كشفت نتائج بيانات مسح السماء بالإشعاعات الراديوية عن ارتداد الضوء حول بعض الثقوب السوداء بطريقة غريبة. هذه الثقوب السوداء تتميز بكونها صغيرةً سنًا وكبيرةً حجمًا وتقبع في مجرات بعيدة عنا.

يشكل الغاز والغبار والنجوم -مثل نجمنا الشمس- نسبةً كبيرةً من مكونات المجرات التي هي أجسام فضائية كبيرة تمتد على مسافة عشرات الآلاف من السنوات الضوئية.

يمكن تخيل كمية الضوء المنبعثة من مجرات بهذا الحجم الضخم، تلك التي تتغير ببطء وثبات على مدار سنوات طويلة نسبيًا تفوق أحيانًا متوسط عمر الإنسان.

وجدت دراسة حديثة تجمعات هائلةً من المجرات تستطيع تغيير ضوئها بسرعة كبيرة وفي سنوات معدودة، ونشرت هذه الدراسة في مجلة Monthly Notices التابعة جمعية الفلك الملكية في بريطانيا.

ما هي المجرة الراديوية؟

يعتقد العلماء أن في مركز كل مجرة نعرفها يقبع ثقب أسود ضخم. معظم هذه الثقوب نشط ويبعث الكثير من الإشعاع نحو الكون.

تجذب المجالات المغناطيسية القوية لهذه الثقوب المزيد من المادة الموجودة في الأجرام والفضاء المحيط بها ثم تشتت هذه المادة وتجزئها لتشكل ما يعرف بالقرص المزود للثقب الأسود والذي يشبه القرص الدائري المكون أساسًا من البلازما الساخنة.

يدور هذا القرص بسرعة تقترب من سرعة الضوء. وبالتزامن مع ذلك، تحرك المجالات المغناطيسية الجسيمات عالية الطاقة لكي تدور بسرعات فائقة، وتخرج هذه الجسيمات في شكل انفجارات نفاثة سريعة من محاور الثقب الأسود. وكلما ابتعدت هذه الانفجارات عن الثقب الأسود نفسه، اتخذت هذه الانفجارات شكلًا أكبر من مجرد النفاثات، تشكل هذه الانفجارات شكل السحب الفطرية او ما يعرف باسم الفصوص المجرية.

يسمي العلماء هذا البناء الفضائي المكون من الثقب الأسود وفصوصه المجرية باسم المجرة الراديوية، والسبب في هذه التسمية يرجع إلى نسبة الإشعاع الكثيفة التي تنبعث منها. قد يبلغ قطر هذه المجرة مئات أو آلاف أو حتى ملايين السنين الضوئية وقد يستغرق الأمر حقبًا زمنيةً طويلةً قبل أن نشعر ببعض التغيير الذي يطرأ عليها.

كثيرًا ما تساءل العلماء عن السبب الذي يجعل بعض المجرات الراديوية تحتوي على فصوص بالغة الضخامة بينما تحوي مجرات أخرى فصوصًا أصغر حجمًا. واستنتج العلماء تفسيرين لهذا الوضع الغريب، يفسر العلماء ذلك بأن هذه الانفجارات النفاثة، ويشار إليها بالفصوص المشتتة، تبقى حول الثقب الأسود بالقوة الجذبوية للمادة الكثيفة التي تشكل الثقب الأسود.

تصرفات بعض الثقوب السوداء اليافعة تصيب العلماء بالحيرة - ارتداد الضوء حول بعض الثقوب السوداء بطريقة غريبة - ما هي المجرات الراديوية

على الرغم من ذلك، تبقى التفاصيل حول هذه الظاهرة غامضةً وغير واضحة علميًا. ومن غير المعروف أيضًا ما إذا كانت هذه الفصوص تظل حول الثقب الأسود بفعل طاقة الجذب المشار إليها سابقًا، أم إنها تندفع خارجًا ببطء بفعل ضغط البيئة المحيطة بالثقب الأسود.

أما التفسير الثاني فيفيد بأن هذا الاختلاف بين المجرات يرجع إلى تشكل الانفجارات النفاثة بحجم صغير ولا تمتلك غالبًا الوقت الكافي لكي تمتد عبر مساحات واسعة بعيدًا عن الثقب الأسود.

بين الأحمر والأزرق، اختلفت أعمار هذه المجرات الراديوية.

يمكن تحديد عمر المجرات الراديوية باستخدام أحدث تقنية وهي تحديد اللون الإشعاعي لها.

بتحليل البيانات المأخوذة من المرصد المجري وما بعد المجري جليم GLEAM ، تمكن العلماء من تحديد عمر المجرات فظهر أصغرها عمرًا باللون الأزرق وهو ما يعني أنها أكثر لمعانًا باستخدام الإشعاعات الراديوية العالية. وظهرت المجرات الأكبر عمرًا باللون الأحمر فيدل ذلك على أنها أكثر لمعانًا في الإشعاعات الراديوية المنخفضة. يُذكر أن مرصد جليم يمسح السماء باستخدام 20 ترددًا إشعاعيًا مختلفًا مانحًا علماء الفلك نظرةً أشمل على السماء.

استطاع العلماء تحديد نحو 554 مجرةً راديويةً صغيرةً عمرًا. وحين قارنوها ببيانات العام الماضي، اكتشفوا 123 مجرةً لم تكن بنفس اللمعان الذي ظهرت به هذا العام، وهو ما وضع العلماء أمام معضلة أخرى تحتاج إلى تفسير.

وبما أنه من المستحيل علميًا أن تكون المجرة الصغيرة التي يبلغ قطرها سنةً ضوئيةً واحدةً قد اختلف لمعانها بسرعة في أقل من عام واحد دون أن تخرق قوانين الفيزياء، كان تفسير العلماء هو إما أن تكون هذه المجرات أصغر بكثير مما توقعنا، أو أن شيئًا آخر يحدث ولم يتمكن العلم من معرفة ماهيته.

اكتشف العلماء أن أبحاثهم السابقة رصدت عددًا قليلًا من المجرات وكانت تستخدم نوعًا واحدًا من الترددات الراديوية المعمول به في معظم التلسكوبات. أما عند إجراء هذا البحث، مسح العلماء 32 ألف مجرة عبر عام كامل باستخدام إشعاعات راديوية مختلفة، وهو ما جعل العلماء يتوصلون إلى الفرق في الأبحاث السابقة وهذا البحث الذي وصفوه بأنه أول مسح طيفي شامل للسماء.

من المثير للدهشة، أن بعض المجرات اليافعة غيرت من لمعانها بين عام وآخر، وهو ما جعل العلماء يشككون في عمر المجرة لكنهم فسروا هذا التغيير بأنه ربما تميل هذه المجرات إلى الوصول إلى عمر أكبر بأسرع مما توقعوا.

غيرت نحو 51 مجرةً من لمعانها ولونها في كل مرة يمسح فيها العلماء السماء باستخدام الإشعاعات الراديوية المختلفة، وهو ما عده العلماء إشارةً إلى السبب في ظهور هذا الاختلاف الكبير بين المجرات، في حين ظلت مجرات أخرى دون أن يحدث لها أي تغيير.

افترض العلماء ثلاثة احتمالات علمية لذلك:

 ظاهرة التلألؤ:

حينما يسافر ضوء النجوم عبر الغلاف الجوي للأرض، يتشتت الضوء وتعرف هذه الظاهرة باسم (التلألؤ) وهي ما تجعل النجوم تومض في سماء الليل. وكذلك الحال مع هذه المجرات، التي يسافر ضوؤها عبر مجرة درب التبانة لكي يصل إلى التلسكوبات على الأرض.

ولهذا يبدو أن الغاز والغبار الموجودين في مجرتنا شتتوا ضوء المجرات متسببين في حدوث نفس ظاهرة التلألؤ.

 التحديق مباشرةً في الفوهة:

في عالم ثلاثي الأبعاد مثل عالمنا، ترسل الثقوب السوداء جسيمات عالية الطاقة مباشرةً نحو الأرض. وتسمى هذه المجرات الراديوية بالنجوم الزائفة المتوهجة.

وبدلًا من رؤية الانفجارات النفاثة الطويلة والفصوص المجرية، كل ما نراه هو نجوم زائفة متوهجة كنقطة لامعة متوهجة وصغيرة. وتُظهر هذه النجوم اختلافًا كبيرًا في لمعانها على مدار فترات زمنية قصيرة، بسبب اندفاع المادة خارج الثقب الأسود وتوجهها مباشرةً إلينا.

 هل تتجشأ الثقوب السوداء؟

بالطبع عندما يطلق الثقب الأسود العملاق أي جسيمات إضافية تشكل هذه الجسيمات تكتلات تسافر بالتوازي مع الانفجارات النفاثة. هذه التكتلات هي أول ما يمكن رصده من الثقب الأسود حيث يظهر في الإشعاعات الراديوية الزرقاء ثم الحمراء.

ولهذا يسهل علينا رصد تجشؤات هذه الثقوب السوداء وهي تسافر عبر الفضاء.

ماذا بعد هذا المسح الطيفي الشامل؟

ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي نمتلك فيها القدرة التكنولوجية لتنفيذ هذا المسح السماوي الكبير باستخدام إشعاعات راديوية مختلفة الألوان. وتقترح النتائج أن فهمنا للسماء ما يزال قاصرًا في مجال الإشعاع الراديوي وربما تكون المجرات الراديوية أكثر نشاطًا مما توقعنا.

وبما أن هناك المزيد من التلسكوبات الراديوية التي تُبنى حاليًا، كمصفوف الكيلومتر المربع الجديد، يتوقع العلماء أنه باستخدام مثل هذه التلسكوبات سوف تُوضع صورة أكثر وضوحًا عن السماء.

اقرأ أيضًا:

هذا ما سيبدو عند مشاهدة مركز مجرة بواسطة أشعة الراديو

وأخيرًا حدد العلماء مصدر أحد التدفقات الراديوية الكونية الغامضة

ترجمة: هبة الحارس

تدقيق: حسام التهامي

المصدر