تجارب السفلس (الزهري) في غواتيمالا هي تجارب بشرية بإدارة الولايات المتحدة أًجريت في جمهورية غواتيمالا بين عامي 1946 و 1948. قاد الطبيب جون تشارلز كاتلر هذه التجارب وشارك أيضًا في المراحل الأخيرة من تجربة توسكيجي للزهري.

أصاب الأطباء الجنود والمومسات والسجناء والمرضى العقليين بمرض الزهري وأمراض أخرى منقولة بالجنس دون موافقة مسبقة من قبل عينات التجارب البشرية. نتج عن التجربة موت 83 شخصًا. استمرت الدراسات المصلية خلال عام 1953 إذ شملت ذات الفئة السكانية المستهدفة، إضافةً إلى ضم أطفال من مدارس حكومية ودور الأيتام والمناطق الريفية رغم انتهاء عملية إصابة المرضى المفتعلة مع انتهاء الدراسة الأصلية.

في الأول من أكتوبر عام 2010، قدم رئيس الولايات المتحدة ووزير الخارجية ووزير الخدمات الصحية والإنسانية اعتذارًا رسميًا لجمهورية غواتيمالا عن الانتهاكات الأخلاقية التي حدثت.
أدانت جمهورية غواتيمالا هذه التجربة معتبرةً أنها جريمةٌ ضد الإنسانية، ورفعت القضية منذ ذلك الحين.

التجربة:

السياق التاريخي:

بدءًا من عام 1947، أُجريت أبحاث للوقاية من الزهري على الأرانب من خلال حقنهم بالأنسولين. في وقت قريب من ذلك التاريخ، كان هناك تحريض كبير من قبل مزاولي المهن الطبية -ومنهم الدكتور توماس باران كبير الأطباء في الولايات المتحدة- لزيادة المعلومات المتوافرة عن الأمراض المنقولة بالجنس واكتشاف خيارات علاجية أكثر قابلية للتطبيق على البشر.

مع بدء الحرب العالمية الثانية، ازداد الحث على زيادة المعارف الجديدة ونال داعمين جدد. كان الهدف الأساسي لهذه الجهود حماية جنود الجيش الأمريكي من العدوى بالأمراض المنقولة بالجنس مثل السيلان البني، وتجنيبهم نظام الوقاية الخاص والمؤلم الذي يشمل حقن بروتينات الفضة في قضبان المصابين بالمرض.

في ذلك الوقت، قُدر أن الأمراض المنقولة جنسيًا ستصيب 350,000 جندي، وهذا يعادل القضاء على فرقتين من الجيش لمدة سنة كاملة. ستبلغ تكلفة هذه الخسارات في ذلك الوقت نحو 34 مليون دولار. فرض تحليل الكلفة هذا ضغطًا ملحًا على الأبحاث الموجهة لإيجاد أساليب علاجية للأمراض المنقولة بالجنس.

كانت تجارب سجن تير هوت بين عامي 1943 و 1944 أول التجارب التي تلت هذا الضغط لتطوير علاجات للأمراض المنقولة بالجنس وأساليب الوقاية منها. أجرى هذه التجارب ودعمها العديد من الأفراد الذين سيستمرون بالمشاركة بعد عدة سنين في تجارب الزهري في غواتيمالا.

كان الهدف من هذه التجربة إيجاد وسيلة وقاية مناسبة من الأمراض المنقولة بالجنس عبر إحداث عدوى مفتعلة بالسيلان البني عند عينات بشرية مأخوذة من حبيسي السجون. رغم أنه في بادئ الأمر كانت فكرة استخدام عينات بشرية أمرًا مثيرًا للجدل، سمح الدعم المقدم من الدكتور توماس باران والمسؤول التنفيذي عن الهيئة الطبية في جيش الولايات المتحدة الكولونيل جون إيه. رودجر ببدء تطبيق الاختبارات على يدي الدكتور جون فريند ماهوني والدكتور كاسيوس جي. فان سليك، وهو المساعد الشاب للدكتور ماهوني، إذ ساعده على إجراء الاختبارات وتابع في قيادة تجربة الزهري في غواتيمالا.

