تواجه الأدوية المستخدمة في علاج السرطان تحديات مختلفة مثل الآثار الجانبية التي يعانيها المريض في أثناء تلقيه العلاج إضافةً إلى مقاومة الجسم للعلاج، ما شجع الباحثون على محاولة إيجاد مواد أو طرق جديدة تحسن نوعية حياة المريض وتزيد من معدل البقيا لديه.

عرف الهنديون طب الأيورفيدا وهو ممارسة قديمة من ممارسات الطب الهندي (وترجع هذه الممارسة إلى آلاف السنين، إذ يعتمد طب الأيورفيدا على مبادئ الطب الهندي المستندة على توازن طاقة الجسد لتحسين الصحة)، ويركز على أهمية تناول بعض الأغذية لتحقيق منافع صحية مهمة، ومن هذه المواد كان الهيل الأسود، إذ استخدم سابقًا في تحضير أدوية السرطان وعلاج بعض الحالات المرضية التي تصيب الرئة.

تشكل فريق يضم باحثين من كليات متعددة في جامعة سنغافورة الوطنية تشمل كليات العلوم والطب والهندسة، ودرسوا الأساس العلمي حول استخدام هذه المادة في الممارسة الطبية، فكانت النتائج تدعم وجود دليلًا مثبتًا حول تأثير الهيل الأسود على الخلايا السرطانية وخاصةً في سرطانات الرئة.

تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها من حيث تركيزها على وجود علاقة بين استخدام مستخلص الهيل الأسود وتحريض تفاعلات الأكسدة ضمن الخلايا السرطانية ومقارنة التأثير بين سرطانات الرئة والكبد والمريء، وكانت التوابل بأنواعها المختلفة مثل حب الهال والألبينيتين أهم المصادر الحيوية لاستخلاص الهيل الأسود.

البحوث العلمية حول الأيورفيدا

قدمت الأبحاث التي أجراها العلماء أدلة على حقيقة استخدام أنواع معينة للهيل الأسود بهدف علاج الأمراض الرئوية، فقد شاع استخدامه في المنازل الآسيوية في تحضير الأرز والكاري واليخنات إما على شكل مساحيق أو ضمن توابل كاملة مستخدمة في الطهي، واستخدم في الطب الهندي القديم على شكل مساحيق لعلاج السعال والسل الرئوي واحتقان الرئة وغيرها من الأمراض الصدرية، ودخل في تحضير أدوية سرطان الرئة لدى العديد من الثقافات الريفية والقبلية الهندية.

حصل الباحثون على الهيل الأسود من خلال استخدام خمسة أنواع من المذيبات منها المذيبات العضوية والماء، لاستخلاص المادة من ثمار الهيل الأسود وفقًا لمراحل متتالية، ثم أجريت اختبارات على مختلف الأنواع المستخلصة وكانت التركيز في جميع الاختبارات على مدى التأثير السمي لهذه المواد على أنواع مختلفة من الخلايا السرطانية منها الرئة والكبد والثدي.

بينت النتائج أن الخلايا السرطانية الرئوية كانت الأقل مقاومةً تجاه هذه المواد، و الأكثر تأثرًا وأقل بقيا من غيرها.

أشارت بوجا ناكيجا وهي طالبة دكتوراه في قسم الكيمياء من جامعة سنغافورة الوطنية، إلى عدة نقاط حول فوائد الهيل الأسود، إذ قالت موضحةً: «تمهد هذه الدراسة لإجراء المزيد من الأبحاث حول احتمال وجود فائدة علاجية أو وقائية لاستخدام مادة الهيل الأسود، إذ أن جميع النتائج السابقة كانت بمثابة معلومات أولية ولم تستطع الربط مع نتائج استخدامه في الممارسات الطبية التقليدية، ولم تتوفر الفحوص الماسحة بشكل كافي لإجراء المقارنة بين استجابة الخلايا السرطانية المختلفة لمستخلصات الهيل الأسود».

تميز مستخلص الهيل الأسود الذي خضع لعمليات متسلسلة باستخدام الهكسان ثم ثنائي كلور الميثان، بفعاليته العظمى ضد الخلايا السرطانية الرئوية مقارنةً بالمنتجات الخاضعة لطرق استخراج أخرى.

تضاءل قياس الخلايا الحية المعالجة بالهيل الأسود المستخرج باستخدام ثنائي كلور الميثان إلى أقل من 20% وذلك بعد 48 ساعة من ملامستها لمادة الهيل الأسود، ولوحظ حدوث تشوه وانكماش في شكل الخلية، وزيادة نشاط عمليات الأكسدة، والفشل في إصلاح التشوهات التي أصابت سلاسل الحمض النووي.

بعد استخدام مستخلص الهيل الأسود من خلال تحليل الطيف الكتلي اللوني السائل (هو إحدى تقنيات الكيمياء التحليلية التي تجمع بين قدرات الفصل الفيزيائي المتنوعة) ، وقد ربط الباحثون وجود اثنين من المواد النشطة بيولوجيًا التي تم دراستها جيدًا ، وهي الهيل والألبينيتين، بالإمكانات السامة لخلايا الهيل الأسود.

قال غوتام سيثي وهو أستاذ في قسم علم الأدوية في كلية يونغ لو لين للطب في جامعة سنغافورة الوطنية، الذي كان مشاركًا في البحث: «ينتشر استخدام الهيل الأسود كتوابل في الطهي، ما يتيح التعمق بدراسة تأثيره في تطور سرطان الرئة في النماذج قبل السريرية، الأمر الذي يوفر أدلة قوية تدعم فلسفة “الغذاء كدواء” لأبقراط التي أُهملت إلى حد كبير في يومنا هذا».

التطبيقات المقترحة لأبحاث السرطان

يمكن استخدام مستخلص الهيل الأسود في هذه الدراسة لعزل وتحديد هوية المزيد من المركبات الكيميائية الجديدة الفعالة ضد الخلايا السرطانية، ما يساعد على تطوير الأدوية المستخدمة في علاج السرطان، وذلك بعد إجراء الاختبارات السريرية وقبل السريرية والعديد من الاختبارات الخلوية على هذه المنتجات.

من المتوقع أن يساعد اكتشاف هذه المنتجات الحاوية على الهيل الأسود في إيجاد علاجات بيولوجية جديدة لعلاج سرطان الرئة أو الوقاية منه، وقد نُشر هذا البحث لأول مرة في مجلة Ethnopharmacology.

اقرأ أيضًا:

حمية أيورفيدا الهندية: المنافع والمساوئ

سرطان الرئة lung cancer: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: بثينة خدام

تدقيق: محمد سمير

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر