لقد ولّد وباء كورونا إحصائيات كبيرة على مدى السنتين الماضيتين: نصف مليار حالة، و6 مليون وفاة، منها مليون حالة وفاة في الولايات المتحدة لوحدها، لكن بلاء عالميًا آخر أقل صيتًا سبقه وقد يستمر بعده؛ الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور.

نحو 1.35 مليون شخص يموت كل سنة على الطرقات العالمية، ومن 20 إلى 50 مليون شخص يُصابون بأذيات خطيرة.

نصف هذه الوفيات وكثير من الإصابات من المشاة وراكبي الدراجات والدراجات النارية، فهم أكثر مستخدمي الطرقات و الشوارع عرضة للأذية.

حول العالم، يموت شخصٌ ما من حوادث المرور كل 25 ثانية.

وصف رئيس صندوق الأمم المتحدة لسلامة الطرقات حوادث الطرقات والإصابات بالوباء الصامت على عجلات.

يقول: «لقد درست المدن و السياسات الحضرية لسنوات عديدة، بما في ذلك النقل و أمن الطرقات. بنظري، نستطيع جعل نظام النقل أكثر أمانًا، فالأمر ليس بتعقيد علم الصواريخ، والمفتاح هو أن تعطي الحكومات أولوية لطرق أكثر أمانًا للعربات عند السرعة، وأن تروج لسياسات مثل تهدئة المرور، التي تقلل خطر الحوادث».

تكلّف حوادث المرور معظم الدول نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، من ناحية العلاج الطبي و خسارة الأجور للضحايا وأسرهم.

الكلفة

إن الحديث عن مساواة وفيات الحوادث للأمراض الوبائية أمرًا مبالغًا فيه، ولكن الأرقام تؤكد ذلك.

تُعد وفيات الطرقات حاليًا السبب الرئيسي للوفاة عند الأطفال والشباب حول العالم بين أعمار 5 و29 سنة، والسبب الرئيسي السابع لإجمالي الوفيات في الدول منخفضة الدخل.

تسبب الحوادث أذيات اقتصادية كبيرة للضحايا وعوائلهم، والمجتمع.

قدّرت دراسة أُجريت في عام 2019 أن ما بين عامي 2015 و2030، ستكلف أذيات الطرقات الاقتصاد العالمي نحو 1.8 تريليون دولار أمريكي.

بسبب ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في الدول منخفضة الدخل والمتوسطة؛ فإن الطرق الخطرة تضيف إلى الكلفة المترتبة على الفقر، وتشكّل عائقًا كبيرًا للنمو الاقتصادي؛ لذلك أحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة هو خفض عدد الوفيات والإصابات العالمية الناجمة عن حوادث المرور بحلول عام 2030.

وفيات أكثر في الدول منخفضة الدخل

يوجد تباين كبير في معدلات وفيات الطرق عالميًا، إذ إن معدلات وفيات حوادث الطرق تتراوح بين 27 في كل 100000 من السكان في إفريقيا إلى 7 في كل 100000 في أوروبا.

كان لدى الدول الغنية كم كبير من آليات المرور لفترة تتجاوز الدول منخفضة الدخل؛ لذلك كان لديهم وقت أطول لتطوير استراتيجيات وخطط لخفض الحوادث والوفيات.

مثلًا، في عام 1937 -في حقبة كانت فيها حوادث المرور في شوارع مدن مثل نيويورك تُعد جزءًا روتينيًا من الحياة الحضرية- كان معدل وفيات الطرق في الولايات المتحدة 31 من 100000. وهذا تقريبًا مماثل لمعدلات الوفيات في جمهورية الكونغو الديموقراطية اليوم.

تمتلك الدول منخفضة الدخل سيارات أقل أمانًا، وطرقًا سيئة، يكون مستخدموها مثل المشاة وراكبي الدراجات، الذين يتشاركون أماكن السكان مع السيارات أكثر عرضة للإصابة، إضافة إلى الرعاية الطبية السيئة، ما يعني أن الإصابة قد تؤدي إلى الوفاة بسهولة.

لا تمتلك هذه الدول القدرة الكافية على إدخال قوانين السير وتطبيقها.

تشمل حوادث المرور في الدول مرتفعة الدخل عادة شخصًا أو شخصين، عكس الدول منخفضة الدخل التي تشمل عدة ركاب.

مثلًا، في عام 2021 في جمهورية الكونغو الديموقراطية، اصطدمت شاحنة وقود مع باص مزدحم على بعد نحو 177 كيلومترًا خارج العاصمة كينشاسا، أسفرت عن مقتل 33 شخصًا.

حوادث المرور المميتة شائعة في جمهورية الكونغو الديموقراطية، إذ إن الطرقات سيئة، ويوجد عديد من السيارات القديمة غير الآمنة، وعديد من السائقين غير المدربين جيدًا، وشرب الكحول في أثناء القيادة الذي يُعد أمرًا شائعًا.

بالنسبة إلى الدول متوسطة الدخل، فإن التحدي يكمن في الزيادة السريعة في ازدحام المركبات، نظرًا لكون السكان يميلون أكثر للتحضر ووجود أشخاص كثر يكسبون مالًا كافيًا لشراء الدراجات النارية والسيارات.

قد ترهق هذه الزيادة السريعة القدرة الاستيعابية للطرق الحضرية.

في الولايات المتحدة، تنظيم أقل ووفيات أكثر

يوجد أيضًا فروقات ما بين الدول الغنية، ففي عام 1994، كان معدل الوفيات بحوادث المرور في أوروبا والولايات المتحدة نفسه، ولكن بحلول عام 2020 كان الأمريكيون أكثر عرضة للوفاة على الطرقات بنحو 3 أضعاف مقارنة بالأوروبيين.

