يبلغ مردود ألعاب الفيديو في يومنا هذا 100 مليار دولار من إجمالي دخل اقتصاد الصناعة العالمية. وتتخذ ما يقارب ثلثي العائلات في أمريكا ألعاب الفيديو وسيلةً ترفيهية دائمة، وهو أمر شائع بدأ منذ عقود. وتشمل عدة منصات تحكم ابتداءً من أنظمة آركيد إلى المنصات المنزلية مرورًا بالمنصات المحمولة وأجهزة الهواتف النقالة. تستحوذ هذه الألعاب على الحصة الأكبر من التطور في تكنولوجيا الحاسوب.

بدايات ألعاب الفيديو:

مع توفر ألعاب الفيديو المنزلية اليوم في مختلف بقاع العالم، كانت بداياتها في أروقة مخابر العلماء. سنة 1952 مثلًا اخترع البروفيسور البريطاني أ. س. وغلاس لعبة «إكس أو» أو «تيك تاك تو»، التي كانت جزءًا من أطروحته لنيل الدكتوراه من جامعة كامبريدج. سنة 1958 ابتكر ويليام هيغنيبوثم لعبة «تنس فور تو» على حاسوب تماثلي كبير متصل بشاشة لعرض الذبذبات، في المعرض السنوي للزوار بمختبر بروكهافن الوطني في آبتون، نيويورك.

واخترع ستيف رسل في معهد ماساتشوستس للتقنية عام 1962 لعبة «سبيس وور»، أول لعبة فيديو مخصصة باستخدام الكمبيوتر مع معالج بيانات مبرمج «بي دي بي»، ثم طُبقت على حاسوب متطور في الجامعة. وكانت أول لعبة إلكترونية تُلعب على عدة أجهزة حاسوب.

بزوغ منصات تحكم الألعاب المنزلية:

سنة 1967 ابتكر مطورو شركة «ساندرز» بقيادة رالف باير نظام ألعاب فيديو تجريبيًا متعدد اللاعبين متعدد البرامج، يمكن توصيله بشاشة التلفاز. سُمي هذا النظام «براون بوكس». رخّص باير، الذي يُسمى «الأب الروحي لألعاب الفيديو»، هذا الجهاز لصالح شركة «ماغنافوكس»، التي عرضته للبيع للمستهلكين تحت اسم «أوديسي»، أول منصة ألعاب منزلية عام 1972. على مدار السنوات التالية بدأت هذه المنصة البدائية بالزوال بسبب إخفاقها تجاريًا.

مع هذا ألهمت إحدى ألعاب منصة أوديسي شركة «أتاري» لإنتاج فكرة جديدة أطلقت عليها اسم «بونغ»، أول لعبة فيديو تتبع نظام آركيد طرحتها الشركة عام 1972، ثم أصدرت نسخة منزلية منها حققت نفس النجاح الذي حصدته سابقتها.

لاحقًا، تعاونت شركة ماغنافوكس مع شركة ساندرز لمقاضاة أتاري للمساس بحقوق ملكيتها. وبعد استقرار أتاري واستحواذها على ترخيص أوديسي عشرين عامًا تالية، تابعت ماغنافوكس دعاويها القضائية لتربح أكثر من 100 مليون دولار تعويضًا لحقوق الملكية وبراءة الاختراع.

أصدرت شركة أتاري عام 1977 «أتاري 2600»، ألعاب فيديو ذات نظام حاسوبي. وهي منصة ألعاب منزلية تستخدم أذرع تحكم وأشرطة قابلة للتبديل في ألعاب متعددة الألوان، ما أقصى الجيل الثاني من ألعاب الفيديو.

تضمن تاريخ ألعاب الفيديو بعض الإنجازات الكبيرة في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات منها:

  •  إطلاق لعبة «سبيس إنفيدرز» عام 1978.
  •  انطلاق شركة «أكتيفجن»، أول مطور طرف ثالث لألعاب الفيديو، التي طورت بعض البرمجيات دون الحاجة إلى وحدات التحكم في المنصات أو نظام آركيد.
  •  دخول لعبة «باك مان» اليابانية واسعة الشهرة أسواق الولايات المتحدة.
  •  ابتكار لعبة «دونكي كون» التي أصدرتها شركة «نينتندو»، التي عرفت العالم بشخصية ماريو.
  •  إطلاق شركة «مايكروسوفت» أول لعبة لمحاكاة الطيران باسم «فلايت سيميوليتر».

تدهور شركات ألعاب الفيديو:

واجهت الصناعة الأمريكية لألعاب الفيديو سنة 1983 تدهورًا هائلًا، لعدة عوامل منها التشبع المفرط بمنصات الألعاب المنزلية والتنافس في مواجهة ألعاب الحاسوب، إضافةً إلى تدفق ألعاب رخيصة الجودة مثل لعبة «إي تي» الرديئة، وهي لعبة من شركة أتاري مستوحاة من الفيلم الشهير وتُعد من أسوأ الألعاب على الإطلاق.

استمر هذا التدهور عامين وأدى إلى إفلاس الكثير من شركات تصنيع الحواسيب المنزلية وشركات منصات ألعاب الفيديو. بدأت صناعة ألعاب الفيديو المنزلية تزدهر مجددًا عام 1985 عندما وصلت شركة «نينتندو» أو «إن إي إس» إلى الولايات المتحدة، وتُعرف هذه الشركة باسم «فاميكوم» في اليابان. طورت شركة «إن إي إس» الرسوم والألوان ونظام الصوت وطريقة اللعب مقارنةً بالمنصات السابقة بنظام 8 بت.

أصدرت شركة نينتندو، وهي شركة يابانية بدأت بتصنيع أوراق اللعب عام 1989، ألعابًا تُعد علاماتٍ فارقةً في عالم ألعاب الفيديو، لا تزال موجودة حتى اليوم، مثل لعبة «سوبر ماريو» و«زيلدا ليجند» و«ميترويد».

تاريخ ألعاب الفيديو - ظهور منصات تحكم الألعاب المنزلية - متى بدأت الألعاب ثلاثية الأبعاد بالظهور - أول لعبة إلكترونية على عدة أجهزة حاسوب - بلاي ستيشن

إضافةً إلى ذلك، فرضت قوانين على مطوري ألعاب الطرف الثالث لحماية أنظمتها وحاربت البرمجيات رديئة الجودة. وبالمقابل أصدر مطورو ألعاب الطرف الثالث الكثير من الألعاب ذات الامتيازات، مثل لعبة «ميغا مان» لشركة كابكوم ولعبة «كاستلفينيا» لشركة كونامي و«فاينل فانتاسي» لشركة سكوير ولعبة «دراغون كويست» لشركة إينيكس. وقد اندمجت شركتا سكوير وإينيكس لاحقًا عام 2003.

سنة 1989 تركت شركة نينتندو بصمات أخرى عبر نشر جهاز ألعاب فيديو محمول «غيم بوي» بنظام 8 بت ولعبة «تيتريس» ذات الحزمة الواحدة. وعلى مدار 25 عامًا التالية، أطلقت أيضًا سلسلة من الأجهزة اللاحقة لجهاز «غيم بوي» التي حققت نجاحًا بارزًا، منها «غيم بوي دي إس» بالألوان عام 1998، وجهاز «نينتندو دي إس» عام 2004، و«نينتندو ثري دي إس» عام 2011.

أول حرب للمنصات:

أطلقت سيغا منصة «جينيسس» عام 1989 بنظام 16 بت في أمريكا الشمالية، خلفًا لنظام «سيغا ماستر» عام 1986، لكنها فشلت في المنافسة مع إن إي إس، إلا إنها تفوقت لاحقًا على «إن إي إس» بسبب تفوقها التكنولوجي وتسويقها الذكي، وإصدار لعبة «سونيك» سنة 1991. وأصدرت نينتندو منصة «سوبر إن إي إس» بنظام 16 بت في أمريكا الشمالية منذرةً ببدء «أول حرب للمنصات المنزلية».

شهد النصف الأول من التسعينيات إطلاق الكثير من الألعاب الشهيرة ذات الامتيازات في كلتا المنصتين، مثل لعبة «ستريت فايتر 2» و«مورتال كومبات» وهي لعبة قتالية تصور مشاهد دموية اعتمادًا على نسخة جينيسس.

وأنشأت سيغا عام 1993 لمواجهة ألعاب العنف، إضافةً إلى آراء الكونغرس حول هذه الألعاب، مجلس تحديد معياري لألعاب الفيديو. ووضع المجلس توصيفًا كتابيًا للمعايير الخاصة بكل لعبة فيديو من سيغا في المنصات المنزلية. أدى هذا إلى ظهور «لائحة تقييم البرمجيات»، التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم لتصنيف الألعاب حسب محتواها.

في منتصف التسعينيات خطت ألعاب الفيديو خطوةً واسعة تجاه الشاشة الكبيرة، مثل «سوبر ماريو بروس» التي تحولت إلى فيلم آكشن حي عام 1993، ثم أفلام «ستريت فايتر» و«مورتال كومبات» في العامين التاليين. إضافةً إلى الكثير من الأفلام المستوحاة من ألعاب الفيديو التي صدرت منذ ذاك.

واستطاعت جينيسس عبر امتلاك مكتبة ألعاب أوسع وتحديد أسعار أقل ووجود تسويق ناجح أن تتخطى نجاح شركة «إن إي إس» في أمريكا الشمالية، في حين لم تحظ سيغا بنجاح مماثل في اليابان.

ظهور ألعاب ثلاثية الأبعاد:

ظهر الجيل الخامس لألعاب الفيديو بعد تحقيق قفزات نوعية في تكنولوجيا الحاسوب، ما مهد الطريق لعصر الألعاب ثلاثية الأبعاد. سنة 1995 أصدرت سيغا في أمريكا الشمالية، قبل خمسة أشهر من الموعد المفترض، نظام ساتورن، أول منصة 32 بت تعتمد على الأقراص المضغوطة بدلًا من الأشرطة، بهدف التغلب على محاولة شركة سوني الأولى تحت اسم «بلاي ستيشن» الذي بيع أرخص بـ 100 دولار مقارنةً بسعر ساتورن لاحقًا ذلك العام. أصدرت نينتندو في العام التالي نظام 64 بت الذي يعتمد على الأشرطة تحت اسم «نينتندو 64».

مع إصدار كل من سيغا ونينتندو عددًا من الأسماء المهمة ذات التقييم العالي في العالم ثلاثي الأبعاد مثل «فيرتشوا فايتر» في نظام ساتورن و«سوبر ماريو 64» في نظام نينتندو 64، لم تصمد الشركتان أمام دعم الطرف الثالث لشركة سوني، ما ساعد بلاي ستيشن على نيل امتيازات حصرية.

ببساطة أحكمت سوني سيطرتها على سوق ألعاب الفيديو وتابعت ذلك على مدى الجيل التالي. واحتفظ «بلاي ستيشن تو» الذي صدر عام 2000 بألعاب النسخة الأصلية السابقة ليصبح أكثر منصات الألعاب مبيعًا على الإطلاق. فكان أول المنصات استخدامًا لدي في دي وكان ندًا لـ «سيغا دريم كاست» عام 1999 و«نينتندو غيم كيوب» عام 2001 و«مايكروسوفت إكس بوكس»2001.

دريم كاست -الذي كان يُعد سابقًا لعصره وأحد أفضل المنصات لعدة أسباب منها إمكانية اللعب على الإنترنت- كان سببًا في إخفاق سيغا تجاريًا، ما أنهى محاولاتها في عالم المنصات، لتنسحب عام 2001 وتصبح شركة طرف ثالث للبرمجيات.

