اكتشف فريق من العلماء أن سلسلة من التجارب باستخدام الطائرات الورقية تكشف عن تأثيرات ديناميكية هوائية جديدة. تعزز النتائج فهمنا عن مرور رحلات الطيران بسلام ويمكن أن تلهمنا لصنع أنواع جديدة من الروبوتات الطائرة والطائرات الصغيرة دون طيار.

يوضح ليف ريستروف، الأستاذ المشارك في معهد كورانت للعلوم الرياضية بجامعة نيويورك ومؤلف الدراسة المنشورة في مجلة ميكانيكا الموائع: «أشعل الفضول فتيل الدراسة، تساءلنا حينها: متى نَصف طائرةً ورقيةً بأنها جيدة وما الذي يجعلها تنساب بين جزيئات الهواء بسلاسة؟».

وأضاف: «كان سؤالًا بديهيًا في الدراسة، ولكن آل به الأمر ليتجاوز الطائرة التي يلعب بها الأطفال. لقد اكتشفنا أن الديناميكا الهوائية لحفظ مستوى الطيران في الطائرات الورقية تختلف كثيرًا عنها في الطائرات على أرض الواقع».

تضيف المؤلفة جين وانج، أستاذة الهندسة والفيزياء في جامعة كورنيل: «الطيور تحلق وتجوب السماء دونما مجهود يذكر. وبإمكان الطائرات الورقية، عندما يكون الصانع في مزاج جيد، أن تتحرك بسلاسة لمسافات طويلة». وأضافت: «من الغريب كيف لم نتوصل لنموذج رياضي مُرضٍ لشرح تلك الرحلة الشراعية البسيطة والدقيقة».

يقول الباحثون أنه نظرًا لخبرتنا فيما يتعلق بالطائرات الحديثة المعقدة، فقد يعتقد المرء أنه يعرف كل ما يمكن معرفته عن أبسط آلات الطيران. ويستطرد ريستروف: «الطائرات الورقية، على الرغم من سهولة صنعها، تنطوي على ديناميكيات هوائية معقدة وأخّاذة».

شُغل الباحثون بما يتطلبه الأمر لتتحرك الطائرة بانسيابية. إذ إنه لا يوجد محرك بالطائرات الورقية، فهي تعتمد على التصميم الملائم والجاذبية الأرضية فقط، ما يجعلها مرشحًا ممتازًا لاستكشاف السبب وراء استقرار رحلة الطيران.

لفهم هذه الظاهرة، أجرى الباحثون تجارب مختبريةً عبر إطلاق طائرات ورقية بمراكز ضغط مختلفة في الهواء الطلق. سمحت نتائج التجربة، جنبًا إلى جنب مع نتائج دراسة الصفائح المُلقاة في خزان المياه، للفريق بوضع نموذج ديناميكي جديد، ما يعد «محاكاة للطيران» قادرةً على التنبؤ بالحركة التالية في الرحلة.

ورغبةً في معرفة التصميم الأفضل، وضع الباحثون كميات مختلفةً من الشريط النحاسي الرقيق على الجزء الأمامي من الطائرات الورقية، لتنويع المناطق التي يتركز فيها الضغط. وكانت بعض الأوزان من الرصاص مضافة للصفائح الآنف ذكرها، لدعم الغرض نفسه.

يوضح ريستروف: «المعيار الأساسي لطائرة شراعية ناجحة هو أن مركز الكتلة يجب أن يكون في المكان المناسب تمامًا». وأردف: «تحقق الطائرات الورقية الجيدة ذلك عبر طي الحافة الأمامية عدة مرات أو بإضافة مشبك ورقي، ولا بأس بقليل من التجربة والخطأ هنا».

في تلك التجارب، وجد الباحثون العلاقة الوثيقة بين تحركات الطائرة ومكان تركز الكتلة. على وجه التحديد، إذا كان الوزن في مركز الجناح أو أُزيح إلى حد ما عن الوسط، فقد تجمح بعنف، وتفقد السيطرة.

أما إذا أُزيح مركز الضغط بعيدًا جدًا نحو حافة واحدة، فسرعان ما تهبط الطائرة على حين غرة إلى الأسفل وترتطم. بينما في حال كانت هناك «نقطة مثالية» لمركز الكتلة بين الوضعيتين أعلاه تكون الحركة سلسة ومستقرة.

اتبع الباحثون العمل التجريبي بنموذج رياضي، الذي كان حجر الأساس لـ«محاكاة الطيران»، وهو برنامج كمبيوتر ينسخ بفعالية تحركات الطائرة المختلفة. وساعد أيضًا على تفسير سبب اقتران السلاسة والاستقرار في الطائرة الورقية.

عندما يكون مركز الكتلة في «النقطة المثالية»، فإن القوة الديناميكية الهوائية على جناح الطائرة تدفع الجناح إلى أسفل إذا كانت الطائرة تتحرك صعودًا وإلى أعلى إذا تحركت هبوطًا.

يوضح ريستروف: «يتغير موقع التأثير الديناميكي الهوائي أو مركز الضغط بتغير زاوية الطيران لضمان استقرار الرحلة». ويشير إلى أن هذه الديناميكية لا تحدث في أجنحة الطائرات التقليدية ذات الأسطح الملساء، إذ إن بنية الأجنحة تتسق مع وظيفة توليد قوى الرفع.

يقول ريستورف: «تستأثر الطائرات الورقية بخاصية فقدتها الأجزاء التقليدية المستخدمة لصنع الأجنحة. إذ يبقى مركز الضغط فيها -أي الطائرة التقليدية- مثبتًا في مكانه مهما غيرت أوضاعها في أثناء الرحلة، ومن ثم يصبح انتقال مركز الضغط خاصيةً فريدةً تمتاز بها الأجنحة الرفيعة والمسطحة في الطائرات الورقية عن نظيراتها. وكان ذلك السر وراء الرحلات المستقرة».

وأضاف: «لهذا تحتاج طائراتنا إلى قطعة ذيل منفصلة لحفظ التوازن، فالطائرة الورقية يكفيها الجناح المركزي لتشق به عنان السماء».ويختم بقوله: «نأمل أن تفيد اكتشافاتنا في تطبيقات الطيران الصغيرة، فربما كان تصميمك المثالي نسخةً مصغرةً بلا أسطح إضافية ومستشعرات وأجهزة تحكم».

المؤلفون الآخرون للورقة هم هويلين لي، مرشحة الدكتوراه في جامعة نيويورك بشنغهاي، وتريستان جودويل، مرشح الدكتوراة في معهد كورانت قسم الرياضيات.

دُعم البحث بمِنح من مؤسسة العلوم الوطنية.

اقرأ أيضًا:

هل تستطيع الطائرة الاستمرار في الطيران إذا توقف أحد المحركات؟

ابتكار حل لمشكلة ضجيج السيارات الطائرة في المستقبل

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: نغم رابي

المصدر