شكلت التجربة في سجن تير هوت طليعة تجارب غواتيمالا. كانت هذه التجربة أول ما يظهر جدية حث قادة الجيش على الوصول لتطورات جديدة يجابهون عبرها الأمراض المنقولة بالجنس واستعدادهم لاستخدام عينات بشرية في سبيل ذلك، وفسرت أيضًا اختيار الأطباء المشاركين في الدراسة جمهورية غواتيمالا مسرحًا لتجاربهم، إذ تجنبوا بهذه الطريقة القيود الأخلاقية المتعلقة بالموافقات الفردية، والعقبات القانونية الوخيمة الأخرى، والتعميم سيئ النتيجة.

الأطباء المشاركون في الدراسة:

جون تشارلز كاتلر:

قاد طبيب الخدمات الصحية في الولايات المتحدة جون تشارلز كاتلر هذه التجارب بعد مشاركته السابقة في تجارب سجن تير هوت المشابهة، والتي حُقن فيها سجناء متطوعون بمرض السيلان.

شارك كاتلر لاحقًا في المراحل الأخيرة من تجربة الزهري في توسكيجي. راقبت تجربة توسكيجي التطور الطبيعي لمرض الزهري عند المصابين به مسبقًا، أما في تجربة غواتيمالا، تقصد الأطباء إصابة الناس الأصحاء بأمراض قد تكون مميتة دون تقديم العلاج. يبدو أن الدراسة هدفت لكشف تأثير البنسلين على الوقاية من الأدوية المنقولة بالجنس وعلاجها. دفع الباحثون النقود للمومسات المصابات بالزهري لممارسة الجنس مع السجناء، بينما زُرقت باقي العينات البشرية بالبكتيريا المسببة للعدوى. ومن خلال التعرض المقصود للسيلان والزهري والقريح التناسلي، حصل الباحثون على 1,308 من الأشخاص المصابين لإخضاعهم للتجربة.

من بين أفراد هذه المجموعة الذين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 72 عامًا، يمكن القول أن ما يقارب 678 فردًا (52%) تلقوا نوعًا من العلاج.

استغل جون تشارلز كاتلر الأفراد الأصحاء بالخفاء هادفًا إلى تحسين ما دعاه «العلم النقي».

الدكتور جون فريند ماهوني:

أدار الدكتور جون فريند ماهوني تجارب سجن تير هوت وأشرف على الدكتور كاتلر في تجارب الزهري في غواتيمالا. تخرج ماهوني من مدرسة الطب عام 1914 ونال لقب مساعد الجراح في الخدمات الصحية العامة في الولايات المتحدة بحلول عام 1918.

بحلول عام 1929، استلم الدكتور ماهوني إدارة مخبر الأبحاث الخاصة بالأمراض المنقولة بالجنس في جزيرة ستاتن، هناك حيث بدأت تجارب تير هوت عام 1943، وهناك أيضًا المرة الأولى التي يعمل كاتلر فيها مساعدًا له.

بعد توقف تجارب تير هوت بسبب نقص العينات المصابة بعدوى السيلان، انتقل الدكتور ماهوني لدراسة تأثيرات البنسلين على الزهري، إذ صادف نجاحًا كبيرًا في العلاج بالبنسلين، وضمه جيش الولايات المتحدة إلى وصفة علاج الأمراض المنقولة بالجنس.
ورغم أن هذا العلاج بدا ملائمًا، شك ماهوني ومعاونوه في فعاليته بعيدة المدى في القضاء على جميع تلك الأمراض عند الأفراد. شعر ماهوني وكاتلر وباحثون آخرون أن دراسة مجموعة أصغر وأكثر ضبطُا ستكون أكثر عونًا على إيجاد العلاج الشامل. قاد هذا إلى استخدام مواطني غواتيمالا بصفتهم عينات اختبار.

جينيفيف ستوت:

كانت جينيفيف ستوت موظفةً في منظمة الصحة للبلدان الأمريكية، دعمت جينيفيف إجراء الأبحاث المصلية وأسستها في مختبرات غواتيمالا. أطلقت مختبر أبحاث الأمراض المنقولة بالجنس (الزهرية) «في دي آر إل» ومركز التدريب ضمن أمريكا الوسطى عام 1948 وبقيت في غواتيمالا حتى 1951. هناك أجرت عدة اختبارات مصلية مستقلة تابعة لأبحاث الأمراض المنقولة بالجنس التي أجراها الدكتور كاتلر.

الدكتور فونيس والدكتور سالفادو:

كان الدكتور فونيس والدكتور سالفادو موظفين أيضًا في منظمة الصحة للبلدان الأمريكية، بقي الطبيبان في غواتيمالا بعد عمل الدكتور كاتلر، إذ اختارا البقاء والاستمرار في مراقبة عينات تجارب الزهري بغية إحراز تقدم في مسيرتهما المهنية. شمل عملهما جمع البيانات من الأيتام والسجناء والمرضى النفسيين وأطفال المدارس. تألفت هذه البيانات الدورية من عينات دموية وبزول قطنية مأخوذة من المشاركين. أُرسلت النتائج إلى الولايات المتحدة حيث أظهرت العديد من عينات الدم إيجابية الإصابة بالزهري. جمع الدكتور فونيس العينات من المشاركين حتى عام 1953.

تفاصيل الدراسة:

مُولت الدراسة بمنحة من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) إلى منظمة الصحة للبلدان الأمريكية وشملت عدة وزارات حكومية في غواتيمالا. شملت الدراسة نحو 1500 عينة، ورغم هذا لم تُنشر نتائج هذه الدراسة أبدًا.

في الوثائق المؤرشفة، اعترف الدكتور توماس باران كبير الأطباء في الولايات المتحدة أن الأعمال التي جرت في غواتيمالا لم يمكن إجراؤها داخليُا، والمسؤولون في جمهورية غواتيمالا أخفوا تفاصيلها.

توقفت الدراسة رسميًا عام 1949. توفي 83 فردًا خلال إجراء التجربة. رغم أنه من غير الواضح إن كانت الحقن مصدر الوفيات.

العينات:

شملت التجربة 1,308 شخصًا في المجمل، ومن ضمن هذه المجموعة، ذكرت الوثائق حصول 678 فردًا على نوع ما من العلاج. تألفت هذه المجموعة البشرية من عمال في تجارة الجنس، وسجناء، وجنود، ومرضى المشافي العقلية. تراوحت أعمار المشمولين في التجربة بين 10 و 72 عامًا، إلا أن متوسط أعمارهم كان في العقد الثالث. تمنح الملفات الشخصية للعينات البشرية الموثقة وصفًا تفصيليًا لما واجهته العينة ضمن التجربة.

كانت بيرتا مريضةً أنثى في مشفى الأمراض النفسية… حُقنت بيرتا عام 1948 بالزهري في ذراعها اليسرى، بعد شهر تطورت لديها بثورٌ حاكة (عدوى جلدية حاكة يسببها العث). وبعد عدة أسابيع، لاحظ الدكتور كوتلر ظهور كدمات حمراء مكان الحقنة، وآفات على ذراعيها وساقيها، وبدأ جلدها بالانسلاخ عن جسمها.
لم تتلقى بيرتا علاج الزهري حتى مضي ثلاثة أشهر على الحقنة. بعد مدة قصيرة، في 23 أغسطس، كتب الدكتور كاتلر أن بيرتا تبدو أشبه بمن يوشك على الموت، دون أن يحدد السبب. في ذات اليوم وضع قيحًا سيلانيًا من عينة ذكرية أخرى مصابة بالسيلان البني في كلتا عينيها وإحليلها ومستقيمها. وأعاد حقنها بالزهري مرة أخرى. بعد عدة أيام امتلأت عينا بيرتا بالقيح بسبب السيلان، ونزفت من إحليلها. بعد ثلاثة أيام، وبتاريخ 27 أغسطس، فارقت بيرتا الحياة.

المصدر