حاليًا، يموت 12 شخصًا في حوادث المرور من كل 100 ألف وفاة سنويًا في الولايات المتحدة، مقارنة بنحو 4 من كل 100 ألف وفاة في النرويج.

يعكس هذا الفارق القوانين الأوروبية الصارمة لخفض السرعات، والاستثمار الكبير في النقل الجماعي وتطبيق قوانين صارمة للحد من القيادة تحت تأثير الكحول.

لا تتأخر الولايات المتحدة عن الدول الغنية الأخرى في الترويج لأمن الطرقات فحسب، إذ ازدادت في السنوات الماضية وفيات حوادث المرور في الولايات المتحدة، وذلك بعد تراجع تدريجي طفيف على مدى 50 سنة، إذ ارتفعت معدلات الوفيات إلى أعلى مستوى لها منذ 16 سنة في عام 2021، فقد توفي نحو 43 ألف شخص، ووصلت وفيات المشاة إلى 7500 مسجلة أعلى معدل منذ 40 سنة.

ما سبب هذا الارتفاع في نسبة الوفيات؟

كانت الطرقات أقل ازدحامًا في أثناء الإغلاق بسبب كوفيد-١٩، ولكن نسبيًا شارك أشخاص أكثر في تصرفات أخطر، بما في ذلك السرعة الزائدة وشرب الكحول في أثناء القيادة، والقيادة المشتتة وعدم استخدام أحزمة الأمان.

وفيات المشاة وراكبي الدراجات كانت في ازدياد حتى قبل الوباء، إذ شجعت المدن على المشي وركوب الدراجات دون توفير البنى التحتية الملائمة، إذ لا يُعد رسم خط أبيض على شارع مزدحم بدلًا من توفير ممر مخصص للدراجات آمنًا بالكامل.

أمران سيئان حيال أمن الطرقات

يوجد أمران سيئان عادة ما يسيطران على النقاشات حول وفيات حوادث المرور.

أولًا، تسمية هذه الأحداث بحوادث يجعل موت الأبرياء أمرًا طبيعيًا.

جزء من طقوس التنقل الآلي، منح الولايات المتحدة الأولوية لحركة مرور المركبات السريعة.

لقد خلقت المركبات الآلية نوعًا خاصًا من المساحة -الطرق العادية والطرق السريعة- إذ تُعد الوفيات والإصابات حوادث، وهذا شكل من الظلم البيئي.

المجموعات المحرومة عبر التاريخ والمجتمعات الفقيرة تمثّل الجزء الأكبر من وفيات الطرقات والإصابات.

الأمر المضلل الثاني، تُعد وفيات حوادث المرور والإصابات غالبًا سببها الخطأ البشري.

يلوم المسؤولون العموميون على نحو متكرر السائقين السيئين، والمشاة المشتتين وراكبي الدراجات العنيفين على أنهم السبب لوفيات الطرقات.

يتحمّل الناس كثيرًا من المخاطر. في السنوات الماضية، وجد الاستطلاع السنوي لثقافة أمن الطرقات التابع لجمعية المركبات الآلية الأمريكية أن معظم السائقين ينظرون لعادات القيادة غير الآمنة، مثل إرسال الرسائل النصية في أثناء القيادة أو الإسراع على الطرقات السريعة، على أنها خطرة أو شديدة الخطورة، لكن عددًا لا بأس به من السائقين يقومون بهذه التصرفات على أية حال.

أشار خبير الدراسات الحضرية ديفيد زيبر، أن خرافة مستمرة عادة ما تروج لها الوكالات الحكومية ووسائل الإعلام، تؤكد أن 94% من الحوادث في الولايات المتحدة سببها السائق بحد ذاته.

هذا الرقم المبالغ به قد نجح في توجيه المسؤولية بعيدًا عن العوامل الأخرى، مثل: تصميم السيارة والبنية التحتية للطرقات والحاجة لسياسات طرقية أكثر فعالية.

الحكومات تمتلك الأدوات

وفيات حوادث المرور والإصابات ليست حوادث، إنما هي اصطدامات نستطيع منعها وتخفيضها.

فعل ذلك سيتطلب من الحكومات ومصممي المناطق الحضرية أن يعيدوا تصوّر أنظمة النقل ليس من ناحية السرعة والفعالية فحسب، إنما من ناحية الأمان والحياة أيضًا.

سوف يؤدي هذا إلى حماية سائقي الدراجات النارية والدراجات الهوائية والمشاة من ازدحام المركبات، وإنقاص السرعة على الطرقات الحضرية.

سوف تتطلب أيضًا تصميمًا أفضل للطرقات، وتطبيق قوانين السير التي تجعل الطرقات أكثر أمانًا، وإجراءات أكثر فعالية وقابلة للتطبيق من شأنها تأمين وسائل الحماية مثل أحزمة الأمان، والمقاعد المخصصة للأطفال، والخوذ لراكبي الدراجات والدراجات النارية.

على عكس وباء كوفيد-19، لا يتطلب جعل الطرقات أكثر أمانًا تصميم حلول جديدة ضمن المختبرات، بل ما يلزم هو الإرادة لتطبيق أدوات ثبت أنها تعمل.

اقرأ أيضًا:

إعادة تثبيت رأس طفل بعد انفصاله من الداخل نتيجة حادث سيارة!

سيّارةُ أُجرة ذاتيّة القيادة لاحظت المشاة قبل وقوع الحادث، لكنّها قرّرت عدم التوقف!

ترجمة: مضر اليوسف

تدقيق: بدور مارديني

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر