لكن ما زلنا لا نعلم الحقيقة الكاملة..

أُطلق عليهم المصطلح الفرنسي هوبنهين (Hoabinhain): وهم مجتمع قديم مكون من تجمعات للصيادين الذين استوطنوا جنوب شرق آسيا لأكثر من أربعين ألف عام حتى انتشرت الزراعة منذ 4 آلاف عام تقريبًا.

وعندما وجدت المزارع، اختفت كل الطرق القديمة لهؤلاء الصيادين في غياهب التاريخ إلى الأبد، لكن هذا لا يوضح كيفية اقتراب نهاية عصرهم على الأرض.

فهل السبب أن الهوبنهين تبنوا الزراعة؟ أم أن موجةً من المزارعين المهاجرين من الصين قد اجتاحوا تقاليد وعادات هذه المجتمعات؟

كل من الفرضيتين الطويلتين لا تعكس الحقيقة الكاملة، طبقًا لدراسة دولية جديدة قادها عالم الجينات التطوريّة إزك ويليرسليف Eske Willerslev في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة.

ويقول أحد الباحثين في علم الجينات الوراثية القديمة من جامعة كوبنهاغن من الدنمارك: «إن بحثنا الذي يمتد من الهوبنهين إلى العصر الحديدي وجد أن سكان شرق آسيا الحاليين ينحدرون من أربع مجموعات سكانيّة قديمة».

وأضاف «هذا نموذج أكثر تعقيدًا مما نعتقد بشكل كبير».

استخلص الباحثون في بحثهم الحمض النووي من بقايا الجماجم البشريّة التي وجدوها في ماليزيا، تايلاند، الفلبين، فيتنام، اندونيسيا، لاوس، واليابان والتي تعود تاريخيًا لأكثر من ثمانية ألف عام.

وبوجه عام تمت دراسة 26 تسلسلًا للجينوم البشري، 25 منهم كانوا من بلاد جنوب شرق آسيا وواحد من اليابان، ثم قورنوا بالحمض النووي للسكان الذين يعيشون حاليًا في جنوب شرق آسيا.

وعليه فقد اقترحت النتائج أن توطيد الزراعة وهجرة الناس من وإلى شرق آسيا، كان أكثر قبولًا من التفسيرات الأخرى على الإطلاق.

ودوّن الفريق في الدراسة أن التفسيرات البسيطة لا تتلاءم مع التعقيد الكبير في تاريخ جنوب شرق آسيا، فكلا الهوبنهين الصيادين والمزارعين من شرق آسيا قد ساهما في التنوع الحالي في تلك المنطقة بسبب الهجرات المتكررة التي أثرت على الجزر في جنوب شرق آسيا وفيتنام.

وفي دراسة منفصلة قام بها باحثون من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة استخدمت تحليل الحمض النووي للتأكد من كيفيّة تأثير الهجرات الكبيرة والمتكررة على التركيب الجيني للسكان في جنوب شرق آسيا على مدار الخمسين ألف عام الماضية.

لا تنهي تلك النتائج الخلافات طويلة الأمد القائمة في دراسة عصور ما قبل التاريخ لجنوب شرق آسيا فقط، لكنها تُنير الطريق لعلم الجينات التطوّري في هذا الجزء من العالم، فهذه المنطقة غير مناسبة لحماية الحمض النووي DNA من التلف بسبب الأضرار الناجمة عن المناخ الحار والرطب.

يقول ويلير سليف: «لقد بذلنا جهدًا عظيمًا في استعادة الحمض النووي القديم من جنوب شرق آسيا ذي المناخ الاستوائي والذي يمكن أن يُضيء طريقًا جديدًا لدراسة الجينات البشريّة في تلك المنطقة».

ويُضيف: «حقيقة أننا استطعنا الحصول على ستة وعشرين جينومًا بشريًا وإلقاء الضوء على الثراء الجيني المُدهش في تلك المنطقة بالذات هو أمر لا يُصدق اليوم».


  • ترجمة: محمد غازي
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر