تمكّن العلماء للمرّة الأولى من إخضاع التّشابك الكموميّ لمستويات مُفرطة التّسارع، ولا يبدو أنّ هذا “الفعل الشّبحي عن بعد” ينطوي على أيّ ضعف، بل هو أكثر صلابة مما اعتقدنا.

وفي تجارب حديثة، استطاعت الجسيمات المتشابكة أن تحافظ على تشابكها حتّى أثناء تعريضها لتسارع يبلغ 30 ضعفًا من تسارع الجاذبيّة، النتائج الّتي من شأنها المساهمة في الوصول إلى نظريّة موحِّدة للفيزياء الحديثة.

قد تساعد هذه التّجارب في توحيد نظريتيّ ميكانيكا الكمّ والنّسبيّة، كما صرّح عضو الفريق العلميّ لجامعة فينّا في النّمسا روبرت أورسين.

يُعتبر التّشابك الكمومي من أكثر ظواهر ميكانيكا الكمّ تعرّضًا للاختبارات، ومع ذلك، لا زلنا نجهل الكثير حول هذه الظّاهرة الغريبة الّتي يتشارك فيها جسيمان، بالضّرورة، وجودًا واحدًا، الأمر الّذي يعني أنّ كلّ ما يحدث لأحد الجسيمين يؤثر آنيًّا ومباشرةً على الجسيم الآخر، حتّى وإن كان يبعد عنه بمقدار سنين ضوئيّة.

نحن نعلم من خلال عدد لا يُحصى من التّجارب أنّ التّشابك الكموميّ حقيقيّ، لكنّه في الوقت ذاته شيءٌ عجزت نظريّة آينشتاين النّسبيّة عن تفسيره، وهذا ما يجعل الفيزياء الحديثة عالقةً الآن بين حقيقيتين متضاربتين لا يعلم أحد كيف يمكن توحيدهما.

جزء كبيرٌ من اكتشاف كيفيّة تجسير الفجوة بين الفيزياء الكلاسيكيّة وفيزياء الكمّ يكمنُ في القدرة على مراقبة جوانب معيّنة لكلّ منهما في الوقت ذاته، وهذا ما قام به أورسين وفريقه من خلال إخضاع الجسيمات المتشابكة لتسارعات عالية كما وُصفت في النّسبيّة.

وللقيام بذلك أجرى الباحثون تجربتين، في إحداهما وضعوا مصدرًا لأزواج فوتونيّة (جسيمات ضوئيّة) متشابكة في صندوق، وألقوه من ارتفاع 12 مترًا لتحقيق تسارع معدوم أثناء السّقوط الحرّ.

وفي الثّانية وصلوا الصّندوق بذراعِ جهاز طردٍ مركزيّ، وسرّعوه إلى مقدار يبلغ 30 ضعفًا من تسارع الجاذبيّة الأرضيّة، ولتصوّر هذا المقدار، فإننا نتعرّض في قطار الملاهي إلى تسارع مقداره 6 أضعاف فقط من تسارع الجاذبيّة الأرضيّة، ولو زدنا هذا المقدار إلى 9 أضعاف سيفقد معظمُ الأشخاص وعيهم، لأن الدّم سيكون في هذه المرحلة في صراع للوصول إلى الدّماغ.

أجهزة الاستشعار المثبّتة على الصّندوق كانت هناك لمراقبة تشابك الفوتونات أثناء خضوعها لهذه الاختبارات ذات الضّغط الشّديد، وأظهرت أنّ التّزاوج الشّبحيّ حافظ على ثباته أثناء تسارعات ضئيلة جدًّا بلغت مقدار 1/1000 من تسارع الجاذبيّة وذلك في حالة السّقوط الحرّ من البرج، وكذلك أثناء تسارعات عالية جدًّا تعرّضت لها وهي متّصلة بجهاز الطّرد المركزيّ.

أظهرت نتائج التّجربتين أنّ التشابك الكموميّ لم يتّأثر بالحركة غير القصوريّة (non-inertial) خلال تحليلنا لنظام الاختبار الخاصّ بنا، أعقب الباحثون.

تمثل هذه أوّل محاولة تجريبيّة تُعرّض نظامًا كموميًّا حقيقيًّا لتسارعات شبه منعدمة وأخرى عالية جدًّا، وتُوسّع النّطاق التّجريبيّ الّذي تنسجم فيه تأثيرات الكمّ مع النّظرية النّسبيّة.

لا يشكّل هذا الإنجاز مجرّد فوزٍ للفيزيائيّين الّذين يسعون لمراقبة تأثيرات فيزياء الكمّ والفيزياء الكلاسيكيّة معًا، بل تُعتبر حقيقة أنّ الفوتونات المتشابكة حافظت على ثباتها أثناء اختبارات شديدة كهذه تعني أنّه ليس علينا أن نقلق حيال انفصالها في تجارب لاحقة خارج المختبرات الأرضيّة.

لو كان التّشابك هشًّا جدًّا، لن يكون بمقدورنا إجراء تجارب كموميّة على قمر صناعي أو سفينة فضاء تعرّضت للتّسارع، أو حتّى ضمن نطاق محدود جدًا، يقول أحد أعضاء الفريق ماتياس فينك.

الخطوة التّالية هي بذل المزيد من الجهد لاكتشاف إلى أي مقدار يمكننا زيادة حدّ التّسارع.

يكمن التّحدّي القادم في زيادة استقرار نظام الاختبار المستخدم لرفع قدرته على الصّمود خلال مستويات تسارع عالية، يقول فينك. وهذا من شأنه أن يعزّز قدرتنا على تفسير التّجربة أكثر فأكثر.

(حافظ التّشابك الكمومي على ثباته عند مقدار بلغَ 30 ضعفًا من تسارع الجاذبيّة الأرضيّة)


  • ترجمة: حمزة أيوب
  • تدقيق: ملك عفونة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر