نعرف جميعًا ذلك النوع من الناس، الذي يتعامل مع كل محادثة عن الطقس السيئ أو المتطرف كأنها نوع من المنافسة، ربما تثلج في بلدهم أكثر مما تثلج في بلدك، وربما عانوا من مزيد من العواصف الثلجية. على أية حال، لا يستطيع هؤلاء الناس الساحرون الصمود أمام تفوق بسيط في مجال الأرصاد الجوية. دفعنا ذلك إلى التفكير في أقصى الاحتمالات، إلى أي مدى يمكن أن تصل برودة كوكبنا؟ وما هو أبرد مكان على سطح الأرض ؟ لإيجاد إجابات على هذه الأسئلة، تواصلنا مع اثنين من العلماء الذين درسوا هذا الموضوع بالذات.

العمل عن بعد:

كان يوم 21 يوليو عام 1983 يومًا لتسجيل الأرقام القياسية، في محطة «فوستوك» التي تقع على الصفيحة الجليدية في شرق القارة القطبية الجنوبية، على بعد 800 ميل، أي 1300 كيلومتر من القطب الجنوبي الجغرافي، وهي واحدة من أكثر المناطق النائية في القارة القطبية الجنوبية، وتديرها الحكومة الروسية أو الاتحاد السوفييتي سابقًا.

في ذلك الموعد التاريخي عام 1983، قاس الباحثون العاملون في المحطة أدنى درجة حرارة للهواء القريب من السطح سُجلت على الإطلاق، وقد بلغت -128.56 فهرنهايت، أي -89.2 درجة مئوية.

لاحِظ أننا قلنا على وجه الخصوص: «درجة حرارة الهواء قرب السطح»، ويوشك هذا المصطلح أن يصبح هامًّا جدًا في مناقشتنا.

أخبرنا تيد سكامبوس -وهو عالم جيوفيزيائي قطبي في جامعة كولورادو في بولدر- خلال تبادل الرسائل الإلكترونية، أن درجة حرارة الهواء قرب السطح، هي درجة الحرارة التي يقرؤها مقياس الحرارة من 1.5 إلى 3 أمتار فوق سطح الأرض.

ويضيف سكامبوس: «يُقدّر الارتفاع المرجعي للقياسات الرسمية بمترين فوق سطح الأرض، عندما نرتفع أو ننخفض ربما تتغير درجة الحرارة المقاسة حسب موقعنا».

تعد درجات حرارة السطح أمرًا مختلفًا تمامًا، إذ تحدث معنا العالم الجيوفيزيائي والقطبي أتسوهيرو موتو من جامعة تمبل عبر البريد الإلكتروني، معرّفًا تلك العوامل على أنها درجات حرارة السطح الفيزيائي للأرض، سواء كان تربةً أو ماءً أو جليدًا.

منظور جديد:

كان سكامبوس المؤلف الرئيسي لدراسة عام 2018، التي أعلنت عن درجات الحرارة السطحية شديدة الانخفاض شرق القارة القطبية الجنوبية، وكان موتو أحد مؤلفيها كذلك.

تصف الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة جيوفيزيكال ريسيرش ليترز، كيف استخدم سكامبوس وموتو وزملاؤهم مستشعرات الأقمار الصناعية، للتحقيق في أنماط الطقس في هضبة شرق القارة القطبية الجنوبية.

تقع الهضبة في وسط القارة حيث يوجد القطب الجنوبي الجغرافي المذكور آنفًا.

لكن ذلك ليس عامل الجذب الوحيد، إذ تقع قبة آرغوس على الهضبة أيضًا، وهي أعلى نقطة ارتفاع في شرق القارة القطبية الجنوبية، وتلوح هذه البقعة الجليدية على ارتفاع 13428 قدمًا، أي 4093 مترًا فوق سطح البحر.

لعقود من الزمن، أشرفت الأقمار الصناعية -بما فيها بعض الأقمار التي صنعتها ناسا وصانتها- على شؤون هضبة شرق القطب الجنوبي.

