اقترح عالم الفيزياء النظرية يوجين وينر سنة 1934 نوعًا جديدًا من البلورات. إذا كان بالإمكان المحافظة على الإلكترونات سالبة الشحنة بمستوى معين، يمكن تنظيم الجسيمات دون الذرية ضمن نمط متكرر لصنع بلورة من الإلكترونات ، عُرِفت هذه الفكرة باسم بلورة وينر.

لاحظ الباحثون بلورات وينر مخبريًا لأول مرة سنة 1979، إذ قاسوا انتقال الإلكترونات من الطور السائل إلى البلوري باستخدام الهيليوم، منذ ذلك الحين، اكتُشِفت هذه البلورات مرات عديدة.

لكن الحديث عن هذه الفكرة أسهل بكثير من تنفيذها. مع ذلك، شرح فريق من الفيزيائيين الآن طريقةً جديدة تتمثل في احتجاز هذه الإلكترونات الصغيرة المضطربة بين زوجين من طبقات التنغستن ثنائية الأبعاد، شبه الموصلة.

تتكون البلورات التقليدية -مثل بلورات الماس أو الكوارتز- من بنية من الذرات مرتبة بشكل هيكل شبكي ثابت مكرر، ثلاثي الأبعاد. وفقًا لوينر، يمكن ترتيب الإلكترونات بطريقة مماثلة لتكوين الطور البلوري الصلب، فقط في حالة استقرار الإلكترونات.

إذا كانت كثافة الإلكترونات منخفضة كفاية، تنتج قوة التنافر بين الإلكترونات ذات الشحنات المتماثلة طاقةً كامنة يُفترض أن تسيطر على طاقتها الحركية، من ثم تدفع الإلكترون نحو حالة الاستقرار، وهنا تكمن الصعوبة.

قال الفيزيائي كين فاي ماك من جامعة كورنيل: «تمثل الإلكترونات تطبيقًا لميكانيكا الكم، إذ إنها تهتز تلقائيًا طوال الوقت. تميل بلورات الإلكترون للذوبان، إذ يصعب إبقاء الإلكترونات مستقرةً في نمط دوري».

تعتمد محاولات إنشاء بلورات وينر على نوع من أنواع الاحتجاز للإلكترون، مثل المجالات المغناطيسية القوية أو الترانزستور أحادي الإلكترون. حاول علماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 2018 صنع نوع من العوازل، لكنهم أنتجوا نوعًا من بلورة وينر بدلًا من ذلك. أفسحت هذه النتائج المجال لطرح تساؤلات جديدة.

كانت المصيدة المُعَدَّة لاحتجاز الإلكترون هيكلًا من الجرافين يُسمى «النسيج فائق التموج» يتكون من شبكتين ثنائيتي الأبعاد، مركبتين إحداهما فوق الأخرى بانحراف بسيط، تُظهر أنماطًا أكثر انتظامًا.

الآن، استخدم فريق جامعة كورنيل بقيادة الفيزيائي يانغ شو نهجًا أكثر تخصصًا باستخدام النسخة الخاصة بهم من النسيج فائق التموج. إذ استخدموا ثاني كبريتيد التنغستن وديسلينيد التنغستن، المصنوع خصوصًا في جامعة كولومبيا، لصنع طبقتين من أشباه الموصلات.

أنتجت هذه الطبقات عند تراكبها نمطًا سداسيًا، ما سمح للفريق بالتحكم في متوسط إشغال الإلكترون في أي موقع محدد للتموج في النسيج.

كانت الخطوة التالية هي وضع الإلكترونات بعناية في أماكن محددة في الشبكة، باستخدام الحسابات لتحديد نسبة حيز الإشغال الذي ستتشكل فيه البلورات الناتجة من الترتيبات المختلفة للإلكترونات.

كان التحدي الأخير معرفة مدى صحة توقعاتهم، بملاحظة وجود بلورات وينر أو عدم وجودها.

قال ماك: «تحتاج فقط إلى الوصول إلى الظروف المناسبة لتكوين بلورة إلكترونية، تكون في الوقت نفسه هشة. تحتاج إلى طريقة جيدة لفحصها، دون أن تسبب اضطرابها في أثناء عملية الفحص».

حُلّت هذه المشكلة بطبقة عازلة من نيتريد البورون السداسي، إذ وُضع مستشعر بصري قريبًا جدًا من العينة دون لمسها، على مسافة نانومتر واحد فقط، مفصولًا بطبقة من نيتريد البورون. أدى هذا إلى منع الاقتران الكهربي بين المستشعر والعينة، مع الحفاظ على قُرب كافٍ للحصول على حساسية كشف عالية.

سمح هذا الترتيب للفريق بفحص العينة بسهولة، وقاموا بعملية التحقق.

تترتب الإلكترونات ضمن النسيج فائق التموج بأشكال بلورية مختلفة، متضمنةً بلورات وينر المثلثة والمراحل الشريطية والثنائيات.

لا يقتصر تأثير هذا الإنجاز على دراسة بلورات الإلكترون ، إذ أوضحت النتائج الإمكانات غير المستغلة لشبكات النسيج فائق التموج في أبحاث فيزياء الكم.

كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «تضع دراستنا حجر الأساس لاستخدام شبكات النسيج فائق التموج لمحاكاة العديد من مشكلات الأجسام الكمومية المتعددة، التي وصفها نموذج هوبارد الممتد ثنائي الأبعاد أو نماذج الدوران ذات الشحنات بعيدة المدى والتفاعلات المتبادلة».

اقرأ أيضًا:

تحكم بأجهزتك الالكترونية عن طريق جلدك

كيف يمكن التحكم ب الالكترونات في الزمان و المكان ؟

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر