في الأشهر القليلة التي مضت حدثت عدة أحداث منها، مذبحة أورلاندو، قتل رجل أسود من قبل رجال شرطة، هجوم القناص في دالاس، الهجوم في اليوم الوطني الفرنسي، الانقلاب العسكري العنيف في تركيا، وإطلاق النار في باتون روج في لويسانيا، وهجومي فوتسبورغ وميونخ.

قد لا يكون العديد منا قد تأثر تأثرًا مباشرًا بتلك الأحداث، التي شاهدناها في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي.

فمشاهدة أحداث عنف كهذه تستطيع أن تسبب لنا خسائر حادة حتى لو لم تُؤثِر مباشرةً علينا أو على أصدقائنا وأحبائنا.

بشكل مفاجئ، بدأ الباحثون باكتشاف أن تأثير تلك الأحداث على الأطفال الصغار-وخصوصًا الموهوبين منهم-يمكن أن يكون أسوأ.

تأثير العنف على الأطفال والبالغين

وضحت مجموعة كبيرة من الأبحاث العلاقة بين التعرض إلى وسائل الإعلام العنيفة وبين التصرفات العدوانية عبر عدة دول وحضارات.

ووجد الباحثون اختلافًا بين ردود أفعال البالغين وبين ردود أفعال الأطفال.

فالتأثير قصير المدى كان أكبر عند البالغين، في حين كان التأثير طويل المدى أكبر عند الأطفال.

وربطت الأبحاث-على وجه التحديد-بين الأطفال الذين تعرضوا لوسائل إعلام عنيفة مثل تلك التي نراها حاليًا وبين مشاعر الخوف والقلق. وناقش العلماء كيف أن مشاهدة مشاهد العنف تضر بصحة الأطفال العقلية.

على أية حال، يتفاوت هذا التأثير. فالباحثون يدرسون الأطفال الموهوبين والعنف.

وعلى الرغم من تفاوت تعريفات “الموهوبين”، فإنهم بشكل عام يستطيعون تعريف الأطفال الموهوبون على أنهم: الأطفال الحاصلين على درجات عالية في اختبارات موحدة لقياس الذكاء العام.

وعلى هذا التعريف، يميل الأطفال الموهوبون إلى امتلاك العديد من المميزات.

مثلًا: الذكاء العالي الذي يرتبط بزيادة الإنجازات والمحفزات، قوة الذاكرة، توفر حس أخلاقي العالي، ويطور أيضًا المهارات الاجتماعية، حس الدعابة، الإنجازات التربوية والمهنية، القدرة على القيادة وحتى الإبداع.

ويرتبط الذكاء العالي أيضًا بانخفاض التصرفات الاندفاعية واللامبالاة وتخفيف نسبة الجريمة.

وعلى أية حال، أظهرت الأبحاث أن زيادة نسبة الذكاء مرتبط بزيادة الحساسية العاطفية.

مما دفع العلماء الذين يدرسون الأطفال الموهوبين إلى القول أنه بسبب هذا الارتباط؛ الذكاء العالي ليس بالضرورة أن يكون ميزة من جميع النواحي.

دراسة تأثير العنف على الأطفال الموهوبين

لكن ما هي الأشياء التي قد تؤثر أكثر على الأطفال الموهوبين؟ أحد العوامل التي قد تلعب دورًا هو العنف – حتى العنف المتمثل في أشياءٍ قد تبدو غير ضارة مثل رسوم الكارتون.

بالتعاون مع جنكيز آلتاي، طالب الدكتوراه في جامعة الفاتح، اختبرنا 74 طفلًا “موهوبًا” و70 طفلًا تركيًا آخر “أقل موهبة” أو يملك مستوى ذكاء أقل نسبيًا.

فكل من حقق نسبة 130 درجة أو أعلى (أعلى اثنين بالمئة من الناس) على مقياس الذكاء يصنف من الموهوبين.

(تمتلك المدرسة التي جاء منها الطلبة وحدة خاصة لرعاية الموهوبين وتفرز طلابها فرزًا أوليًا بحسب مستوى ذكائهم).

أجريت الدراسة عام 2015 ولمدة نصف عام.

وكانت خلال وقت الدراسة، كان عمر هؤلاء الأطفال عشر سنوات.

وقام الباحثون باختبار ما إذا كان التعرض لوسائل إعلام تحتوي على مشاهد عنيفة مقارنة بوسائل إعلام لا تحتويها يؤثر على القدرة اللفظية للطفل.

ليتمكنوا من فعل ذلك، قاموا بطلب بالخضوع لاختبار لفظي من جميع الطلاب قبل وبعد مشاهدة فيديو.

في كِلا الاختبارين طُلِب من المشاركين تكوين أكبر قدر ممكن من الكلمات من مجموعة أحرف أمامهم.

قُسِمت أكثر الأحرف شيوعًا في الأبجدية التركية بشكل عشوائي إلى مجموعتين قبل الفيديو وبعده.

قبل الفيديو، طُلِب من المشاركين توليد كلمات تبدأ بالأحرف {A, L, M, S, C, E, B , H}. وبعد الفيديو طُلِب منهم توليد كلمات تبدأ بالأحرف {I, D, N, O, F, K, T}
بين الاختبارين كلتا المجموعتين–(الموهوبون والأقل موهبة)- والذيت تم اختيارهم عشوائيًا لمشاهدة إما كرتونًا غير عنيف أو كرتونًا عنيفًا واخترنا برنامجين كرتونيين منتشرين بين الأطفال.

أحد البرامج كان “باكوغان معركة الشجعان” سلسلة من الحلقات تحتوي على مشاهد عنف في المعركة، والآخر هو “آرثر” قصة تدور حول المشاكل العديدة بين الأصدقاء والعائلة وبين فتًى صغير يدعى آرثر. وهذه السلسلة لا تحتوي على أية مشاهد عنف على الشاشة.