العصر الحديث للألعاب:

سنتا 2005 و 2006، شكلت المنصات بداية العصر الحديث لألعاب الفيديو بالمواصفات عالية، منها: «إكس بوكس 360» من شركة مايكروسوفت و«بلاي ستيشن ثري» لشركة سوني و«وي» لشركة نينتندو. ومع نجاح «بلاي ستيشن ثري»، النظام الوحيد الذي يعتمد على خاصية «بلو راي»، واجهت سوني منافسة شرسة للمرة الأولى من خصومها.

أما «إكس بوكس 360» الذي تمتع بنفس الإمكانية العالية لرسوم «بلاي ستيشن ثري» فقد لقي الكثير من الإعجاب بسبب خواص بيئة اللعب الافتراضية وحاز عدة جوائز من «غيم كريتيك أووردز» أكثر من أي منصة أخرى عام 2007. إضافةً إلى أنه مزود بخاصية «كينيكت» من مايكروسوفت، وهي خاصية عالية الدقة لالتقاط الحركات طرحت طريقة جديدة للعب، مع أن كينيكت لم تنل الاستحسان الكافي بين اللاعبين ومطوري الألعاب.

مع أن نظام «وي» كان أقل تقنيًا من الأنظمة السابقة فقد تخطاها في نسبة المبيعات. فخاصية أجهزة التحكم الحساسة للحركة من بُعد جعلت اللعب أمتع من ذي قبل، ما زاد رغبة شريحة أكبر من الناس في هذا النظام.

وفي العقد الجديد انتشرت بعض ألعاب الفيديو التي وصلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» وأجهزة الهاتف النقال مثل «آي فون»، فوصلت إلى شريحة دائمة المزاولة من اللاعبين. مثل «ريفيو» التي أنتجت لعبة «آنغري بيردز» على أجهزة الهواتف وأنتجت لاحقًا فيلمًا بالاسم ذاته وحققت قفزة بلغت 200 مليون دولار عام 2012.

سنة 2011 ربطت لعبة «سبايرو أدفنتشر» من شركة «سكاي لاندرز» العالم الافتراضي بالعالم المادي المحسوس، إذ تتطلب شراء مجسمات بلاستيكية لألعاب صغيرة توضع على إحدى معدات الإكسسوار الملحقة بها ليقرأها جهاز يتمتع بخاصية «إن إف سي» فتنتقل إلى اللعبة. وفي السنوات اللاحقة ظهرت عدة ألعاب جمعت بين الواقع الملموس والواقع الافتراضي مثل لعبة «ديزني إنفينيتي»، التي تعرض شخصيات ديزني بالطريقة ذاتها.

أما الجيل الثامن -الحالي- من ألعاب الفيديو فقد بدأ مع إطلاق نينتندو «وي يو» عام 2012، تبعه «بلاي ستيشن فور» و«إكس بوكس ون» عام 2013. ورغم وجود ميزة العمل باللمس عبر جهاز تحكم من بُعد، التي يمكن استخدامها للعب ألعاب «وي» دون شاشة تلفاز، فإنها أخفقت تجاريًا وتوقفت عام 2017.

أطلقت سوني عام 2016 نسخة مطورة أقوى لمنصات ألعابها سُميت «بلاي ستيشن فور برو» وهي أول منصة تعرض الفيديو بخاصية 4K.

عام 2017 أطلقت نينتندو «نينتندو سويتش»، النظام الوحيد الذي يسمح باللعب على التلفاز أو بجهاز محمول باليد. أصدرت مايكروسوفت لاحقًا منصة تعتمد خاصية 4K في «إكس بوكس ون إكس».

تركز رؤية كل من مايكروسوفت وسوني حاليًا على عالم اللعب الافتراضي، بتقنيات تستطيع تغيير تجربة اللعب الافتراضي، وتتغير منصاتها وتتجدد وفقًا لذلك.

اقرأ أيضًا:

لمحة عن تاريخ لندن

ما يكشفه مسلسل «لعبة العروش» عن اتخاذ القرارات الأخلاقية

ترجمة: شادن أمين

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: عون حدّاد

المصدر