اختُبِرَت المبادئ الأساسيّة للصواريخ منذ ما يزيد عن الألفَي عام، ولكنّ الصواريخ لم تتواجد عمليًا إلّا منذ سبعين عامٍ تقريبًا، إذ استُخدِمَت هذه الآلات في تطبيقات استكشاف الفضاء.
اليوم، تقوم الصواريخ بأخذ المركبات الفضائيّة إلى الكواكب في نظامنا الشمسيّ، كما تحمل المُؤَن والمعدّات إلى محطة الفضاء الدوليّة (ISS)، ثمّ تعود أدراجها إلى الأرض وتهبط بمفردها ليتمّ استخدامها مرة أخرى.

بدايات علم الصواريخ:

هناك بعض القصص حول استخدام علم الصورايخ منذ آلاف السنين، حوالي 400 عام قبل الميلاد. إذ قام الفيلسوف والرياضياتيّ اليونانيّ (أرخيتاس – Archytas) بالقيام بتجربة الطائر الخشبيّ والتي أذهلت سكان مدينته (تارينتوم – Tarentum) آنذاك، حين استطاع تدوير طائرٍ خشبيّ عن طريق طرد بخار الماء من فتحتين على جانبيه.

وبعد حوالي 300 عام من تجربة الطائر الخشبيّ، قام بطل الإسكندريّة -وهو مهندس ورياضياتيّ عاش في مدينة الإسكندريّة إبان العصر الرومانيّ- باختراع محركٍ سُمّي بمحرّك البطل وهي آلة مشابهة للطائر الخشبيّ اليونانيّ، إذ وبحسب ناسا تتكون الآلة من قرصٍ يتوضّع أعلى وعاء يحتوي على ماءٍ يغلي، حيث يدخل البخار المتشكّل في الوعاء عبر القرص ويخرج من أنبوبين متعاكسين على شكل حرف (L)، الأمر الذي يؤدي لدوران القرص.

يعتقد المؤرخون أنّ الصينيين طوروا نماذج الصواريخ الأولى في بدايات القرن الأول الميلاديّ، واستخدموا عروضًا ملوّنةً في احتفالاتهم الدينيّة، بشكلٍ مشابهٍ للألعاب الناريّة اليوم.
ولبضع مئات من السنين القادمة، استُخدِمَت الصواريخ بشكلٍ أساسيّ كأسلحةٍ حربيّة، بما في ذلك نموذجٌ صاروخيّ دُعِيَ بـِ (صاروخ كونغريف – Congreve rocket)، والذي طوّره الجيش البريطانيّ في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي.

آباء علم الصواريخ:

في العصر الحديث، يعرف غالبيّة العاملين في مجال طيران الفضاء ثلاثة آباءٍ لعلم الصواريخ، الذين ساعدوا في دفع أولى الصواريخ إلى الفضاء، وقد عاش أحدهم بالفعل وشاهد بأمّ عينه استخدام الصواريخ في استكشاف الفضاء.

الروسيّ (قسطنتين تشيولكوفسكي – Konstantin E. Tsiolkovsky) الذي عاش في الفترة ما بين (1857-1935) ونشر في مجلة الطيران الروسيّ معادلةً تُدعى “معادلة الصاروخ” في عام 1903. وتبعًا لناسا تربط المعادلة ما بين سرعة الصاروخ وكتلته، كما تهتم بسرعة الغاز المندفع من عادم الصاروخ. بالإضافة إلى ذلك نشر تشيولكوفسكي لاحقًا نظريّة الصواريخ متعددة المراحل في عام 1929.

الفيزيائيّ الأمريكيّ (روبرت غودارد – Robert Goddard) الذي أطلق أوّل صاروخٍ يعمل بالوقود السائل، حيث حلّق الصاروخ عاليًا في سماء مدينة أوبرن في ولاية ماساتشوسيتس في السادس عشر من مارس من عام 1926.
حاز غودارد على برائتَيّ اختراع، الأولى في استخدام صاروخ الوقود السائل، والثانية لصاروخ ثنائيّ أو ثلاثيّ المراحل ويعمل بالوقود الصلب.

وُلِدَ (هيرمان أوبيرث – Hermann Oberth) في رومانيا وانتقل لاحقًا إلى ألمانيا، واهتم بعلم الصواريخ منذ طفولته. وفي الرابعة عشرة من عمره تصوّر (صاروخ الارتداد – Recoil Rocket) والذي بإمكانه الطيران في الفضاء عن طريق نفث الغاز من العادم فقط. عندما أصبح بالغًا، تضمّنت دراساته الصواريخ متعددة المراحل، وكيفيّة إفلات الصاروخ من الجاذبيّة الأرضيّة.
تلوثت ذكرى هيرمان بحقيقة مساعدته للجيش النازيّ الألمانيّ في تطوير صاروخ (V-2) والذي هَدَف لتدمير مدينة لندن خلال الحرب العالمية الثانية.
عاش هيرمان وقتًا كافيًا حتّى يرى بعينه الصواريخ تحمل البشر إلى القمر.

بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية هاجر العديد من علماء الصواريخ الألمان إلى كلّ من الاتحاد السوفييتي وأمريكا، وساعدوا الدولتين في سباق الفضاء في ستينات القرن التاسع عشر.

استُخدِمَت الصواريخ أيضًا في قياس الإشعاعات في طبقات الجو العليا بعد التجارب النوويّة، ولكنّ التفجيرات النوويّة أُوقِفَت بعد معاهدة حظر التجارب النوويّة في عام 1963.

عملت الصواريخ بشكلٍ جيّدٍ ضمن حدود الغلاف الجويّ الأرضيّ، ولكنّ الصعوبة كانت تكمُن في معرفة طريقة إرسال الصواريخ إلى الفضاء الخارجيّ.

كانت الهندسة الصاروخيّة في مهدها ولم تكن الحواسيب قويّةً بشكلٍ كافٍ لإجراء نمذجة محوسبة معقّدةً آنذاك، أيّ أنّ العديد من التجارب الصاروخيّة باءت بالفشل وانتهت بانفجار الصاروخ بعد إطلاقه من المنصة بثوانٍ أو دقائق معدودةً.

مع الوقت والتجارب، استُخدِمَ صاروخ لأول مرة في إرسال شيء إلى الفضاء في مهمة سبوتنيك، والتي أطلقت قمرًا اصطناعيًا سوفييتيًا في الرابع من أكتوبر من عام 1957. وبعد عدّة محاولاتٍ باءت بالفشل، تمكّنت الولايات المتّحدة من إرسال صاروخ (Jupiter-C) والذي حمل القمر الاصطناعيّ (Explorer 1) في الأول من فبراير من عام 1958.

مضت عدّة سنين حتّى كوّنت كِلتا الدولتين الثقة الكافية لإرسال بشرٍ في صواريخ إلى الفضاء، وبدأت كِلتاهما في إرسال الحيوانات -سعادين وكلاب-.

كان رائد الفضاء (يوري غاغارين – Yuri Gagarin) أوّل إنسان يخرج بنجاحٍ من الغلاف الجويّ للأرض ويدخل الفضاء على متن صاروخ (Vostok-K) متعدّد المراحل، حيث كان ذلك في الثاني عشر من إبريل من عام 1961. وبعد ثلاثة أسابيع تقريبًا تمكّن رائد الفضاء الأمريكيّ (آلان شيبرد – Alan Shepard) من الوصول لمستوياتٍ مرتفعةٍ دون مدارية على متن صاروخ (Redstone)، وبعد عدّة سنوات ضمن برنامج (Mercury) استخدمت فيه ناسا صواريخ (Atlas) من أجل الوصول إلى المدار، وفي عام 1963 أصبح ( جون غلين – John Glenn) أوّل أمريكيّ يدور حول الأرض.

لاحقًا، استخدمت ناسا صاروخ (Saturn V) والذي كان بطول 110 أمتار وشَمِلَ ثلاث مراحل للإطلاق، امتلكت آخرها القوّة الكافية للتخلص من الجاذبيّة الأرضيّة. نجح الصاروخ في الهبوط على القمر ستّ مراتٍ بين عامَي 1969 و 1972. كما طوّر الاتحاد السوفيتي صاروخًا بهدف الوصول إلى القمر وألقى عليه اسم (N-1)، لكن تمّ إلغاء البرنامج نهائيًا بسبب العديد من التأخيرات المتتالية في إطلاق الصواريخ والمشاكل الفنيّة، والتي شملت انفجارًا مميتًا.

استخدمت ناسا ضمن برنامج المكوك الفضائي بين عامَي 1981 و 2011 صواريخ تعمل بالوقود الصلب بهدف إيصال البشر إلى الفضاء، والتي -وعلى عكس صواريخ الوقود السائل- لا يمكن إطفاؤها. وشمِل جسم الصاروخ الرئيسيّ ثلاث محركاتٍ تعمل بالوقود السائل، وأُلصِق على جانبي الصاروخ مدعمات صاروخيّة تعمل بالوقود الصلب.
وفي عام 1986 فشلت إحدى مدعمات الصاروخ وتسببت بانفجارٍ عنيف، ممّا أدى إلى مقتل سبعة رواد فضاءٍ على متن صاروخ تشالينجر، وأُعيدَ فيما بعد تصميم مدعمات الصواريخ بشكلٍ شامل.

صواريخ المستقبل:

استُخدِمَت الصواريخ منذ ذلك الوقت في إرسال المركبات الفضائيّة لمسافاتٍ أبعد ضمن مجموعتنا الشمسيّة: قديمًا إلى القمر، الزهرة، والمريخ في بدايات ستينيات القرن الماضي، والتي توسعت فيما بعد لاكتشاف عشرات الكواكب والأقمار. وبفضل وجود هذه الصواريخ القويّة، استطاعت مركبة فوياجر 1 الوصول إلى خارج مجموعتنا الشمسيّة.

تقوم اليوم دول عديدة بإنشاء صواريخ دون الحاجة لطاقم رواد فضاء بداخلها ومنها: الولايات المتّحدة الأمريكيّة، روسيا، أوروبا والهند.

يعمل المهندسون والعلماء بشكلٍ متواصلٍ بهدف تطوير صواريخ معقدّةً بشكلٍ أكبر، كما تطمح شركة (Strarolaunch) المختصة بتصميم مركبات الطيران لإطلاق أقمارٍ اصطناعيّة باستخدام طائرات مدنيّة.

طورت أيضًا شركة (SpaceX) وشركة (Blue Origin) صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام.

يتوقع خبراء الصواريخ أن تكون الصواريخ الفضائيّة في المستقبل قادرةً على حمل أقمارٍ اصطناعيّة أكبر حجمًا إلى الفضاء، وأن تكون قادرةً على حمل العديد منها دفعةً واحدة، والتي قد تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الذكاء الاصطناعيّ لتأدية مهامها. ستعمل صواريخ المستقبل باستخدام وقودٍ صديقٍ للبيئة أكثر من وقود الكيروسين المستخدم في الصواريخ الفضائيّة اليوم.


  • ترجمة: عصام خلف
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: زيد أبو الرب

مصدر1 / مصدر2