قد يرد في أذهاننا بعد قضاء العطلة الصيفية مع الأقارب السؤال الآتي: كيف يمكن أن تجمعنا صلة قرابة مع أشخاص لا نمتلك صفات أو اهتمامات مشتركة معهم؟

لكن من منظور تطوري فكلنا لنا سلف مشترك في زمنٍ ما، ويعني هذا أن بقايا تطورية والعديد من الميزات والبنى في أجسادنا تعود جذورها إلى آلاف السنين أو حتى ملايين السنين في شجرة عائلة الحياة العظيمة.

يشير مصطلح التنادد في علم الأحياء إلى وجود تشابه بنيوي بين كائنين ناجم عن الانحدار من سلف مشترك، نذكر من أمثلته التشابه بين يد الإنسان وجناح الخفاش، وزعنفة الحوت. إذ تملك كل واحدة منها وظيفةً متخصصةً مختلفةً، لكنها تتشابه في مخطط العظام البنيوي.

يختلف التنادد عن التناظر، أو التشابه الوظيفي، مثل التشابه بين أجنحة الحشرات، والطيور. إذ إن أجنحة اليعسوب مثلًا نشأت بصورة مستقلة عن أجنحة الببغاء، ولا تمتلكان أصلًا تطوريًا مشتركًا، مع أنهما تؤديان الوظيفة نفسها.

نورد في هذا المقال خمس أمثلة عن سمات قديمة، وبقايا تطورية قد يتفاجأ البعض لمعرفتهم أنها استمرت مع البشر حتى هذه اللحظة.

الخطوة الأولى:

ما الذي يجعلنا بشرًا؟

راود هذا السؤال الباحثين لقرون. قد يكون سهلًا اليوم تمييز الكائن إن كان بشريًا أم لا، لكن الإجابة تزداد تعقيدًا عند البحث في سجل الأحفوريات.

هل بدأت البشرية لدى أجداد جنسنا الحالي الإنسان العاقل Homo sapiens قبل 300 ألف سنة؟ أم ينبغي أن نعود 3 ملايين سنة وصولًا إلى أسلافنا من أقران لوسي Lucy من جنس أسترالوبيثيكوس أفارنيسيس Australopithecus afarensis، التي استوطنت شرق أفريقيا؟ أم يجب أن نغوص أعمق من ذلك وصولًا إلى نقطة افتراقنا عن القردة الرئيسية الأخرى؟

مهما تكن الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن المرحلة التي تحول فيها المشي على قدمين إلى أمر اعتيادي، كانت إحدى أكبر «خطوات» أسلافنا التطورية. فقد تأثر تقريبًا كل جزء من هيكلنا العظمي عند التحول من المشي على أربع قوائم، إلى المشي على قدمين. وطالت التكيفات حجم عظام القدم، وطريقة اصطفافها، إضافةً إلى عظام الورك والركبة، والساق، والعمود الفقري. نضيف أيضًا أن حجم أدمغتنا ازداد بسرعة بعد أن بدأنا نقف منتصبين.

تطلبت هذه العملية أيضًا حدوث تغيرات في عظام الحوض كي تتسع قناة الولادة لرؤوس الأطفال التي لم تنفك حينها تزداد حجمًا. لذا يعد الحوض المتسع بقايا تطورية ومثالًا عن التنادد وميزةً متشابهةً بنيويًا يتشاركها بشر اليوم مع سلالات عدة من الأحافير البشرية القديمة.

أدت أدمغتنا الكبيرة بعد ذلك إلى انفجار في الفن، واللغة، والثقافة التي تشكل جانبًا أساسيًا من الإجابة عن سؤال «ما الذي يجعلنا بشرًا؟».

ثقب في الرأس:

يوجد في في الجمجمة فتحات كبيرة تُعرف باسم النوافذ، إضافةً إلى محجري العينين.

توجد نافذة مفردة في كل جانب من جانبي الجمجمة البشرية، هي بقايا تطورية نتشاركها مع أسلافنا المشتركين العائدين لما قبل 300 مليون عام. وتُعرف الحيوانات التي تمتلك نافذةً واحدةً في جمجمتها باسم Synapids التي تعني باللاتينية القوس المُدمج، وتشير إلى القوس الأعظم المتوضع أسفل فتحتي الجمجمة خلف كل عين.

تنتمي جميع الثدييات اليوم بما فيها البشر إلى هذه المجموعة على خلاف الزواحف والطيور. وأحد الأمثلة البارزة عليها من عصور ما قبل التاريخ الديميترودون Dimetrodon؛ وهو زاحف مزود بشراع على ظهره. يخطئ الباحثون كثيرًا في التعرف عليه، ويصنفونه خطأً مع الديناصورات، غير أن أطرافه الممدودة، ونافذته الصدغية الوحيدة تفرزه إلى أسلافنا من مجموعة تُسمى أحيانًا «الزواحف الشبيهة بالثدييات»، لكن التسمية الأدق هي Synapids.

عشرة أصابع في اليدين والقدمين:

يُسمى نمط توزع الأصابع في أقدامنا وأيدينا بالنمط خماسي الأصابع. ويوجد لدى معظم البرمائيات والزواحف والطيور والثدييات. لكن الأسماك ليس لها أصابع.

إذن فالأصابع بقايا تطورية، ولكن متى تطورت؟

وصف الباحثون مؤخرًا عثورهم على أقدم الأصابع في زعنفة سمكة سُميت Elipistostege، عُثر عليها في منطقة كوينباك في كندا يصل عمرها إلى 380 مليون عام.
ومن المثير للدهشة إلى حد ما، أن أول سمكة طورت أصابع ظلت محتفظةً بأشعة الزعانف حولها، أي أن الأصابع لم تكن مرئيةً عند النظر إليها من الخارج.

فيما امتلكت أقدم رباعيات الأرجل المُكتشفة عددًا مختلفًا من الأصابع، ستةً أو سبعةً أو ثمانيةً. وهي حيوانات تملك عمودًا فقريًا، وأربعة أطراف؛ انتقلت في النهاية من الحياة في البحر إلى البر.

لقد تطورت الأطراف خماسية الأصابع لدى رباعيات الأرجل على الأرجح لتكون حلًا عمليًا من أجل تحمل الوزن على الأرض. ولم تنتقل رباعيات الأرجل الأولى إلى الحياة البرية فعليًا على الأرجح، حتى طورت الأصابع الخمسة في نهاية أطرافها.

تاريخ الأسنان:

كم عمر الأسنان تطوريًا؟

وصف فريق من علماء الحفريات عام 2022 أسنانًا لأسماك أحفورية معزولة، وُجدت في صخور تعود إلى العصر السيلوري في مقاطعة غويتشو في الصين. لقد دفع هذا الاكتشاف الرائع تقديرنا لعمر الأسنان 14 مليون سنة إلى الوراء، لتصبح الإجابة حاليًا 439 مليون سنة.

سُميت السمكة باسم Sianodus duplicisand؛ وهي من أقدم الفقاريات ذات الفك. يمكن تمييزها فقط بواسطة أسنانها المتخصصة المعزولة المعروفة باسم “الدُوّارة”؛ وهي مجموعة من الأسنان تصطف بشكل حلزوني غريب. نذكر من الكائنات التي تمتلك منها قرش المنشار اللولبي، أو الهيليكوكريون.

وعلى الرغم من غرابة أسنانها، تمتلك سمكتنا ذات الفك ميزات نجدها لدى الفقاريات الحديثة ذات الفك، ما يوحي بأهميتها لفهم تطور أسنان البشر.

تطور العمود الفقري:

العمود الفقري بقايا تطورية، إذ طورت الحيوانات الشبيهة بالديدان أولًا الحبل الظهري؛ وهو قضيب مكون من غضاريف تمتد على طول الجزء الخلفي من الجسم، مكنها من ربط الكتل العضلية المختلفة ببعضها، إضافةً إلى الذيل الطويل الممتد متجاوزًا الشرج.

تُسمى الحيوانات التي تملك حبلًا ظهريًا بالحبليات، وتتضمن جميع الكائنات بدءًا من الكيسيات، أو الزقيات البحرية وصولًا إلى طيور النورس، شاملةً بذلك أكثر من 65 ألف نوع حي.

ولتكوين فكرة عن الحبليات الأولى يمكننا أن نتأمل السهيمات (المعروفة باسم Amphioxus، أو Branchiostoma) التي تبدو مثل أسماك صغيرة بدائية من دون زعانف، تسبح بطريقة ليّ أجسادها من جهة إلى أخرى. ثم ننتقل إلى الحيوانات التي تملك رأسًا منتظمًا (القحفيات)، أو التي استبدلت بحبلها الظهري عمودًا فقريًا بعد البلوغ (الفقاريات).

يتكون العمود الفقري من عظام مفردة مجزأة هي الفقرات، التي تتوضع سويةً بنمط متشابك محدد. إلا أننا نملك اليوم عددًا من الأحفوريات المحيرة تعود أعمارها إلى 500 مليون سنة مضت، تزودنا بأقدم الأمثلة المعروفة عن الفقاريات مثل الميتاسبريجينيا المُكتشفة في كندا والهايكوكثيس المكتشفة في الصين.

نتشارك نحن البشر العديد من السمات وبقايا تطورية في أجسامنا، تعود أصولها إلى قديم الزمان، سواء أكانت أدمغتنا الكبيرة، وحوضنا المتوسع نتيجة المشي منتصبين، أم الجمجمة ذات الثقب الوحيد، والقوس العظمي وصولًا إلى أصابع اليدين والقدمين، والأسنان، والعمود الفقري.

ختامًا لا يسعنا سوى القول: نحن متشابهون أكثر من كوننا مختلفين.

اقرأ أيضًا:

هومو إريكتوس: الإنسان المنتصب

مخلوق مائي غريب قد يكون أقدم سلف معروف لجميع الفقاريات

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر