قد يشعر المرء بأنه يعيش في العصر الذهبي لعلم اللقاحات، إذ تُعد لقاحات كوفيد من أكبر إنجازات هذا العلم في عصرنا. بدايةً من «هنالك مرض جديد يتفشى في أرجاء مدينة واهان يجب مراقبته جيدًا» وصولًا لأكثر من ثلاث مليارات شخص تلقوا اللقاح جزئيًا في أقل من سنتين. كما توجد أيضًا في الأفق بعض لقاحات مرض نقص المناعة المكتسبة HIV، إضافة إلى بدء تجارب لقاح الطاعون في بريطانيا. بيد أن لقاحًا جديدًا يُختبر في جامعة كولومبيا مختلف من حيث عمله: اللقاح لا يحمي من جرثومة أو فيروس بل يهاجم إدمان المواد الأفيونية تحديدًا. فبدلًا من علاج اضطرابات الإدمان باستخدام أدوية تحوي مواد أفيونية أو باستخدام العلاج لوحده، يستطيع المدمن مستقبلًا أخذ جرعة بسيطة من لقاح مؤقت يساعده على التخلص من إدمانه.

تشرح ساندرا كومر دكتورة في علم الأعصاب وباحثة أساسية هذه التجربة: «لدينا أدوية جيدة لعلاج اضطرابات الإدمان على المواد الأفيونية لكن نصف مستخدمي هذه الأدوية يعانون من انتكاس بعد 6 أشهر على بدء العلاج، أما اللقاح فيستمر تأثيره لعدة أشهر ويعطى بالمشاركة مع الأدوية، مساعدًا بذلك الأشخاص للتغلب على إدمانهم، إضافة إلى أنه يحميهم غالبًا من خطر تناول جرعة مميتة في حالة انتكاس المريض».

يستطيع المدمن مستقبلًا أخذ جرعة بسيطة من لقاح مؤقت يساعده على التخلص من إدمانه - بدء التجارب على لقاح محتمل لعلاج إدمان المواد الأفيونية في نيويورك

يعمل اللقاح كغيره من اللقاحات: إذ يحث جهاز المناعة على تشكيل أجسام مضادة، لكن بدل مهاجمة بروتين الفيروس مثل باقي اللقاحات يهاجم مادة الأوكسيكودون التي يُساء استخدامها ما يزيد عن 13 مليون أمريكي كمسكن أفيوني، فترتبط الأجسام المضادة بجزيئات الأوكسيكودون وتمنعها من عبور الحاجز الدماغي الدموي، وبالتالي لا يصل الدواء إلى الدماغ مانعًا بذلك حصول نشوة. لا نشوة يعني لا إدمان.

صرح الطبيب النفسي لجامعة كولومبيا شير جيفري أ. ليبرمان أن تطور اللقاح له تأثير كبير على الإنسانية، كما يأمل أن يكون تأثير هذا العمل الابتكاري على آفة الإدمان كبير.

حاليًا بلغ اللقاح طور (1a/1b) من مراحل التجارب السريرية، إذ يعطى العلاج لمجموعة صغيرة من المتطوعين لدراسة سلامته وفعاليته. وقد أظهر وعودًا جيدة في مرحلة ما قبل الدراسات السريرية، إذ خفف اللقاح الإدمان عند الحيوانات كما أمّن لها الحماية ضد التسمم والجرعة الزائدة. في الوقت عينه، يراقب فريق أخر في جامعة مينيسوتا عينات دم المتطوعين لفهم آلية عمل اللقاح بصورة أفضل.

لفترة طويلة، عانت الولايات المتحدة من قبضة وباء إدمان المواد الأفيونية. إذ ظهر نحو مئة ألف حالة أُسعفت نتيجة إساءة استخدام المسكنات، كما سببت الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية ما يقارب خمسون ألف حالة وفاة عام 2019 لوحده.

ما حرض الباحثين على تجربة كل شيء بدءًا من الحشيش وصولًا لزراعة أجهزة في الأدمغة من أجل التغلب على الوباء. علمًا أن هذا اللقاح المحتمل ليس الأول من نوعه الذي يستخدم ضد الوباء، لكنه أول لقاح من نوعه يصل لمرحلة التجارب السريرية في الولايات المتحدة، وفقًا للباحثين.

تظهر هنا مشكلة واحدة أو يمكن تصنيفها فائدة بحسب طريقة النظر إليها. المواد الأفيونية تختلف عن بعضها من حيث بنيتها الكيميائية، على خلاف اللقاحات التي تعمل ضد الفيروساتت. فهذا اللقاح يؤثر فقط على مادة الأوكسيكودون، إذ تحتاج المواد الأفيونية الأخرى كالهيروين والفينتانيل الذي اشتهر بتأثيره القاتل للقاحات مختلفة. مع أنها تبدو نقطة سيئة، فهي تقدم فوائد عديدة: الأدوية التي تحتوي على مواد أفيونية مثل النالوكسون الذي يستخدم لإنعاش المرضى ممن تناولوا جرعة زائدة لا يتأثر باللقاح.

ختامًا يشرح كومر أن العيادات تستطيع إعطاء لقاح الأوكسيكودون للمرضى ممن استخدموا هذا الأفيون، كما يمكن إعطاء لقاحات أفيونية أخرى لما تبقى من مواد أفيونية، وأضاف أنه يمكن للقاح الفنتانيل حماية المستجيبين الأولين ورجال الأمن والجنود عند استنشاق جرعة كارفنتنيل دون قصد، والذي يعد قاتلًا بالجرعات الصغيرة.

اقرأ أيضًا:

إدمان المواد الأفيونية

دواء نالوكسون: الاستخدامات والجرعات والتأثيرات الجانبية والتحذيرات

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: مازن النفوري

المصدر