: «تشير الوثائق التاريخية والمنحوتات الأثرية والمقابر والسلع الجنائزية والهياكل العظمية إلى عدم وجود تصنيف ثنائي للجنس (ذكر/ أنثى) في الحضارات القديمة، وما يزال هذا التصنيف غائبًا عند بعض الشعوب إلى يومنا هذا، توجد لدينا أدلة على المرونة الجنسية والجندرية في شعوب ما قبل التاريخ، من مصر القديمة وأمريكا الوسطى والإنكا وجنوب شرق آسيا وحتى في أقدم ألواح الكتابة في حضارة بلاد الرافدين. إن التقسيم الثنائي للجنس ما هو إلا مفهوم ابتكره المستوطن الأبيض ليفرض على العالم نظرته لما «يجب» أن يكون عليه التقسيم الجنسي بين البشر».

أحد الأمثلة الذي درسته آجارول على وجود المرونة الجنسية بين الشعوب القديمة هو مجتمع الهجرة أو الهيجرا، وهو مصطلح يضم الأفراد المتحولين جنسيًا وثنائيي الجنس والمخصيين. وقد اعترفت حضارات جنوب آسيا بهؤلاء الأشخاص منذ وقت طويل، لكنَّ مجتمع الهجرة تعرَّض للاستهداف والملاحقة في أثناء الاستعمار البريطاني، وما زال أفراده يعانون آثار الوصم الاستعماري لهم حتى الآن، وإن كانوا حديثًا قد حصلوا على الاعتراف القانوني بهم بوصفهم جنسًا ثالثًا في الهند.

تقول برات لوبيز: «يصعب علينا عند النظر إلى تاريخ المرونة الجنسية في العالم أن نفصل بين القمع الذي تعرَّض له مجتمع المتحولين جنسيًا والاستعمار».

لا تحدد الأعضاء الجنسية وحدها الانجذاب أو الميول الجنسية:

تقول برات لوبيز: «إن مناقشة تصورات الناس الخاطئة عن التحول الجنسي أمر محبط للغاية، لكن يصعب تحديد النقاط التي يُساء فهمها بالضبط، فلو افترضنا أن رجلًا مغايرًا جنسيًا لا ينجذب إلا للنساء قد مارس الجنس مع امرأة متحولة جنسيًا، فسيبرر الناس هذه العلاقة بأن الرجل مثلي الجنس وليس بأن المرأة المتحولة هي امرأة طبيعية».

ليس الجنس والجندر السببان الوحيدان لانجذاب الناس إلى بعضهم. تقول كيتي سبنسر: «تختلف مستويات انجذاب الأشخاص إلى بعضهم، ويشكل الجسد جزءًا من هذا الانجذاب، والجندر جزءًا آخر، لكنهما ليسا العاملين الوحيدين في عملية الانجذاب، فنحن لا ننجذب إلى أحد بسبب أعضائه التناسلية، وعلى هذا فليس من المنطقي اختصار انجذاب المتحولين جنسيًا بأعضائهم التناسلية.

تجارب التحول ليست متشابهة عند الجميع:

تقول برات لوبيز: «تختلف عملية التحول الجنسي بين شخص وآخر، إذ تختلف الطريقة التي يختار فيها كل شخص أن يتحول جنسيًا، وتختلف أيضًا طريقة تعبيره عن نفسه في أثناء هذا التحول، إذ ليس بالضرورة أن يخضع المتحولون جنسيًا لأي عملية جراحية أو علاج هرموني ليتحولوا إلى الهوية الجندرية التي يشعرون أنها تمثلهم».

علاج المتحولين غير آمن ولا فعال:

لمَّحت رولينج إلى أن الشباب الكويري «حر الجنس» يُدفَع باتجاه العلاج الهرموني والعمليات الجراحية، وأطلقت على هذا النوع من العلاج «نوع جديد من العلاج التحويلي للشباب المثليين».

لكن على عكس ادعاءات رولينج، فإن مساعدة الشباب المتحولين جنسيًا على تفهُّم هويتهم ومحاولة فهم وجهة نظرهم أمر ضروري جدًا للحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية، ليتمتعوا بنفس المستوى الصحي الذي يتمتع به أقرانهم من المغايرين جنسيًا.

أما العلاج التحويلي، فهو مجموعة من الممارسات التي فقدت مصداقيتها وتهدف إلى جعل الميول الجنسية أو الهوية الجندرية عند شخص ما متوافقة مع أعراف المجتمع وتوقعاته، وهي أيضًا خطيرة وغير فعالة. وقد أطلقت الأمم المتحدة على هذا النوع من العلاج اسم «علاج لمرض غير موجود». إن المقارنة بين التحول الجنسي والعلاج التحويلي هي مقاربة غير منطقية ولا أساس لها.

يتعرَّض كثير من المتحولين جنسيًا خاصة المتحولات من ذوات البشرة الملونة لحوادث العنف، وسُجِّلت منذ مطلع العام وحتى 27 يوليو 22 جريمة قتل عنيفة ضد متحولين جنسيًا أو أشخاص غير مُطابقين جنسيًا، بلغ عدد الملونين منهم 16 أو ما يعادل 76%.

اقرأ أيضًا:

توصية بحذف تشخيص المتحولين جنسيا من لائحة الاضطرابات العقلية

ما هي الكويرية الجندرية؟

ترجمة: بشرى عيسى

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر