كيف نعرف أن الهبوط على القمر لم يكن مزيفًا؟ في الواقع يوجد العديد من الأدلة الدامغة التي تدحض نظرية المؤامرة القائلة بأن الهبوط على القمر كان مزيفًا.

نشر الدكتور ألفريد كاربينيتي مقالًا على موقع (IFLScience) بشأن الإعلان عن طاقم رحلة أرتيميس 2 الفضائية، وما لبث أن تلقى رسالة على بريده الإلكتروني محتواها: «كي نعود إلى القمر، فإن علينا الذهاب إليه أولًا! فنحن لم نذهب إلى هناك في الأصل!».

تضمنت الكثير من التعليقات على المقال آراءً مشابهة، وكان من الصعب التمييز بين من يعتقدون ذلك فعلًا وبين الساخرين أو المزعجين. وبافتراض أن نسبة -وإن كانت ضئيلة- من هذه التعليقات هي لأشخاص يؤمنون بالفعل أن الهبوط على سطح القمر كان مزيفًا، فنحن بحاجة إلى عرض الكثير من الأدلة على أن عملية إنزال رجل على سطح القمر وإعادته بأمان إلى الأرض لم تكن خدعة.

يعود الاعتقاد بتزييف الهبوط على القمر إلى زمن الحدث نفسه، ولكنه اكتسب زخمًا في الأعوام الأخيرة. وربما يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الجيل الذي انبهر بمشاهدة الحدث على الحقيقة ومتابعة أول خطوة بشرية على القمر، أصبح قليل العدد، ولكن السبب الرئيسي هو تراجع الثقة في السلطة، وأكاذيبها في كل شيء بدءًا من فضيحة ووترجيت إلى حقيقة وجود أسلحة الدمار الشامل، ببساطة لم يعد الناس يصدقون تصريحات الحكومة الأمريكية!

لكن بدلًا من إبداء شكوك منطقية بشأن حقيقة الهبوط على القمر، صدق بعض الناس كل ما يقوله شخص مجهول على موقع ريديت، خاصةً إذا وجدوا مقاطع فيديو على يوتيوب توافق أهواءهم.

من المشكلات التي تصعّب دحض الاعتقاد بتزييف الهبوط على القمر أن وراءه عدة نظريات مؤامرة لا واحدة. وتزعم إحدى النظريات أن المشروع بأكمله كان مزيفًا، ولم يغادر أي رائد فضاء كوكب الأرض. في حين تزعم نظرية أخرى أنهم ذهبوا إلى مدار القمر لكنهم لم يهبطوا. بل افترض بعض الناس أن الهبوط على القمر مستحيل؛ لأنه في الواقع مسطح مثل الأرض! وعلق الدكتور كاربينيتي على ذلك ساخرًا: «إذن لديكم الجرأة الكافية لافتراض أن القمر ذاته حقيقي؟!».

إنه لأمر مرهق، كلما فندت واحدة من تلك النظريات تظهر أخرى بشكل مختلف. وعلى كل حال نعرض فيما يلي أبرز الأدلة على أن الهبوط على القمر كان حقيقيًا:

1- الكثير من شهود العيان:

إذا اشترك شخصان في مؤامرة فربما ينجحان في كتمان السر، وإذا أفشى أحدهما الأمر فسيعرف الآخر على الفور من هو الملام. ولكن يصبح الأمر أصعب إذا كان لديك جيشًا من المتآمرين! وتشير التقديرات إلى توظيف 400 ألف شخص في مشروع أبولو للهبوط على القمر، أحد أكبر المشروعات في تاريخ البشرية. ومن الصعب أن يكون المشروع ذاته مزيفًا مع وجود كل هذا العدد من شهود العيان.

ربما يمكن إخفاء الأمر عن بعض العاملين في المشروع، مثلًا من يصنعون السترات الفضائية يمكن تركهم يظنون أن ما ينتجونه سيُستخدم، رغم أن الدقة في صناعة السترات لجعلها مناسبة للمهمة تمثل تكلفة إضافية.

مع ذلك، يظل هناك عشرات الآلاف من الأشخاص الذين لا يمكن خداعهم، من رواد الفضاء أنفسهم إلى صانعي الأفلام الذين قاموا بتزييف الصور، وطاقم انتشال مركبة القيادة المسترجعة.

لم يكن الكثيرون على دراية بعدد الأشخاص المطلوبين لكل جزء من مهمة أبولو الأولى. فمثلًا، يصف فيلم (The Dish) أن مجموعة من أربعة أشخاص في مرصد باركس في أستراليا كانوا يجمعون صور خطوات نيل أرمسترونج الأولى، ولكن في الواقع كان الفريق مكونًا من 24 شخصًا. وبافتراض أن الأمر كان خدعة، فإن كل واحد من هؤلاء تطلب الأمر إطلاعه على السر؛ كي لا يستنتجوا أن الإشارة لم تكن قادمة من القمر ويكشفوا الحقيقة. وأيضًا فإن فريقًا منفصلًا في (Honeysuckle Creek) جمع الصور الشهيرة عن المهمة، في حين كان القمر منخفضًا جدًا في السماء بالنسبة إلى منشأة باركس الأكبر حجمًا، ما يتطلب أن يكون المزيد من الأشخاص على دراية بالأمر. وكانت المنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم على أهبة الاستعداد.

