بغض النظر عن منكري التغير المناخي فإن معظم البشرية تشعر بالقلق بوجه عام إزاء الاحتباس الحراري. يعتقد بعض العلماء أن الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون ليست كافية للحل، وهناك فكرة مشروع يسمى «الهندسة المناخية»، وهي التلاعب بالأنظمة الطبيعية للأرض؛ لإصلاح تأثير الاحتباس الحراري.

بيد أن هذ ا المشروع لا يحظى بتأييد الجميع. فمنذ سنة 2010، حذر الخبراءُ المشرعينَ من مجهوداتهم المبذولة إلى أن يفهم العلماء تبعاتها على نحو أفضل.

فيمكن أن تخلف الهندسة المناخية عواقب غير مقصودة أو غير متوقعة، ولا يملك الخبراء حاليًا أي وسيلة لمعالجة تأثير مناخ بلد ما على مناخ بلد آخر، على سبيل المثال.

يُعد الدكتور رايموند بييرهومبرت، أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد، واحدًا من كبار العلماء المعارضين للهندسة المناخية. وقد أفاد في مقال صدر بمجلة سليت سنة 2015 بأن فكرة إصلاح المناخ بإجراء تعديلات على انعكاس الأرض لأشعة الشمس هي «فكرة مجنونة بنحو مثيرٍ للسُخرية».

يتفق معظم العلماء الداعمين لفكرة اتخاذ تدابير صارمة على أنه لا توجد طريقة لمعرفة الكيفية التي سيتفاعل بها الكوكب مع الهندسة المناخية. ويقول بييرهومبرت: «يتفق الجميع، مع تقدم البحوث، على أننا نحتاج إلى فهم أعمق لبعض جوانب النظام المناخي (وخاصة استجابات السُحب) قبل أن يتمكن المرء حتى من البدء في تقييم ما قد يفعله التحكم في الإشعاع الشمسي وإدارته لكوكب الأرض، نحتاج إلى أن نكون قادرين على رصد ميزانية إشعاع الأرض بدقة أكبر أيضًا».

يقول بييرهومبرت أيضًا أن أحد أكبر المشاكل في الهندسة المناخية هو ما يسميه التزام الألفية، وهو ما يعني أننا بمجرد أن نشرع في اتخاذ إجراءات هندسة مناخية جذرية، فلا يمكننا التوقف. إن التأثيرات المترتبة على تغير المناخ سوف تستمر في التكون وإذا توقفت جهود الهندسة الشمسية، فقد يحدث الاحتباس الحراري العالمي الكثيف في آن واحد، بدل أن يحدث تدريجيًا.

ويضيف بييرهومبرت: «سيقع هذا العبء غير المقبول على عاتق الأجيال المقبلة، ما قد يجعل العيش مع فكرة خطر كارثة نووية عالمية تتسببها الحرب الباردة، أشبه بنزهة!».

فما هي أنواع الهندسة المناخية التي يفكر فيها العلماء تحديدا لتجنب الكارثة المناخية؟ سنلقي نظرة على خمسة منهم، من الأقل إلى الأكثر تطرفًا.

5- غراسة الأشجار:

تتمثل أكثر استراتيجيات الهندسة المناخية اعتدالًا في سحب الغازات الضارة من هوائنا، ونذكر على وجه الخصوص غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان. ينتج ثاني أكسيد الكربون عن عملية حرق الوقود الأحفوري وهو أسوأ مساهم في تغير المناخ. وعلى الرغم من أن الميثان ذو تركيبة أقوى إلا أنه يتبدد بسرعة أكبر في الغلاف الجوي؛ بذلك يركز العديد من العلماء على C02.

ومع ذلك يمكن ترشيح C02 من الغلاف الجوي بطرق طبيعية نعرفها كلنا وتتمثل في زراعة الأشجار. إنها طريقة بسيطة لإزالة C02 من الهواء لأن الأشجار تمتصها بشكل طبيعي. تبدو هذه العملية شديدة البساطة ظاهريًا، ولكن ما تزال هناك تعقيدات. إذ لا بد من القيام بالتشجير على نطاق واسع -مساحات بحجم الغابات- وتستغرق الأشجار وقتًا طويلًا للنمو. أبدى بعض العلماء قلقًا من إمكانية استحواذ الغابات الجديدة على الأراضي المهمة اللازمة للزراعة.