ماذا أظهرت النتائج التي حصلنا عليها؟

أظهر البحث، الذي نُشِر مؤخرًا في Gifted Child Quarterly، والتي هي مجلة تهتم بدراسة الموهبة، أن قدرات الأطفال بشكلٍ عام والأطفال الموهوبين بشكلٍ خاص قد تتأثر سلبًا عند التعرض لمشاهد عنف.

وجد أن الأطفال الموهوبون قد ولّدوا كلماتٍ أكثر من الأطفال الآخرين عندما طلبنا منهم ذلك قبل مشاهدة الفيديو.

على أية حال، الأطفال الموهوبون الذين شاهدوا الفيديو الذي يحتوي مشاهد عنف ولّدوا كلماتٍ أقل من مجموعة الطلاب الأقل موهبة بعد مشاهدة الفيديو.

العكس بالعكس، حين شاهد الأطفال الموهوبون الكرتون الذي لا يحتوي على عنف أدائهم كان أفضل من أقرانهم قبل وبعد الفيديو.

فربما كان العنف هو من حجّم مقدرة الأطفال الموهوبين العقلية بدلًا من مجرد المشاهدة لفيديو الكرتون.

وعمومًا، فقد انخفض أداء جميع الأطفال المشاركين بعد مشاهدة العنف، لكن الموهوبين أبدوا انخفاضًا أكبر بشكل ملحوظ.

هل الأطفال الموهوبون أكثر حساسية؟

هناك اعتقادٌ راسخ بأن الأطفال الموهوبين لا يحتاجون إلى مساعدة وأنهم سيكونون بخيرٍ لوحدهم.

يكون في الغالب سبب هذه النظرة، التجارب التي تظهر أن الطلاب الموهوبين ينتهي بهم الحال إلى تحقيق نجاحات لاحقًا في حياتهم.

العلماء، على أية حال، يعتقدون أن الخرافة القائلة بأن الأطفال الموهوبين لا يواجهون مشاكلًا وتحديات غير صحيحة.

فالدراسة هذه أضافت دليلًا إلى الأدلة السابقة التي تقول أن الأطفال الموهوبين لديهم عيوب وتحديات، بالأخص عند مشاهدة العنف على التلفاز.

فالعنف في وسائل التواصل يؤثر على الأطفال بشكل عام، لكن الدراسة أظهرت تأثيره السلبي الأكبر على الأطفال الذين يتمتعون بدرجات ذكاء أعلى.

للتو فقط بدأ العلماء بالبحث عن الأسباب لهذه النتائج المفاجئة.

ربما يكون ذلك نتيجةً للحساسية الشديدة لمجموعة الطلاب الموهوبين مما جعلهم يتفاعلون بشكل أكبر مع التوتر في وسائل الإعلام العنيفة.

وربما يكون التعرض لوسائل إعلام كهذه تخفض سعة ذاكرتهم، تشتت انتباههم للمهام العقلية وتقلل من أدائهم فيها.

و في هذه الدراسة على وجه الخصوص، اعتبر الأطفال أن الكرتون كان أكثر عنفًا، وكان إعجابهم به أقل من إعجاب الأطفال الآخرين فهم لذلك لم يكونوا من المشاهدين لمثل هذه الفيديوهات.

أضرار مشاهدة العنف على الأطفال

هذه البحوث وجدت تطبيقات للآباء، التربويين وصناع القرار الذين ينبغي عليهم أن يدركوا الآثار السلبية للمشاهد العنيفة التي تعرض على الشاشة على الأطفال، وبالأخص الموهوبين منهم.

فالتأثير العنيف للفيديو على القدرة اللفظية للأطفال قد يكون مهم جدًا مع العلم بالطبيعة اللغوية للمدارس.

هناك عبارة متعلقة يمكن اقتباسها من الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، جنبًا إلى جنب مع الاهتمام بـ “حمية وسائل الإعلام” وهي «ينبغي على الآباء أن يكونوا منتبهين لما يشاهد أبناؤهم وأي ألعاب يلعبون.»

وحذّر خبراء آخرون من عنف المشاهد على الشاشة، سواءً كان حقيقي أو خيالي، لأنه قد يؤدي إلى كوابيس، واضطرابات في النوم كما وزيادة التوتر.

إن النتائج التي توصل إليها الباحثون دعمت هذا الدليل السابق.

بشكل عام، فالعنف المصور في الفيديوهات التي تم عرضها على الأطفال كان أقل بكثير مقارنةً بالعنف الذي يتعرض إليه الأطفال عادةً، كما في الأخبار.

لذا هنالك إحتمالية أن هذه الدراسة قد قللت من تقدير تأثير وسائل الإعلام العنيفة على الأداء العقلي للطفل.

و في نهاية الأمر فإن تطوير التعليم المثالي لا يقتصر فقط على زيادة المؤثرات الإيجابية، لكنه يتضمن أيضًا تخفيف وإزالة المؤثرات السلبية.

عوامل خطر كهذه قد تكون أكبر لطالب موهوب خصوصًا هؤلاء الذين يعيشون في حي تكثر فيه معدلات الجرائم، مما يساند ويساهم بزيادة تدني التحصيل الدراسي والعملي في نهاية المطاف.

ومع صعود الأجهزة الرقمية، أصبح من الصعب التحكم بالعنف الذي يُعرَّض له الطفل.

على أي حال، يجب الانتباه أكثر إلى حِمية من وسائل الإعلام العنيفة التي قد تزيد من المستوى الدراسي إذا واظب عليها الطفل فترة من الزمن.


  • المترجم: عبدالله الصباغ
  • المدقق: روان نبيل
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر