اكتشف الفيزيائيون إشارات على وجود نيوترينوات neutrinos عالية الطاقة قادمة من اتجاه غير متوقع من الكون، وبدأوا بطبيعة الحال يبحثون عن تفسير معقول لذلك. تبين أن الفحص المكثف للأماكن المحتملة لنشأة الأشكال الأكثر تفاعلًا من هذه الجسيمات (الشبحية) بلا نتيجة، ما فتح الطريق لمزيد من التكهنات الغريبة حول ما قد يسبب تلك الإشارات غير المألوفة.

بحث فريق كبير من الباحثين من جميع أنحاء العالم بيانات جُمِعَت على مدار سبع سنوات من تجربة IceCube لتعقب النيوترينو، لكن اعترفوا في النهاية أن التفسيرات المنطقية لذلك الاكتشاف تبدو ضعيفةً جدًّا.

النيوترينوات هي جسيمات شبيهة بالإلكترون يتضمنها النموذج القياسي للجسيمات الأولية، وعلى عكس الإلكترونات فالنيوترينوات غير مشحونة، وكتلها صغيرة جدًّا.

تجربة في القطب الجنوبي تكشف عن جسيمات شبحية غريبة لا يستطيع الفيزيائيون تفسيرها - إشارات على وجود نيوترينوات neutrinos عالية الطاقة

تشير تلك الحقيقة إلى أن النيوترينوات لا تتفاعل مع الجسيمات الأخرى. يرسل التحلل الذري في عمق الشمس سيولًا منها عبر كوكبنا كل ثانية، مع مرور جزء ضئيل قريب كفاية من الذرة لإحداث استجابة ملحوظة.

يستخدم مرصد IceCube سلاسل طويلة من معدات حساسة لالتقاط الضوء، مدفونة تحت جليد القطب الجنوبي، لرصد الوميض النادر للنيوترينو عندما يصطدم بجزيء ماء متجمد.

منذ قرابة عقد، سجل المرصد مئات الومضات يوميًّا، مشكلًا بذلك قاعدة بيانات واسعة من المعلومات حول اتجاهات النيوترينوات التي تجتاح الأرض وطاقاتها.

لكن مرصد أيس كيوب ليس الوحيد من نوعه، فعلى ارتفاع 40 كيلومتر تقريبًا فوق القطب الجنوبي، معلقًا من بالون هيليوم، يلتقط الهوائي الدفعي العابر للقارة القطبية ANITA التابع لناسا إشارات النيوترينو، مع طاقات هائلة في اصطدامها بذرات الغلاف الجوي.

ما زال مشروع الهوائي العابر حديث العهد، لكن رحلاته القليلة الأولى على مدار العامين الماضيين أثمرت بالفعل اكتشاف العديد من ومضات منذرة بالجسيمات المفعمة بالطاقة. الغريب أن اثنتين من الإشارات لم تأتيا من الفضاء بل من الكوكب ذاته.

لن يكون ذلك مفاجئًا بالنسبة لنيوترينو بطيء منبعث من الشمس حديثًا، وبأخذ مستويات الطاقة المسجلة، أصبحت النيوترينوات من مستوى الجسيمات عالية الطاقة، إذ اندمجت مع ذرات كوكبنا بمعدل أعلى بكثير، وتترك القليل فقط من الذرات دون تأثير.

يقول عالم الفيزياء الفلكية أليكس بيزوتو من جامعة ويسكونسن ماديسون: «يقال عادةً إن النيوترينوات هي جسيمات (مضللة) أو (شبحية)، بسبب قدرتها الفريدة على المرور عبر المواد دون الاصطدام بشيء، لكنها تصبح نشطةً للغاية عند هذه المستويات الهائلة من الطاقة، فتكون أكثر عرضةً للتفاعل مع الجسيمات الأرضية».

يتطلب العثور على اثنين من النيوترينوات النشطة يعبران الكوكب تفسيرًا ما.

ما زال احتمال أن تكون تلك الاكتشافات قد حدثت بالصدفة قائمًا، لكن الأرجح أن الجسيمات المُكتشفَة التي أصابت الكوكب هي جزء من موجة هائلة من الجسيمات.

تميل النيوترينوات عالية الطاقة إلى أن تولد ضمن تفاعلات بين الأشعة الكونية والأنوية الذرية، قبل أن تحصل على دفعة قوية من الحقول المغناطيسية في أعماق الكون.

لذلك توصل الباحثون إلى إحصاءات حول عدد النيوترينوات عالية الطاقة اللازمة كي تكون للهوائي فرصة جيدة لرصدها، وبحثوا ضمن بيانات أيس كيوب للعثور على أحداث محتملة قد تكون مسؤولة عن الأعداد الكبيرة للنيوترينوات.

تقول الفيزيائية أنستازيا باربانو من جامعة جنيف: «تجعل هذه العملية أيس كيوب أداةً مذهلةً لمتابعة عمليات الرصد التي يجريها الهوائي، لأنه كل حدث غير مألوف يكتشفه الهوائي، يجب على أيس كيوب أن يكتشف منه المزيد، لكننا في تلك الحالة لم نجد ذلك».

إذن ما التفسير؟ يجب أن نستوعب أنه حتى التجارب الأكثر احترافيةً والممولة جيدًا قد تكون عرضةً للأخطاء.

قبل أقل من عقد، تصاعد الحماس حول إمكانية العثور على النيوترينوات المتحركة أسرع من الضوء، واختُبِرت تلك النتيجة باستفاضة قبل اكتشاف خطأها.

تتوفر نسخة أولية من النتائج الجديدة حاليًا على موقع arXiv.org، مع تحديث مستمر لدورية الفيزياء الفلكية، إذ سيُخضِع المجتمع العلمي النتائج إلى تمحيص أعمق.

توجد بعض الاحتمالات المحيرة التي يمكننا النظر فيها حاليًا، ويمكننا أن نجرؤ على تخيل وجود تفسيرات خارج إطار الفيزياء المعروفة.

يقول بيزوتو: «استبعد تحليلنا التفسير النموذجي الوحيد المتبقي للأحداث الغريبة التي رصدها الهوائي، فإذا كانت هذه الأحداث حقيقية وليست بسبب شذوذات في الراصد، فقد تشير إلى فيزياء ما وراء النموذج القياسي».

أحد الاحتمالات هو أن المعجلات الكونية تضخ دفقات من النيوترينوات في أطر زمنية صغيرة جدًّا، يصعب استيعابها باستخدام التقنيات الحالية.

إذا كنا نرغب حقًا في تخطي الحدود فقد نفكر في دور المادة المظلمة، أو نتخيل أنواعًا جديدة من الجسيمات التي تتصرف مثل النيوترينوات عالية الطاقة، لكنها تتشكل بطرق أخرى.

هناك متسع كبير للأسئلة، ولا يزال بحثنا عن أسرار النيوترينو في مراحله الأولى، مع وجود الكثير لنتعلمه، يعلق العلماء الكثير من الأمل على النيوترينوات التي تقدم تطلعات لألغاز كبيرة قد تؤدي إلى فيزياء جديدة.

لا شك أن أيس كيوب والهوائي ANITA يبحثان عن المزيد من (الأشباح) المحيرة عالية الطاقة على أمل تحطيم حدود الفيزياء الحالية.

اقرأ أيضًا:

كيف يرى جسيم كمومي العالم ؟ أهمية الإطار المرجعي الكمومي للتناظرات في العالم

الكثير من كتلة البروتون يأتي من طاقة الجسيمات الموجودة داخله

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر