تشكيل الوقود الأحفوري؛ هل سيكون المفتاح لأكسجين الغلاف الجوي؟


تشكل الصخر الرسوبي (الغُضاري) في الصورة أعلاه منذ أربعمائة وخمسين سنة مضت، يحتوي على أحافير ثلاثية الفصوص أو المِفصل (الترايلوبايت)، وغيرها من المواد العضوية، والتي عن طريق إزالة الكربون من سطح الأرض ساعدت في دعم زيادة الأكسجين في الغلاف الجوي.

بالنسبة لتطور الحيوانات لا شيء (باستثناء الحمض النووي) يمكن أن يكون ذا أهمية أكثر من الأكسجين في الغلاف الجوي.

يسمح الأكسجين بالتفاعلات الكيميائيّة التي تستخدمها الحيوانات للحصول على الطاقة من الكربوهيدرات المُخزنة من الغذاء. ذلك أنه ليس من قبيل الصدفة أن الحيوانات ظهرت وتطورت خلال فترة «الانفجار الكامبري»، والتي تزامنت مع ارتفاع حاد في أكسجين الغلاف الجوي قبل حوالي خمس مئة مليون سنة.
وظهرت معظم النماذج الحيوانية الحالية خلال هذه الفترة؛ «الانفجار الكامبري».

تؤدي عملية التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء إلى فصل ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى الأكسجين الجزيئي (الذي يُبعث إلى الغلاف الجوي)، والكربون (الذي يُخزن على شكل كربوهيدرات).

وكانت عملية التمثيل الضوئي بالفعل قبل بليوني سنة ونصف على الأقل؛ لذا ما الشيء الذي كان مسؤولًا عن الارتفاع المفاجئ في الأكسجين خلال فترة الانفجار الكامبري؟

تربط دراسة حالية، صدرت في عدد فبراير على الإنترنت من «الأرض وعلم الكواكب» الزيادة في الأكسجين إلى الزيادة السريعة في دفن الرسوبيات، والتي تحتوي على كميات كبيرة من المواد العضوية الغنية بالكربون. يقول المؤلِف المشارك بيترز شانن (Shanan Peters) في دراسة له، وهو أستاذ العلوم الجيولوجية في جامعة ويسكونسن ماديسون (Wisconsin-Madison)، يقول بأن المفتاح هو الاعتراف بأن تخزين الرسوبيات يمنع أكسدة الكربون.

إذ بدون دفن هذه الرسوبيات، يؤدي تفاعل أكسدة المواد النباتية الميتة على سطح الأرض إلى حرقها؛ بسبب الكربون الذي تحتوي عليه، والذي نشأ في الغلاف الجوي ليرتبط مع الأكسجين ليشكل ثاني أكسيد الكربون وبالتالي الأكسجين في الغلاف الجوي؛ لذا يجب حماية المواد العضوية النباتية من الأكسدة.
وهذا ما يحدث بالضبط عندما تُدفن المواد العضوية (المواد الخام من الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، من خلال العمليات الجيولوجية.

ولبناء هذه القضية قام بيترز وزميله بعد مرحلة الدكتوراة جون هوسن (Jon Husson) باستخراج مجموعة بيانات فريدة من نوعها تسمى ماكروسترات «Macrostrat»؛ وهي تراكم للمعلومات الجيولوجية في أمريكا الشمالية، والتي دبر بيترز لبنائها منذ عشر سنوات.

تشير الرسوم البيانية الموازية للأكسجين في الغلاف الجوي وفي الرسوبيات المدفونة بالاستناد إلى تكوين الصخور الرسوبية إلى وجود علاقة بين الأكسجين والرسوبيات، ويظهر كلا الرسمان البيانيان أصغر ذروة كانت منذ 2.3 مليار سنة، وأكبر ذروة تقريبا منذ خمسمائة 500 مليون سنة.

يقول هوسن: «إنها علاقة متبادلة، لكن لدينا دليل بأن هناك اتصالات آلية أو ميكانيكية بين الجيولوجيا وتاريخ أكسجين الغلاف الجوي. عندما تُخزِّن المواد الرسوبية والتي تحتوي على المواد العضوية التي تشكلت خلال عملية التمثيل الضوئي، والتي حولت بدورها ثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية، وأطلقت غاز الأكسجين في الغلاف الجوي؛ فدفن الرسوبيات يزيل الكربون من سطح الأرض ويحول دون ارتباط الأكسجين الجزيئي المسحوب من الغلاف الجوّي.»
بعض الزيادات في دفن الرسوبيات التي حددها بيترز وهوسن تزامنت مع تكوين حقول شاسعة من الوقود الأحفوري والتي لا تزال ملغومة إلى يومنا هذا، بما في ذلك حوض بيرميان الغني بالنفط في ولاية تكساس، وحقول الفحم آبالاشيا في بنسلفانيا.

يقول بيترز: «دفن الرسوبيات والتي أصبحت وقودا أُحفوريًا كانت هي مفتاح الحياة الحيوانية المتقدمة على الأرض»، مشيرا إلى أن الحياة متعددة الخلايا هي من نتائج «الانفجار الكامبري» إلى حد كبير.

إن حرق بلايين الأطنان من الكربون المخزن في الوقود الأحفوري اليوم يُزيل كميات كبيرة من الأكسجين من الغلاف الجوي، وعكس النمط الذي قاد إلى الارتفاع في الأكسجين في الغلاف الجوي، وهكذا مستوى الأكسجين في الغلاف الجوي يقل كلما ارتفع تركيز ثاني أكسيد الكربون.

وتعكس البيانات حول أمريكا الشمالية في ماكروسترات عمل الآلاف من علماء الجيولوجيا على مدى أكثر من قرنٍ. وتهم الدراسة الحالية أميركا الشمالية فقط، إذ لا توجد قواعد بياناتٍ شاملةٍ بشأن الثمانين بالمئة المتبقية من سطح الأرض القارية.

ولا يزال السبب الجيولوجي المطلق لزيادة تخزين الرسوبيات والذي شجع على زيادة نسبة الأكسجين غامضا. ويستأنِف هوسن الكلام قائلًا: «إن هناك العديد من الأفكار لشرح المراحل المختلفة لتركيز الأكسجين. إننا نشتبه في أن التغييرات العميقة الجذور في حركة الصفائح التكتونيّة أو التوصيل للحرارة أو تداولها في عباءة الأرض ربما تؤدي دورًا، ولكن لا نملك تفسيرا في هذه المرحلة.»

وفي مسألة الكتلة من غضار أحافير الترايلوبايت المدروسة في الحقبة الأوردوفيشية، والتي تشكلت قبل حوالي أربعمئة وخمس ملايين سنة؛ يتساءل بيترز: «لماذا يوجد الأكسجين في الغلاف الجوي؟ تفسير المدرسة الثانوية هو: «التمثيل الضوئي»، ولكن نحن على علم أنه منذ فترة طويلة وبالعودة إلى جيولوجي ولاية ويسكونسن (ورئيس جامعة ويسكونسن) توماس شرودر تشامبرلين (Thomas Chrowder Chamberlain)؛ فإن بناء الأكسجين يتطلب تشكيل صخور مثل الصخر الرسوبي (الغضار) المُبين أعلاه في الصورة، والذي يمكن أن يكون غنيًّا بما يكفي من الكربون ليقوم بعملية الحرق فعليا. جاء الكربون العضوي في هذا الصخر من الغلاف الجوي من خلال عملية التمثيل الضوئي، ودفنه والمحافظة عليه في هذا الصخر حرر الأكسجين الجزيئي.»

ما هو الجديد في الدراسة الحالية؟ يقول هوسن إن الجديد هو القدرة على توثيق هذه العلاقة في قاعدة بيانات واسعة تغطي عشرين بالمئة من مساحة اليابسة على الأرض.

دفن الكربون المستمر ضروري للحفاظ على ضخ ما يكفي من الأكسجين للغلاف الجوي. طرق عديدة على سطح الأرض، كما لاحظ هوسن (مثل أكسدة الحديد (الصدأ)) تستهلك الأكسجين الحر. يقول: «سر وجود الأكسجين في الغلاف الجوي هو إزالة جزء صغير جدًّا من الكتلة الحيوية الحالية، وعزلها في طبقات الرسوبيات. وهذا ما حدث عندما ترسب الوقود الأحفوري.»


ترجمة: نور المجالي
تدقيق: إسماعيل الحسناوي

المصدر