استيقظ آلاف الأشخاص المحظوظين على خبر مفاده تقليص عدد أيام العمل في الأسبوع إلى أربعة أيام فقط، مع بقاء رواتبهم المعتادة كما هي دون نقصان، رغم اكتسابهم يوم عطلة إضافيًا.

هل يبدو الأمر حلمًا جميلًا صعب المنال؟

ليس بالضرورة، فقد يصبح شائعًا يومًا ما إذا ما تلقت فكرة أربعة أيام عمل الدعم الكافي لانتشارها.

نشهد حاليًا التجربة الأكبر لفكرة أربعة أيام عمل في الأسبوع في المملكة المتحدة، التي تبنتها نحو 70 شركة وأكثر من 3300 موظف مدة 6 أشهر، ضمن إطار برنامج تجريبي يهدف إلى تحقيق التوازن المنشود بين العمل والحياة.

يدير البرنامج التجريبي منظمة «أربعة أيام عمل في الأسبوع» العالمية غير الربحية، بالتعاون مع منظمات أخرى، وبإشراف باحثين من جامعات كامبريدج وأوكسفورد وبوسطن. يهدف البرنامج إلى دراسة تأثير نظام العمل الجديد على العمال من بين عوامل أخرى.

أوضحت جولييت شور الخبيرة الاقتصادية وعالمة الاجتماع، التي تتولى مهمة الباحث الرئيس في البرنامج التجريبي، أن هدف الدراسة هو تحليل استجابة الموظفين لقضاء يوم إجازة إضافي وتأثيره عليهم، فيما يخص الإجهاد والإرهاق والرضا عن الحياة والعمل والصحة وجودة النوم والنشاط والسفر، والعديد من جوانب الحياة الأخرى.

لم تقتصر مشاريع منظمة أربعة أيام عمل في الأسبوع على العمال في المملكة المتحدة، بل امتدت لتشمل أستراليا ونيوزلندا، وأعلنت المنظمة عن تجارب قادمة يُتوقع أن تبدأ في أكتوبر 2022، في الولايات المتحدة وكندا.

أُنجزت سابقًا العديد من الدراسات فيما يخص مشروع أربعة أيام عمل في الأسبوع، أو ما يُسمى بـ 35 ساعة عمل أسبوعيًا، شارك فيها باحثون من مختلف البلدان، أكبرها -حتى ما قبل الدراسة الحالية- كانت دراسة أجريت في أيسلندا بمشاركة 2500 عامل، ذُكر في تقريرها أن تقليل ساعات عمل الموظفين أثمر فوائد عديدة، دون ملاحظة أي انخفاض في الإنتاجية.

أضاف الباحثون أن معظم العمال شعروا بتحسن كبير بعد تخفيض ساعات العمل الأسبوعية، بل أصبحوا أنشط وأقل إجهادًا، ما أدى إلى زيادة إقبالهم على أنشطة أخرى مثل التمارين الرياضية ولقاء الأصدقاء وممارسة الهوايات، ما أثر إيجابًا في نشاطهم الوظيفي.

تثير تلك النتائج السابقة التساؤل حول مدى منطقية كسب الموظفين المبلغ نفسه من المال حتى بعد تقليص ساعات عملهم. الإجابة ببساطة أن تقليل وقت العمل وزيادة وقت الراحة يشحن العمال بمزيد من الطاقة والحماس اللازمين لزيادة فعاليتهم وإنتاجيتهم في أوقات العمل.

أبدى جميع الموظفين المشاركين في هذا البرنامج التزامهم بمبادئه، فأصبح يسمى نموذج 100-80-100، أي إن الموظف يحصل على 100% من راتبه، مقابل 80% من ساعات العمل المعتادة، مع الحفاظ على إنتاجية قدرها 100%.

أشارت الأبحاث إلى وجود مستفيد آخر من المشروع: البيئة، إذ إن تقليل ساعات العمل يقلل نظريًا انبعاثات الكربون. أيدت جولييت شور هذا الرأي بقولها: «يُعد مشروع أربعة أيام عمل في الأسبوع مفيدًا للأطراف الثلاثة: الموظفون والشركات والمناخ، لكننا بحاجة إلى التعمق أكثر في أبحاثنا فيما يخص هذا الشأن».

تأسست منظمة أربعة أيام عمل في الأسبوع بعد تجربة ناجحة أجراها منظمو شركة بربتشوال جارديان في نيوزيلندا، إذ حققت نتائج مبهرة جعلتهم يتبنون الفكرة بصورة دائمة، وهو ما أيده أندرو بارنس الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك، بقوله: «لاحظنا زيادة تعاون الموظفين وإنتاجيتهم ورضاهم عن العمل، وزيادة رغبة الموظفين في مواصلة العمل مع الشركة، دون ملاحظة أي انخفاض في الإنتاجية».

علينا الانتظار لنرى هل التجارب الجديدة في المملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، والتجارب القادمة في الولايات المتحدة وكندا، ستحقق النتائج الواعدة ذاتها؟ إذا نجحت بالفعل، فمن المتوقع أن نشهد المزيد من الدعم لفكرة أربعة أيام عمل في الأسبوع.

يعتقد البعض أن تطبيق فكرة أربعة أيام عمل في الأسبوع قادم لا محالة، معتمدين على التجربة المشابهة السابقة، حين اعتمد المجتمع فكرة خمسة أيام عمل في الأسبوع في العقود الأولى من القرن العشرين، بعد أن كانت ستة أيام عمل في الأسبوع سابقًا.

أبدى بادي لامبروس، رئيس قسم الموظفين في شركة سينسات التكنولوجية البريطانية المشاركة في المشروع، دعمه للفكرة، إذ رأى أن تطبيقهم للفكرة بوقت مبكر سيعود عليهم بالكثير من المزايا، ويضيف قائلًا: «لقد شهدنا زيادة طفيفة في تقديم طلبات التوظيف، وتنوع في الآراء ووجهات النظر، وتمكنا من توظيف المزيد من الأشخاص المميزين. بالنظر إلى كل ما سبق، نلاحظ أننا اكتسبنا ميزة كبيرة في تبني فكرة نعتقد أن تطبيقها مسألة وقت».

اقرأ أيضًا:

لماذا أخلاقيات العمل مهمة؟

هل نشهد فقاعة إنترنت أخرى هذا العام؟

ترجمة: ذو الفقار مقديد

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر