ربما كان الانفصال السياسيّ لبريطانيا عن اوروبا والمسمى (بريكسيت-Brexit) قد ظهر بشكل كبير في العناوين الرئيسيّة العام الماضي، إلّا أنّ هذا الانفصال له تاريخ أكثر عمقًا، بدأ ذلك قبل حوالي 450.000 عام.

في ذلك الوقت، كانت بريطانيا متصلة ببقية القارة الأوروبية عبر جسر بريّ ضخم يمتد من البر الرئيسي البريطاني إلى فرنسا.

إلى أن بدأت الشلالات الجليدية تتدفق على هذه القناة البريّة الهشة، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف لسيل من الفيضانات الكارثية.

وقال عالم الأرض (سانجيف غوبتا-Sanjeev Gupta) من كلية امبريال لندن في حديث له مع المراسل (نيكولا ديفيس-Nicola Davis) من صحيفة (الجارديان-The Guardian): «لقت أتاحت سلسلة من الأحداث الجيولوجيّة الفرصة لبريطانيا لتصبح جزيرة»، وأضاف: «لو لم تقع تلك الأحداث، لكان تاريخ بريطانيا مختلفًا».

قام فريق (غوبتا-(Gupta بتحليل بيانات قاع البحر التي جمعت من سفن الأبحاث في القناة الإنجليزية، والمياه بين إنجلترا وفرنسا، وتحديدًا قاع البحر تحت مضيق دوفر -أضيق جزء من القناة، بين مدينتي دوفر في إنكلترا وكاليس في فرنسا.

مما يميز هذا الممر الواقع بين إنجلترا وفرنسا، هو عدد من الثقوب الضخمة في قاع البحر، والبالغ قطرها عدة كيلومترات، وتمتد إلى قاع البحر حتى عمق 100 متر تقريبًا (328 قدما).

هناك سبعة من ثقوب الغطس العملاقة هذه على امتداد قاع البحر بين مدينتيّ دوفر وكاليه، والتي لم يعرف سبب تكونها حتى الآن.

وفقًا لتحليل الفريق، فإنّ هذه الأخاديد الضخمة هي الآثار التي تسبب بها الطوفان العظيم، والذي أدى لنحت معبر أرضي ممتد بين بريطانيا وأوروبا، حُجزت المياه بداخله فأحدثت ما يطلق عليه اليوم بحر الشمال.

قال (جيني كولير-Jenny Collier) أحد اعضاء الفريق في بيان صحفي: «استنادًا إلى الادلّة التي وجدناها، نعتقد أنّ مضيق دوفر قبل 450.000 سنة كان من شأنه أن يكون قمة جبل ضخم من الطباشير، التي تضم بريطانيا الى فرنسا، فيما يشبه سهول سيبيريا الجليدية بعكس ماهي عليه الآن من بيئة خضراء».

فتخيل معي سهلًا ابيضًا من قمم الجبال البيضاء تنساب من فوقها الشلالات فتغمر جروف الطباشير الأبيض في منحدرات دوفر الشهيرة والتي كانت لتمتد لحوالي 32 كم بين بريطانيا وفرنسا، وبارتفاع 100 متر.

اما المنطقة التي تعرف اليوم باسم بحر الشمال، كانت بحيرة جليدية ضخمة مشكلة صفيحة جليدية ضخمة ممتدة من بريطانيا إلى الدول الاسكندنافيّة.

يقول كولير: «مازلنا لا نعرف على وجه اليقين لماذا انقسمت البحيرة البرغلاسية.

ربما جزء من الصفيحة الجليدية انكسر وانهار في البحيرة، ما تسبب في إحداث موجة ضخمة غمرت جبل الطباشير محدثة تلك الشلالات».

ويقول الفريق أنّ هناك نوعًا من الفيضانات الكارثية التي قد تكون نجمت عن نشاط زلزالي قبل 160.000 عام والتي ساعدت في نهاية المطاف على نحت المعبر البريّ.

يقول كولير: «بجانب الضعف الكارثيّ للتلال ربما الهزّات الأرضية التي لاتزال سمة هذه المنطقة إلى اليوم، زادت من ضعف التلال ماتسبب في انهيار الطباشير والأفراج عن الفيضان العظيم، الذي وجدنا ادلة عليه في دراستنا».

يقر الباحثون بحاجتهم لإجراء المزيد من الدراسات لتثبيت فرضياتهم وتوفير جدول زمنيّ أكثر دقة للأحداث.

وللقيام بذلك، يعتزمون جمع عينات الرواسب من برك الغطس لمعرفة المزيد عن توقيت التعرية.

ليس من السّهل القيام بهذا، فتغييرات المدّ والجزر في مضيق دوفر نشطة جدًا، بالإضافة إلى أنّ الممر يعتبر الأكثر ازدحامًا بسفن الشحن في العالم.

واخيرًا قال غوبتا في حوار له مع نيكولاس في صحيفة نيويورك تايمز: «من الصعب جدًا اقناع قادة السفن بالقيام بذلك»، ويضيف: «يجب أن اقول انّنا نعرف عن المريخ أكثر مما تعرفه الغواصات الجيولوجية عن تلك المنحدرات القاريّة حول العالم».


الترجمة: يوسف الدسوقي حسان
تدقيق: خليل حسن
تحرير: محمد سمور
المصدر