رغم أن الثقوب السوداء تبقى مظلمة دومًا، فإنها أحيانًا تصدر دفقات قوية من الضوء من الحدود الخارجية لأفق حدثها، ولم يعرف العلم تفسيرًا لهذه الظاهرة فيما مضى.

ولكن مؤخرًا، وجد فريق من الباحثين حلًا لهذا اللغز، عبر استخدام سلسلة من الحواسيب الخارقة لبناء محاكاة للحقول المغناطيسية، بتفاصيل أوضح من أي وقت مضى. وتشير المحاكاة إلى أن سبب التوهجات الضوئية يعود إلى انفصال الحقول المغناطيسية فائقة القوة وإعادة تشكلها.

عرف العلماء منذ زمن بوجود حقول مغناطيسية قوية تحيط بالثقوب السوداء. وعادةً ما تكون جزءًا من مزيج معقد من القوى والمادة وظواهر أخرى تحيط بالثقوب السوداء.

عُرف هذا المزيج المعقد بصعوبة محاكاته، حتى باستخدام الحواسيب الخارقة الحديثة، لذا فإن محاولة فهم تفاصيل ما يحدث حول الثقوب السوداء أمر في غاية الصعوبة.

يمكن للحواسيب الأقوى التعامل مع المشكلات الحاسوبية الصعبة، وبحسب قانون مور، فقد أصبحنا نملك تلك الحواسيب الآن.

استخدم فريق البحث بقيادة الدكتور بارت ريبيردا زميل معهد فلاتيرون وجامعة برينستون، ثلاث شبكات متفرقة من الحواسيب الخارقة لإنشاء الصورة الأكثر تفصيلًا للعمليات الفيزيائية الجارية خارج أفق الحدث.

وكما هو متوقع، تلعب الحقول المغناطيسية دورًا مهمًا في هذه العمليات الفيزيائية، والأهم أنها تلعب دورًا في نشوء التوهجات الضوئية، إذ تنشأ هذه التوهجات تحديدًا عن انفصال الحقول المغناطيسية وإعادة التقائها.

تشحن الطاقة المغناطيسية المتحررة من هذه العملية الفوتونات في الوسط المحيط، وتقذف بعض هذه الفوتونات ضمن أفق الحدث، بينما يقذف الباقي إلى الفضاء الخارجي على هيئة وميض متوهج.

في محاكاة لثقب أسود، تظهر خطوط الحقل المغناطيسي باللون الأخضر.

وقد أظهرت المحاكاة عمليات انفصال ونشوء روابط بين خطوط الحقول المغناطيسية التي لم تكن مرئية بمستويات الدقة السابقة، إذ تملك صورة ريبيردا وفريقه دقة أعلى ألف مرة من أي محاكاة سابقة للثقوب السوداء.

فقد تجاهلت عمليات المحاكاة السابقة الخواص الأساسية لتفاعلات الثقوب السوداء، ولا تستطيع أدق محاكاة في العالم التعويض عن نموذج خاطئ.

منحتنا الدقة الأكبر فهمًا أعمق لما يحدث، إذ أظهرت المحاكاة الجديدة نموذجًا لكيفية عمل الحقول المغناطيسية حول أفق الحدث.

أولًا، تهاجر المادة المتجمعة في القرص التراكمي -accretion disk نحو أقطاب الثقب الأسود. ومن المؤكد أن حركة مادة مشحونة بهذه الطريقة ستؤثر في خطوط الحقل المغناطيسي التي ستحاول التحرك معها.

تسبب هذه الحركة انفصال بعض خطوط الحقل المغناطيسي وإعادة اتصالها مع خطوط مختلفة، ويتشكل في بعض الحالات تجمع من المادة معزول عن القوى الخارجية، ولكنه يُقذف في النهاية باتجاه الثقوب السوداء نفسها أو باتجاه الكون الخارجي، الأمر الذي يُحدث التوهج.

من الصعب محاكاة كل تلك العمليات، حتى باستخدام شبكة من الحواسيب الخارقة، ولكن تُنشأ المحاكاة بحيث تلائم البيانات المتوفرة بأفضل ما يمكن على كل حال.

لا يزال جمع البيانات لاختبار المحاكاة أمرًا بعيد المنال، ولكن من المؤكد أن العمل جارٍ على ذلك.

اقرأ أيضًا:

تسعة أحداث مثيرة تتعلق بالثقوب السوداء حدثت سنة 2021

قد تزداد الثقوب السوداء حجمًا مع توسع الكون

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: حسين جرود

المصدر