يتألف الغلاف الجوي المحيط بكوكبنا من عدة طبقاتٍ غازية تحمي وتحافظ على شتى أنواع الحياة الموجودة على سطح الأرض. إلا أن تأثيرنا السلبي على هذا الغطاء يزيد، ما يؤدي إلى تقلص طبقاته، خاصةً طبقة الستراتوسفير.

وتصديقًا لذلك، أكدت دراسةٌ أُجريت بأن سماكة طبقة الستراتوسفير قد تقلصت منذ 1982 قرابة 400 متر. وسلطت هذه الدراسة الضوء على التقلص بشكلٍ أوسع مما أُجريت به الدراسات السابقة.

صرح خوان أنيل، الباحث في جامعة فيغو قائلًا: «البيانات كانت صادمةً، إذ أثبتت أن تأثيرنا يصل إلى ما يعادل 60 كيلومتر في غلافنا الجوي».

تقع الستراتوسفير على علوٍ يصل إلى 20-60 كيلومترًا، مباشرةً فوق طبقة التروبوسفير، التي نعيش فيها.

فقط تحلق الطيور العريضة مع وجود عدد قليل من الغيوم في هذا العلو. والجدير بالذكر بأن الستراتوسفير تضم طبقة الأوزون التي تأذت بنسبةٍ عالية بسبب انبعاثات غازات الكلوروفلوروكربون (C-F-Cs).

ومع وجود فجوةٍ في طبقة الأوزون الموازية للقارة القطبية الجنوبية، زادت الجهود العالمية في محاولةٍ لتقليص انبعاثات (C-F-Cs)، إلا أن تأثير هذه الانبعاثات مع الغازات الدفيئة ما يزال يؤثر على الغلاف.

يحاول الفيزيائي بيتر بيسوفت -من جامعة شارلز- وفريقه، فهم سبب تقلص طبقة الستراتوسفير، إذ يعتقد بيسوفت أن سبب التقلص يعود إلى تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، بعكس ما اقترحته دراساتٌ سابقة ربطت تقلص الأخير في تبدد طبقة الأوزون.

ويلجأ الفريق إلى بيانات أقمارٍ صناعية تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي في محاولةٍ لإثبات الأطروحة.

وأوضح الفريق في الورقة البحثية بعض التفاصيل: «يقترح فريقنا أن تقلص الطبقة لا يعود فقط إلى تأثير ثاني أكسيد الكربون، بل أيضًا إلى تغير مستوى الضغط بين التربوبوز والستراتوبوز».

يؤدي احتباس الغازات الدفيئة في التروبوسفير إلى توسعها، ما يسبب تقلص الستراتوسفير التي تقع فوقها. إضافةً إلى ذلك، تتعرض غازات الستراتوسفير إلى التبريد والتكاثف بفعل ثاني أكسيد الكربون، مؤديًا إلى تقلص الطبقة أيضًا.

ويعتقد خوان أنيل أن التغير المناخي المرتقب حدوثه سيؤثر سلبًا على الستراتوسفير، إذ سيؤدي إلى تقلص سماكتها بنسبة 4% (أي 1.3 كم/0.8 ميلًا) وصولًا إلى عام 2080.

صورة لطبقات الغلاف الجوي التقطت من محطة الفضاء الدولية: اللون الأحمر يمثل التروبوسفير، والأزرق يمثل الستراتوسفير.

صورة لطبقات الغلاف الجوي التقطت من محطة الفضاء الدولية: اللون الأحمر يمثل التروبوسفير، والأزرق يمثل الستراتوسفير.

يتمثل الدور الستراتوسفير بحمايتنا من الأشعة ما فوق البنفسجية (الموجات ذات طول أقل من 300 نانومتر)، إذ تُمتص وتُستنفد من طبقة الأوزون الموجودة داخل الستراتوسفير.

ترتفع حرارة غازات الستراتوسفير مع ازدياد العلو في الطبقة (بعكس التروبوسفير). يحافظ هذا الازدياد على استقرار الطبقة، ما يمنح الطائرات منفذًا في حال صعوبة الطقس في الطبقات السفلية. إلا أن استقرار هذه الغازات يؤدي إلى تكاثف وبقاء المواد الكيميائية عند وصولها للستراتوسفير.

يحذر بيسوفت من توسع نطاق تأثر تقلص الستراتوسفير ، ما قد يهدد الأقمار الصناعية وأنظمة الراديو ونظام التموضع العالمي (GPS)، وقد يؤدي التقلص أيضًا إلى التأثير على ديناميكية الطبقة وإمكانية امتصاصها للأشعة ما فوق البنفسجية.

الجدير بالذكر أن تأثير التقلص ما يزال غامضًا نسبيًا للعلماء، إذ عليهم إجراء دراسات كثيرة لفهم تفاصيل التقلص وتأثيره على وجودنا.

تعد هذه الدراسة اكتشافًا جديدًا في مواجهة التغير المناخي وأثره في العالم بأكمله. ومن جهةٍ أخرى، كشفت دراسةٌ جديدة عن تأثير ذوبان الجبال الجليدية على جاذبية ووزن الأرض وتوزعهما، ما أدى إلى تغيرٍ في محور الأرض.

علق باول ويليامز، الباحث في جامعة ريدينغ، على هذه الاكتشافات قائلًا: «من الرائع أننا لا زلنا نجد تاُثيراتٍ جديدة للتغير المناخي بعد سنين من الأبحاث». ويستطرد باول قائلًا أن هذه الاكتشافات تجعله يتساءل عن كمية وسعة التأثير التي تسببه انبعاثات الغازات الملوثة التي نصنعها.

اقرأ أيضًا:

التحذير من حدث احتراري وشيك في طبقة الستراتوسفير حول القطب الشمالي

يشكل ثاني أكسيد الكربون 0.04% من الغلاف الجوي للأرض، وهذا سبب تأثيره الكبير

المترجم: محمد علي مسلماني

تدقيق: محمد أبو دف

المصدر