منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، اعتقد الفلكيون أن القمر تشكل نتيجة تصادم بين الأرض وكوكب أولي قديم يقارب المريخ حجمًا، يسمى «ثيا».

افترض الفلكيون أن هذا الاصطدام الكبير خلق حطامًا هائلًا تشكّل منه القمر ببطء على مدى آلاف السنين.

يبدو أن هذا الاعتقاد السائد منذ عقود قد انتهى أمره، إذ ظهرت فرضية جديدة تستند إلى محاكاة حاسوبية أُجريت بدقة غير مسبوقة.

تشير الفرضية الجديدة إلى أن تشكل القمر لم يكن عملية بطيئة وتدريجية استغرقت آلاف السنين، بل حدثت في غضون بضع ساعات.

يقول جاكوب كيجيريس، عالم الكونيات الحسابية في جامعة دورهام: «استنادًا إلى خبرتنا، يصعب توقع مدى الدقة المطلوبة لمحاكاة هذا الاصطدام الهائل والمعقد، بدرجة تسمح بإنشاء قاعدة موثوقة من الحقائق، على هذا تجب مواصلة التجريب حتى نبلغ أقصى قدر ممكن من الدقة، وعندها يمكننا إعلان النتائج».

الأدلة الأولى حول تشكل القمر، حصل عليها العلماء بعد عودة بعثة أبولو 11 عام 1969، إذ أحضر رواد الفضاء نحو 21.6 كيلوغرامًا من الصخور والغبار القمري إلى الأرض.

كشفت الاختبارات على هذه العينات أن تاريخها يعود إلى نحو 4.5 مليار سنة مضت، ما يعني أن عملية تشكل القمر حدثت بعد نحو 150 مليون سنة من تشكّل النظام الشمسي.

وأشارت الأدلة إلى تشكّل القمر نتيجة لتصادم هائل بين الأرض وكوكب افتراضي، أطلق عليه العلماء اسم «ثيا»، إلهة القمر في الأسطورة الإغريقية.

تتضمن الأدلة وجود تشابه في تكوين صخور القمر والأرض، إضافةً إلى التماثل في اتجاه دوران الأرض ومدار القمر، والزخم الزاوي العالي المُشترك للجسمين، ووجود أقراص الحطام في مواقع أخرى من نظامنا الشمسي.

لكن كيف حدث هذا الاصطدام؟

تشير الفرضية القديمة إلى أن اصطدام ثيا بالأرض، حطم ثيا إلى ملايين القطع، ما أدى إلى تحويلها إلى أنقاض تسبح في الفضاء.

ببطء شديد، تجمعت بقايا حطام ثيا مع الغاز وبعض الصخور الناتجة من الأرض بسبب الاصطدام، في شكل كرة من المواد المنصهرة التي اندمجت وبردت على مدى ملايين السنين، مشكلةً القمر.

لدراسة السيناريوهات المُحتملة المختلفة لتكون القمر، اعتمد الباحثون في دراستهم الجديدة على برنامج حاسوبي يسمى (SWIFT)، صُمِم لمحاكاة الشبكة المعقدة دائمة التغيّر من قوى الجاذبية والهيدروديناميكية التي تعمل على كميات كبيرة من المادة.

إجراء محاكاة كهذه بدقة ليس بالمهمة الحسابية البسيطة، لذلك استخدم العلماء نظام الحاسوب الفائق (COSMA)، في قسم الحوسبة المتقدمة التابع لجامعة دورهام.

باستخدام النظام لمحاكاة مئات الاصطدامات بين الأرض وثيا بزوايا واتجاهات دوران وسرعات مختلفة، تمكن الباحثون من نمذجة آثار الاصطدام الفلكية بدقة أعلى من أي وقت مضى.

تعتمد النتائج على عدد الجسيمات التي تستخدمها عملية المحاكاة. بالنسبة إلى التأثيرات العملاقة فإن دقة المحاكاة القياسية عادة ما تكون بين مئة ألف ومليون جسيم، أما في الدراسة الجديدة فقد استطاع الفريق بلوغ 100 مليون جسيم.

يقول كيغيريس: «يمكّننا بلوغ دقة عالية في البحث من دراسة المزيد من التفاصيل، يشبه ذلك التلسكوب، فكلما تطور التلسكوب سمح لنا بالتقاط صور أدق لكواكب ومجرات بعيدة، وسمح لنا باكتشاف تفاصيل جديدة. إن استعمال دقة منخفضة في المحاكاة قد يعطي إجابات مضللة أو خاطئة».

تبين المحاكاة عالية الدقة تكون القمر من حطام ثيا ومن الصخور الناتجة من الأرض بسبب الاصطدام في غضون ساعات، ما يقدم نظرية تكوين أحادية المرحلة، تمدنا بتفسير واضح للخصائص المرئية للقمر، مثل مداره الواسع المائل وقشرته الرقيقة.

مع هذا، من أجل التوصل إلى تفسير دقيق لكيفية تجمع هذه المواد معًا ما أدى إلى تشكل القمر، يحتاج الباحثون إلى فحص عينات الصخور والغبار المستخرجة من أعماق القمر، وذلك من مهام بعثة آرتميس التابعة لناسا.

قال كيجيريس: «قد يكون الحصول على مزيد من العينات من سطح القمر مفيدًا للغاية من أجل التوصل إلى تفسيرات أدق حول تشكل القمر، يمكن استخدامها في نماذج المحاكاة».

«تساعدنا هذه البعثات والدراسات على استبعاد المزيد من الاحتمالات، من أجل التوصل إلى تصورات أكثر تحديدًا حول تشكل كل من القمر والأرض، ومعرفة المزيد عن كيفية تكون الكواكب في نظامنا الشمسي وسواه، وقد تُلقي الضوء أيضًا على كيفية تحول الأرض إلى كوكب صالح للحياة».

قال المؤلف المشارك في الدراسة، أستاذ الفيزياء في جامعة دورهام فينسنت إيكي: «بتعلم المزيد عن نشأة القمر، نكتشف المزيد عن تطور أرضنا، فتاريخهما المتشابك قد يساعدنا على معرفة أسرار تشكل كواكب أخرى، تغيرت نتيجة تصادمات مشابهة».

اقرأ أيضًا:

رصد أحد أثقل العناصر الكيميائية في الغلاف الجوي لكوكب خارجي

مركبة ناسا «بيرسفيرنس» تبدأ البحث عن الحياة على سطح المريخ

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر