كيف يمكن لنظرية العالم أندري ساخاروف أن تغير نظرتنا عن نهاية الكون؟

لمحة عامة:

كل شيء في عالمنا مصنوع من الذرات وكل ذرة مصنوعة من ثلاثة عناصر رئيسية هي: النيوترون والبروتون والإلكترون. تمتلك البروتونات والنيوترونات نفس الكتلة تقريبًا ويتألف كل منهما من الكواركات (أو ما يسمى بالجسيمات دون الذرية).

تختلف النيوترونات عن البروتونات في أوجه عديدة فهي غير مستقرة أي عندما تكون حرة تتفكك إلى جسيمات أخرى (البروتون أو الإلكترون أو أنتينيوترينو من نوع الإلكترون) وهو ما يسمى بتحلل النيوترون ويمثل مشكلة في المفاعلات النووية بسبب الإشعاعات الناتجة عنه.

ماذا عن البروتونات؟

معظم المادة العادية في الكون تأتي في شكل بلازما هيدروجين وهي عبارة عن غاز ساخن مؤلف من إلكترونات وبروتانات منفصلة، ولو أن البروتونات قابلة للتفكك لكانت تلاشت هذه البلازما لكن البروتونات مستقرة للغاية على عكس النيوترونات سواء كانت حرة أو داخل الذرة.

لكن الفيزياء لا تتضمن أي قانون أساسي يمنع البروتون من التفكك، ووجود بروتون مستقر هو أمر استثنائي في فيزياء الجسيمات والعديد من النظريات المطروحة تتضمن مرحلة تفكك البروتون.

فإذا كانت البروتونات غير خالدة ماذا سيحدث لها عندما تموت؟ وما تأثير ذلك على مفهوم الاستقرار في الذرة؟

طبقًا لقوانين الحفظ أو المصونية في الفيزياء الأساسية، بعض المقادير الأساسية كالطاقة والزخم والشحنة الكهربائية هي مقادير مُصانة، أي أن المتحولات التي تمثل مقدارًا مصانًا في معادلةٍ ما هي متحولات ثابتة لها نفس القيمة قبل حدثٍ ما في النظام وبعده.

وبالجمع بين قانون مصونية الطاقة والمعادلة المشهورة في نظرية النسبية الخاصة التي تنص على أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء (E=mc2) نستنتج أن الجسيمات التي لها كتلة صغيرة لا يمكن أن تتحول إلى جسيمات ذات كتلة أعلى دون الحصول على طاقة من مصدر خارجي.

من جهة أخرى، فإن ربط قانون مصونية الطاقة مع قانون مصونية الشحنة الكهربائية يبين لنا أنه يُحتمل أن الإلكترونات دومًا مستقرة، إذ لم تُكتشف أي جسيمات سالبة الشحنة وكتلتها أقل من كتلة الإلكترون حتى يومنا هذا.

أما بالنسبة للبروتونات فإن كتلتها أكبر بكثير من عدد من الجسيمات كالإلكترونات وحقيقة أنها مصنوعة من الكواركات يسمح بتصور طرائق عديدة لكيفية موتها أو تفككها .

على سبيل المقارنة: يتفكك النيوترون إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو ويعرف هذا التفكك بتفكك بيتا والوقت اللازم لحصوله حوالي 15 دقيقة، وكلٌ من الطاقة والشحنة الكهربائية يخضعان لقانون المصونية في هذه العملية ، إذ إن النيوترون أثقل بمقدار صغير جدًا من البروتون والإلكترون مجتمعين، وشحنة البروتون الموجبة تعادل شحنة الإلكترون السالبة ما يجعل الشحنة الكهربائية الكاملة صفرًا قبل التفكك وبعده، وهو ما يضمن مصونية الشحنة الكهربائية. أما بالنسبة للنيوترينو أو الأنتينيوترينو (نسخة المادة المضادة) فهو ضروري لضمان التوازن وهو جسيم عديم الشحنة كتلته صغيرة للغاية و قيمتها قريبة جدًا من الصفر.

لم يشهد العالم حدثًا عن موت البروتون، ولأن الذرات مستقرة طبيعيًا فمن المحتمل أن البروتونات مستقرة أيضًا.

على الرغم من ذلك، أوضح البروفسور في الفيزياء من جامعة أوكلاهوما كالادي بابو أنه لا يوجد قانون لمصونية البروتون مثل قوانين المصونية التي ذكرناها سابقًا، لذا إن أردنا سؤال أنفسنا السؤال التالي: «هل يتحلل البروتون؟» فعلينا سؤال أنفسنا: «هل تحلل البروتون يعارض أي قانون من قوانين الفيزياء الأساسية؟». والجواب هو: كلا.

لا نظريات موحدة عظمى:

النظرية الموحدة العظمى (Grand Unified Theory) هي التي تنص على أن قوى الطبيعة كانت متحدة في بداية الزمن وهي إحدى نظريات الحقل الموحد التي تحاول توحيد ثلاث من القوى الرئيسية الأربعة في الطبيعة: القوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية، وذلك لا يتضمن الجاذبية لعدم امتلاكنا أي نظرية كمية عن طبيعتها.

الفشل في العثور على بروتونات متحللة يضع هذه النظرية في طي النسيان لأن البروتونات المتفككة تُعد أقوى تنبؤ قابل للاختبار للعديد من النظريات الموحدة العظمى.

أول نظرية موحدة طُرحت في عام 1970 تنبأت بأمور عدة بجانب أن عمر البروتون قصير بما يكفي لمشاهدة التفكك في التجارب في حين لم يُرصد ذلك، وبالتالي تعرضت للفشل. ولكن فكرة التوحيد الأعظم كانت مدهشة بما يكفي لجعل علماء فيزياء الجزيئات يتابعون أبحاثهم فيها.

يقول المحاضر جوناثان فينج، الفيزيائي بجامعة كاليفورنيا في إيرفين: «إن فكرة التوحيد الكبير جميلة حقًا وتفسر أشياء كثيرة تبدو وكأنها مصادفات غريبة».

يهتم فينغ بالنظريات الموحدة التي تتضمن التناظر الفائق، وهو فرع من فروع فيزياء الجسيمات يمكن أن يقدم تفسيرًا لمجموعة متنوعة من الظواهر، بما في ذلك المادة المظلمة غير المرئية التي تربط المجرات ببعضها البعض، وتتنبأ النظريات الموحدة فائقة التناظر ببعض التفاعلات الجديدة التي تعطي عمرًا أطول للبروتونات، ولكن تترك تحلل البروتون في عالم الاكتشاف التجريبي.

وبسبب الاختلافات بين النظريات الموحدة فائقة التناظر (super symmetric) وغير المتناظرة (asymmetric) يقول فينج إن درجة تفكك البروتون يمكن أن تكون أول دليل ملموس على التناظر الفائق، مع ذلك فإن التناظر الفائق ليس ضروريًا في النظريات الموحدة. والبروفسور بابو مغرم بهذه النظريات التي تتشارك العديد من مزايا الإصدارات فائقة التناظر.

الاسم التقني لهذه النظريات الموحدة هو SO 10 وسميت بهذا الاسم لأن بنيتها الرياضية تتضمن دورانًا في 10 أبعاد تخيلية وتتضمن النظرية ميزات مهمة غير موجودة في النموذج القياسي -وهو نوع من الجداول الدورية يتضمن الجسيمات التي تدخل في تركيب الذرات- مثل كتل النيوترينو وقد تفسر سبب وجود المادة المضادة أكثر من المادة العادية في الكون، وقد تتنبأ بتحلل البروتون.

البحث عن تحلل البروتون:

برهان الكثير من النظريات يعتد على إثبات تحلل البروتون، وليومنا هذا لم نشهد هذا الحدث. قد يكون السبب أن البروتونات نادرًا ما تتحلل، وهي فرضية أكدتها التجربة والنظرية، إذ تقول التجارب إن عمر البروتون يجب أن يكون أكبر من حوالي 1034 سنة! مع العلم أن عمر الكون يبلغ 13.8 مليار سنة فقط ، أي تقريبًا 1010 سنة. وبذلك سوف تعيش البروتونات في المتوسط أكثر من كل نجم ومجرة وكوكب حتى تلك التي لم تولد بعد.

وبسبب فيزياء الكم ، فإن الوقت الذي يتحلل فيه البروتون يكون عشوائيًا، لذا فإن جزءًا صغيرًا منه سوف يتحلل قبل فترة طويلة من 1034 عام.

لذا يقول فينج: «ما عليك القيام به هو تجميع عدد من البروتونات معًا لأن ذلك يؤدي إلى زيادة فرصة تحلل أحدها أثناء المشاهدة».

أما الخطوة الأساسية الثانية فهي عزل التجربة عن الجسيمات التي يمكن أن يحاكي تحللها تحلل البروتون لذلك يجب أن تكون أي تجربة واقعية لتحلل البروتون في عمق الأرض لعزلها عن الجسيمات العشوائية الخارجية وهذه هي الإستراتيجية التي تتبعها تجربة Super-Kamiokande حاليًا في اليابان، التي تتكون من خزان ضخم به 50000 طن من الماء في منجم.

وستتألف تجربة (Deep Underground Neutrino) القادمة التي ستقام في منجم ذهب سابق في جنوب داكوتا من 40 ألف طن من عنصر الأرجون السائل.

تستند التجربتان إلى أنواع مختلفة من الذرات وكلاهما حساس للطرق المختلفة التي قد تتحلل بها البروتونات، ما سيكشف أي النظريات الموحدة العظمى هو الصحيح، إذا كان أي من النماذج الحالية صحيحًا.

يقول فينج إن كلا من (Super-Kamiokande) و (DUNE) هما تجارب نيوترينو لكننا مهتمون بإمكانيات تحلل البروتون في هذه التجارب مثل اهتمامنا بالنيوترينو.

في نهاية الأمر ينبع مفهوم تحلل البروتون من المفاهيم العميقة لكيفية عمل الكون أساسًا، فإذا تحللت البروتونات، فمن النادر جدًا أن تتأثر أجسام البشر ولكن سوف يتأثر مفهومنا للكون ومعرفتنا عمومًا، وسيكون تأثير تلك المعرفة هائلًا.

اقرأ أيضًا:

ربما يحتوي البروتون جسيمًا أصغر وأثقل منه!

تجربة علمية تجد خليطًا من المادة والمادة المضادة داخل البروتون

ترجمة: نور حاتم

تدقيق: عثمان مرزوك

المصدر