ومع ذلك، من بين جميع مخططات الهندسة المناخية المعروضة، تعد هذه الطريقة الأسهل والأنسب تكلفة ذات نتائج سلبية أقل. لن تحل مشاكلنا، ولكنها لن تتسبب بضرر أيضًا.

4- اللاقط المباشر للهواء:

الهندسة المناخية: خمس طرق لتغيير المناخ - الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون - التلاعب بالأنظمة الطبيعية للأرض

يريد بعض العلماء تنظيف الكوكب بمرشحات هواء ضخمة الحجم مصممة خصيصًا لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. بهذه الطريقة، يُمتص الهواء داخل توربينات عملاقة، ثم يُمرر من خلال المرشحات التي تلتقط C02 ليُبث الهواء المنقَى مرة أخرى في الغلاف الجوي. تُسخَن المرشحات لتنظيفها بنحو يمكن من إعادة استخدامها وتكرار الدورة.

أطلقت شركة مؤسسة في زيوريخ تحت اسم كليمووركس العنان لهذه المراوح في مايو سنة 2017 وتقول أنها تمثل أول «مصنع تجاري ملتقط لثاني أكسيد الكربون» في العالم، على الرغم من أن الفكرة نفسها ليست جديدة. وتطبق أيضًا هذه الاستراتيجية، التي تُعرف باسم الالتقاط المباشر للهواء، في شركات في كندا والولايات المتحدة وهولندا. بيد أن شركة كليمووركس تقول أن 18 من جامعي C02 لديها قاموا بالفعل بإزالة 900 طن من ثاني أكسيد الكربون في مصنعها الأول بسويسرا.

قد يبدو هذا متطرفًا، ولكن التقاط الهواء المباشر هو واحد من أكثر الطرق أمانًا للهندسة الجيولوجية لأنه دون آثار جانبية حادة نسبيًا. ورغم ذلك، يحذر العديد من العلماء من أنه لا يمكن لهذه الآلية أن تواكب المعدلات الحالية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

3- التسميد الحديدي:

تفترض تقنية تسميد الحديد أن إضافة الحديد للمحيطات ستؤدي إلى تحفيز انتشار العوالق والطحالب ما يؤدي إلى سحب CO2 من الهواء. وعندما تموت العوالق والطحالب في نهاية المطاف، فإنها ستغرق ببساطة في قاع المحيط وتُدفن.

قد وجد العلماء الذين درسوا المراحل السابقة من تغير المناخ أن غبار الحديد من المحتمل أن يكون قد تسبب في أحداث آثار مماثلة خلال العصور الجليدية ما جعلهم يأملون في تكرار تلك العملية التي لا تسبب تداعيات غير مرغوب فيها.

تبين البحوث أن الاستراتيجية قد تنجح في المحيط الأطلسي ولكنها من المحتمل أن تكون أقل نجاحًا في الجزء الاستوائي من المحيط الهادئ بسبب حركيته.

وبعبارة أخرى، يحصل المحيط الهادئ الاستوائي على مياه ناقصة المغذيات من تيارات المحيط المتجمد الجنوبي الأنتاركتيكي، وقد أظهرت التجارب أن الحديد التكميلي وحده لا يكفي ليثير حركة انتشار العوالق وازدهارها. وحتى الآن ما يزال العلماء غير متأكدين من جدوى العملية في المحيطات الأخرى.

كما أخذ علماء من مؤسسة كارنيجي بعين الاعتبار فكرة ضخ المياه الباردة من قاع المحيط حتى السطح، ما يمكن أن يخلق تأثير تبريد طفيف على الغلاف الجوي. بيد أن هذه العملية ستستمر لحوالي 50 عامًا، ويمكن لهذا أن يولد مشاكل أخرى عديدة بسبب إزعاج الأنظمة الإيكولوجية البحرية.

2- حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري:

استُوحي حقل الهندسة المناخية في الواقع من حادثة انفجار بركان سنة 1991 في جبل بيناتوبو في الفلبين. ونتيجة لهذا الثوران، انتشر في الغلاف الجوي ما يقدر بنحو 20 مليون طن من الكبريت، وانخفضت درجات الحرارة العالمية إلى نحو نصف درجة مئوية على مدى العام التالي. وإن كنت تبحث عن جواب شاف لهذه الظاهرة فهو يتمثل في حجب سحابات الكبريت لبعض أشعة الشمس، ما أبقى درجات الحرارة منخفضة. قد لا يبدو هذا كثيرًا، لكنه يتجاوز نصف ما أفرزه الكوكب بشكل طبيعي خلال الـ 130 سنة الماضية.

يتحدث بعض علماء الأرض الأكثر تطرفًا راهنًا عن تكرار آثار جبل بيناتوبو عبر ذر الكبريت في الغلاف الجوي، على أمل إنزال درجة حرارة الكوكب مرة أخرى.

سنة 2010، صرح ديفيد كيث، مدير مجموعة الطاقة والنظم البيئية في جامعة كالغاري المعروفة، عبر الإذاعة الوطنية العامة أن حقن ثاني أكسيد الكبريت عن طريق الطائرات النفاثة هو أمر سهل وغير مكلف. وأضاف أن الأمر يحتاج إلى القليل من المواد لتغيير مناخ الكوكب بأكمله. واصفًا التكاليف بقيمة رخيصة بنحو سخيف.

ولكن تنطوي هذه العملية على مساوئ مهمة ما زال العلم قاصرًا عن فهمها تمامًا. فعلى سبيل المثال، يتمثل أحد الاحتمالات في أن حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري يمكن أن يؤثر على الزراعة في أجزاء من أفريقيا وآسيا. إضافة إلى ذلك، من المعلوم أن الكبريت يلوث الهواء بنحو يمكن أن يجعله قاتلًا ومدمرًا لطبقة الأوزون.

1- عكس أشعة الشمس:

الهندسة المناخية: خمس طرق لتغيير المناخ - الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون - التلاعب بالأنظمة الطبيعية للأرض

يعتبر هذا المخطط الجديد مخططًا تقدميًا يتجاوز خطة حقن الكبريت، على الرغم من أن الفكرة العامة متشابهة. إلا أنه وبدلًا من مجرد حجب بعض أشعة الشمس، يريد العلماء أن يعكسوها مجددًا نحو الشمس عبر إرسال مجموعة متنوعة من المواد إلى الغلاف الجوي.

ويتقدَم أحد المقترحات بفكرة إطلاق البالونات إلى ارتفاع عال ثم رشها بجسيمات «عاكسة». بينما ارتأت مجموعات أخرى ضرورة اتباع نهج أكثر دراماتيكية، وأوصت بنشر أسطول من الدروع العاكسة يبلغ عرضها 3 أقدام ويتجاوز طول سحابة الدروع 62,000 ميل. وفي نهاية المطاف، سيتمركز 16 تريليون من هذه الدروع على مدى ثماني سنوات، بتكلفة تبلغ تريليونات الدولارات.

قد تكون الآثار الجانبية السلبية لهذه الفكرة مدمرة: إذ يمكن أن يجعل الحدُ من ضوء الشمس الكوكب أكثر جفافًا. وتوقَعت النماذج انخفاضًا بنسبة 1% في هطول الأمطار لكل درجة مئوية من الاحترار التي نعكسها، التي لديها القدرة على زيادة حالات الجفاف والحد من إنتاج الغذاء في المناطق المعرضة للخطر.

وماذا عن تريليونات الدروع؟ يمكن أن يمسي هذا الحطام الهائل خطيرًا لتلويثه الفضاء من ناحية ولإمكانية سقوطه مرة أخرى إلى الأرض، وسنحتاج إلى التخلص منه في نهاية المطاف.

اقرأ أيضًا:

هل بإمكاننا التصدي للتغيرات المناخية بواسطة زراعة ترليون شجرة؟

تأثير سرعة تغير تيارات المحيطات على المناخ

ترجمة: فاطمة البجاوي

تدقيق: صهيب الأغبري

المصدر