راجع سكامبوس وموتو وزملاؤهم البيانات المتعلقة بالأمر التي جمعتها هذه الأجهزة خلال فصول الشتاء من عام 2004 إلى عام 2016.

رصدت الأقمار الصناعية في ذلك الوقت درجات حرارة سطحية تبلغ نحو -138 فهرنهايت، أي -98 درجة مئوية، عند نحو 100 منحدر منخفض، وتنتشر كلها عبر منطقة واسعة تشمل قبة آرغوس، لكنها على ارتفاع أعلى من محطة فوستوك. وهذه أدنى درجات حرارة سطحية مسجلة على الإطلاق في أي مكان من الأرض.

يشدّد موتو على أنه نظرًا إلى أن البيانات جُمعت عبر الأقمار الصناعية التي تراقب الأرض، لم يختبر أي إنسان درجات حرارة منخفضة كتلك.

وقال موتو: «حسب علمي، تبلغ أخفض درجة حرارة سجلها مقياس حراري فيزيائي واختبرها البشر -89.2 درجة مئوية، عند محطة فوستوك».

العزلة الباردة:

في كل عام يخضع القطب الجنوبي الجغرافي والمناطق القريبة منه لليلة قطبية، وهي فترة طويلة لا ترتفع فيها الشمس فوق الأفق إطلاقًا. ولوحظت درجات حرارة الهضبة التي سجلت أرقام قياسية وكتب سكامبوس وشركته عنها عام 2018، خلال هذا الامتداد المظلم للتقويم، ويكون عادةً في شهري يوليو وأغسطس.

يقول موتو: «تعد هضبة شرق القارة القطبية الجنوبية باردةً جدًا، بسبب الارتفاع العالي، وتعكس الثلوج على السطح معظم الطاقة الشمسية، أي نحو 90% منها أو أكثر إلى الغلاف الجوي». وأضاف: «إضافة إلى ذلك، لدينا الليالي القطبية في الشتاء عندما لا توجد طاقة شمسية على الإطلاق، وأيضًا بسبب البعد الكبير عن الساحل، نادرًا ما نحصل على كتل هوائية ساحلية أكثر دفئًا تخترق الداخل لرفع الحرارة».

من الواضح أن هذه البيئة ليست لضعاف القلوب.

يوضح سكامبوس أنها مساحة بيضاء شاسعة ومنبسطة من الثلج شديد البرودة حيث لا تتوقف الرياح ويكون لون السماء أزرق وأغمق من أي مكان آخر سبق ورأيته، وهذا منظر طبيعي منعزل وخالد.

ولكن حتى هنا، ستصل درجات حرارة السطح القصوى إلى ما يقارب -138 فهرنهايت (-98 درجة مئوية) فقط في الظروف المناسبة، فالظلمة المطولة لن تكفي وحدها.

لإحضار منظم الحرارة المجازي إلى تلك النقطة المنخفضة جدًا، يقول سكامبوس إنه يجب أن يكون هناك أيضًا «هواء ساكن وانعدام للغيوم وغلاف جوي جاف على نحو لا يصدق، وينبغي أن تكون جالسًا في منخفض على سطح الجليد، بعمق طفيف من 3 حتى 6 أمتار، وبضعة أميال عرضًا». لاحظ أن الميل الواحد يعادل 1.6 كيلومتر.

تحبس المنحدرات والوديان في الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي الهواء الكثيف والجاف والبارد، حتى وفقًا لمعايير القطب الجنوبي. ومع إعطاء الوقت الكافي، يبرِّد الهواء المحتجز الثلوج على مستوى السطح، جنبًا إلى جنب مع بعض الهواء الأكثر دفئًا فوقه، وقد يصبح الانحدار الضحل في جزء مرتفع من هضبة شرق القارة القطبية الجنوبية أبرد الأماكن على وجه الأرض خلال الشتاء القطبي.

اقرأ أيضًا:

ما هي أبرد منطقة في الكون ؟

أبرد مكانٍ على الأرض يقترب من الحدود القصوى لكوكبنا!

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: نغم رابي

المصدر