2- عينات الصخور القمرية:

أعادت بعثات أبولو 380 كيلوغرام من الصخور والغبار من عدة أماكن على سطح القمر. وبوسع أي عالم جيولوجي يعمل على مشروع بحثي جاد أن يطلب عينة، وقد طلبها الكثيرون من قبل، مع أن المشروعات التي تطلب كميات كبيرة من المواد القمرية قد تُقَابَل بالرفض، ولكن غالبًا يُمنَح الأشخاص الذين يطلبون عينات صغيرة من الصخور الموافقة؛ للحصول على العينات وعلى نشر نتائج البحث.

تُفحص هذه العينات القمرية بأشعة الليزر والكواشف الكيميائية وأجهزة مطياف الكتلة، وتُظهر النتائج دائمًا أنها صخور تشكلت في بيئة خالية من الهواء والماء، ولا مثيل لذلك في أي مكان على سطح الأرض. ويوضح التحليل أيضًا أن هذه العينات أمضت مليارات السنين مُعرضة للرياح الشمسية مباشرةً. وإذا كان الآلاف من علماء الجيولوجيا حول العالم متورطين في عملية احتيال كهذه، لكان من الضروري تزييف الصخور بطريقة تتخطى التكنولوجيا الحالية، وقد كانت البعثات قبل نحو 50 عامًا.

من المُستبعد أن يستطيع أي أحد التنبؤ بالتركيب المطلوب لتزييف صخرة من القمر من دون الهبوط عليه. ويؤكد ذلك العينات التي جلبها المسبار الصيني (Chang’E-5) من أماكن مختلفة على سطح القمر، وقد طابقت تمامًا العينات المُسترجعة من بعثات أبولو، ما يؤكد أن العينات مصدرها الجرم ذاته. وإن عملية تزييف العينات بدقة لتعطي هذه النتائج كانت لتصبح أصعب من عملية الهبوط على القمر ذاتها.

3- وجود مراقبين آخرين:

مع أن البعثات القمرية كانت رحلات علمية بالأساس، كان للفخر الوطني الأمريكي دور كبير فيها. وكان للاتحاد السوفييتي السبق في إطلاق أول قمر اصطناعي، وإرسال أول رجل إلى الفضاء، ما عُد وقتها هزيمةً للولايات المتحدة. ومثّل هبوط رحلة أبولو 11 على القمر إثباتًا لاستعادة التفوق الأمريكي، ولو كان مزيفًا ما كان السوفييت ليفوتوا فرصة كشف الأمر، وقد كانت مناظيرهم الراديوية ترصد كل تفاصيل البعثة، ولو وجدوا أن إشارات الاتصال قادمة من أي مصدر سوى القمر لأعلنوا ذلك بوضوح.

4- المعدات المتروكة على القمر:

تركت ثلاث بعثات لأبولو مرايا على سطح القمر ارتدت عنها أشعة الليزر منذ ذلك الحين؛ لقياس المسافة بين الأرض والقمر بدقة استثنائية. وفي ذلك الوقت، كانت المهام الروبوتية تفتقر إلى القدرة على تثبيتها.

صورت الروبوتات القمرية المدارية التابعة لوكالة ناسا المعدات المتروكة في مواقع الهبوط، «وهي أدلة ستُعد مزيفة بالطبع في رأي من يرفضون صحة الأدلة الأصلية!». وفي عام 2008، رصد المسبار الياباني سيلين فوهة الهبوط التي خلفها أبولو 15، ما يضيف المزيد من الأشخاص إلى قائمة المنخرطين في المؤامرة!

5- خطورة تزييف الهبوط:

كما أسلفنا، عزّز الهبوط الناجح على سطح القمر الفخر القومي الأمريكي، ولكن بالمقابل، كان الفشل حال حدوثه ليمثل خيبة أمل كبيرة، وكان هذا الاحتمال قائمًا بالفعل، إذ أُعد خطاب ليلقيه الرئيس نيكسون حال وفاة رائدي الفضاء نيل أرمسترونج وباز ألدرين على سطح القمر.

إذا كان فشل البعثة يُعد أمرًا محرجًا، فإن ذلك لا يُقارن بأن تكون البعثة ذاتها مزيفة! وكان كل شخص في التسلسل القيادي -من الرئيس وصولًا إلى رواد الفضاء- يعرف عواقب كشف مؤامرة كهذه، فهل كل هؤلاء مجانين لينخرطوا في مؤامرة بهذا الحجم يكفي الإخفاق في أي جزء منها لكشف الحقيقة؟

لماذا الأمر مهم؟

أظهرت الدراسات على المؤمنين بنظريات المؤامرة أن من يصدق واحدة يميل إلى تصديقها جميعًا، وينطبق ذلك أيضًا على النظريات المتضاربة. فمثلًا، من اعتقدوا أن الأميرة ديانا اغتيلت بأوامر مباشرة من الملكة، هم أنفسهم أكثر عرضة لتصديق أنها ما زالت حية في مكان ما وأن موتها كان مزيفًا!

ربما يبدو الاعتقاد بتزييف الهبوط على القمر ليس مهمًا، ولكن تكمن أهمية الأمر في أنه قد يفتح بابًا لمعتقدات أخطر لها عواقب ملموسة، مثل المعتقدات المناهضة للقاحات وإنكار أزمة تغير المناخ.

اقرأ أيضًا:

بعد 50 عامًا على تجميدها، تحليل العينات القمرية القادمة من بعثة أبولو 17

عينات التراب القمري من مهمة أبولو 11 ستعرض في مزاد علني

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر