تُستخدم كلمة عدم اليقين كثيرًا في ميكانيكا الكم، وهي إحدى مدارس الفكر وتعني وجود شيء ما في العالم غير متأكدين منه، ومعظم علماء الفيزياء يعتقدون أن الطبيعة نفسها غير مؤكدة. كانت حالة عدم اليقين الجوهرية هي الأساس للطريقة التي قدّم بها الفيزيائي الألماني (فيرنر هايزنبيرغ-Werner Heisenberg) النظرية، وهو أحد مؤسسي ميكانيكا الكم الحديثة، فقد طرح (مبدأ عدم اليقين-Uncertainty Principle) الّذي أظهر أنه لا يمكننا أبدًا معرفة كل خصائص الجسيم عند القياس في نفس الوقت.

على سبيل المثال سيتيح لنا قياس موقع الجُسيم معرفة موقعه، لكن هذا القياس من شأنه بالضرورة أن يُحدث اضطرابًا في سرعته بمقدار يتناسب عكسيًا مع دقة قياس الموقع.

هل كان هايزنبيرغ مخطئًا بخصوص مبدأ عدم اليقين ؟

استخدم هايزنبيرغ مبدأ عدم اليقين ليُفسّر كيف أن القياس سيدّمر هذه الميزة الكلاسيكية لميكانيكا الكم، وهي نمط التداخل ذي شقين.

لكن في تسعينيات القرن الماضي، ادّعى بعض علماء الفيزياء الكمومية البارزين أنهم أثبتوا أنه من الممكن التحديد بأي الشقّين ستمرّ الجسيمات، دون حدوث اضطراب كبير في سرعتها. هل يعني هذا أن تفسير هايزنبيرغ خاطئ؟

من غير الحكمة التوصل مباشرة إلى استنتاج كهذا. فقد أظهرنا أن الاضطراب في السرعة موجود دائمًا بالمقدار المتوقع من مبدأ عدم اليقين، ولكن قبل الغوص في التفاصيل نحتاج إلى شرح موجز لتجربة الشقِّين.

تجربة الشقّين

في هذه التجربة، يوجد حاجز فيه شقّان، ولدينا أيضًا جُسيم كمومي بموقع غير مؤكد تمامًا بشكل يكفي لتغطية الشقين إذا أُطلق على الحاجز. بما أننا لا نستطيع معرفة بأي الشقين سيمر الجسيم، فإنه يتصرف كما لو أنه يمر عبر كلا الشقين.

تجربة جديدة تُبّين أن مبدأ عدم اليقين ليس عدم يقين كما كنا نظن مبدأ الريبة أو الشك لهايزنبرغ خصائص الجسيم عند القياس في نفس الوقت

الأثر الذي تتركه الجسيمات يسمى (نمط التداخل-Interference Pattern)، وهو عبارة عن أشرطة موزّعة على الكاشف الموجود وراء الشقين في الأماكن التي من المحتمل أن تصل إليها الجسيمات، وهذا يعني وجود طريق طويل (عدة أمتار أحيانًا) خلف الشِقّين.

ولكن، ماذا لو وضعنا جهاز قياس بالقرب من الحاجز لمعرفة الشقِّ الذي سيمرّ فيه الجسيم؟ هل لا زلنا سنرى نمط التداخل؟

نحن نعلم أن الإجابة هي لا، وكان تفسير هايزنبيرغ هو أنه إذا كان قياس الموقع دقيقًا بما يكفي لتحديد الشق الذي سيمر به الجسيم، فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث اضطراب عشوائي كبير في سرعة الجسيم يكفي للتأثير على المكان الذي ينتهي به على الكاشف، وبالتالي التخلص من نمط التداخل.

ما أدركه علماء الفيزياء الكمومية البارزون هو أن اكتشاف الشقّ الذي يمر به الجسيم لا يتطلب قياس الموقع على هذا النحو. بل إن ذلك ممكن عبر أي عملية قياس تعطي نتائج مختلفة اعتمادًا على الشق الذي يمر به الجسيم.

وقد توصلّوا إلى جهاز لا يسبب اضطرابًا عشوائيًا في سرعة الجسيم أثناء مروره عبر الشق، وبالتالي ظنّوا أن مبدأ عدم اليقين لهايزنبيرغ ليس هو ما يفسّر فقدان نمط التداخل، بل إن هناك آلية أخرى.

كما تنبأ هايزنبيرغ

لا يتعيّن علينا الأخذُ بما قالوا فيما يخصّ آلية تدمير نمط التداخل، لأن تجربتنا أظهرت وجود تأثير على سرعة الجسيم، بنفس المقدار الذي تنبأ به هايزنبيرغ

لقد رأينا ما لم يره الآخرون، لأن هذا الاضطراب في السرعة لا يحدث عندما يمرُّ الجسيم بجهاز القياس مباشرة، بل يؤجّل إلى أن يتجاوز الجسيم الشقين عندما يكون في طريقه نحو الكاشف البعيد.

كيف يكون هذا ممكنًا؟ حسنًا، كَوْن الجسيمات الكمومية ليست مجرد جسيمات فقط، ولكنها موجات أيضًا. في الواقع، كانت النظرية وراء تجربتنا هي النظرية التي تتجلّى فيها كلا الطبيعتين (الموجية والجُسيمية) – تُرشد الموجة حركة الجسيم وفقًا للتفسير الذي قدمه الفيزيائي النظري ديفيد بوم (David Bohm) بعد جيل هايزنبيرغ.

لنقم بالتجربة!

في تجربتنا الأخيرة، اتّبع العلماء في الصين أسلوبًا لإعادة بناء الحركة الافتراضية للجُسيمات الكمومية، من عدد من نقاط البداية المختلفة التي من الممكن أن تُغطّي كلى الشِقّين.

قارنوا السرعات مع مرور الوقت؛ عندما لم يكن جهاز القياس موجودًا في بعض المرّات، وعندما كان جهاز القياس موجودًا في المرّات الأُخرى، وبالتالي حددوا التغير في السرعات نتيجة القياس.

أظهرت التجربة أن تأثير القياس على سرعة الجسيمات استمرّ لفترة طويلة (مسافة 5 أمتار) بعد أن غادرت الجُسيمات جهاز القياس نفسه. وبهذا كان معدّل التغير التراكمي في السرعة كبيرًا بدرجة كافية لإلغاء الأشرطة في نمط التداخل على الكاشف. لذلك، يظهر مبدأ عدم اليقين لهايزنبيرغ صحيحًا.

اقرأ أيضًا:

ما هو مبدأ الريبة أو مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ؟

أشهر علماء الفيزياء في التاريخ

إعداد: سرمد يحيى

تدقيق: عون حداد

المصدر