يُثار الكثير من الجدل حول الحواسيب الكمية لأسباب منطقية كثيرة.

الحواسيب المستقبلية ستصمم بغرض محاكاة ما يحدث في الطبيعة على المستوى المجهري، بمعنى أنها ستملك قدرةً أفضل على تفسير العالم الكمي، وتعجيل اكتشاف مواد جديدة بما فيها المواد الطبية، والمواد الكيميائية صديقة البيئة وغيرها.

لكن الخبراء يعتقدون أن الحواسيب الكمية التي يمكن الاعتماد عليها لن تتوفر قبل عقد من الزمن أو أكثر. فما الأمر الذي يعمل عليه الباحثون في الوقت الحالي؟

تصف دراسة جديدة تقودها جامعة كالتك نشرت في مجلة ساينس الشهيرة، أساليب تطويع برامج تعلم الآلة العاملة على الحواسيب التقليدية بغرض إصدار تنبؤات عن المنظومات الكمية، وبذلك قد تساعد الباحثين على حل بعض من أعقد المعضلات الفيزيائية والكيميائية. وعلى الرغم من إثبات تلك الفكرة عمليًا من قبل، لكن التقرير المنشور حديثًا يعد الأول من نوعه الذي استطاع إثبات ذلك رياضيًا.

يقول الناشر الرئيس للبحث هسين يوان -روبرت- هوانج، طالب الدراسات العليا العامل مع جون بريسكل أستاذ الفيزياء النظرية في معهد ريتشارد بي فيمان:

«الحواسيب الكمية مثالية في حل الكثير من أنواع المشكلات الفيزيائية، وفي علوم المواد أيضًا. لكننا لم نصل بعد لمستوى التقنيات المطلوب، وفوجئنا حين اكتشفنا أن الطرق التقليدية لتعلم الآلة يمكن استخدامها في الوقت الحالي. الغرض النهائي من هذه الورقة البحثية إظهار ما يمكن للبشر تعلمه عن عالمنا الملموس».

يتحول العالم الملموس على المستوى المجهري إلى مكان شديد التعقيد محكوم بقوانين الفيزياء الكمية. فقد تخضع الجسيمات في هذا النطاق لحالة تراكب؛ بمعنى أن تكون في حالتين مختلفتين معًا. وفي الغالب تسبب حالة تراكب الجسيمات حدوث ما يُعرف بالتشابك الكمي؛ وهي ظاهرة ترتبط فيها الجسيمات معًا من دون أي اتصال بينهما على الإطلاق. يصعب بشدة تمثيل هذه الحالات والظواهر العجيبة رياضيًا، على الرغم من انتشارها في المواد الطبيعية، والمصنعة.

يقول هوانج: «التنبؤ بحالة المادة في مستويات طاقة منخفضة عمل شديد الصعوبة. إذ تتجمع أعداد هائلة من الذرات معًا علاوة على تراكب الذرات، وتشابكها. فلا يمكن كتابة معادلة رياضية تصف كل ذلك».

تُعد الدراسة الجديدة أول تمثيل رياضي يمكن لبرامج تعلم الآلة استخدامه للربط بين عالم الكم، وعالمنا الملموس.

برامج تعلم الآلة هي تطبيقات تحاكي أسلوب المخ البشري في بناء المعرفة من المعلومات المتاحة له.

يقول بريسكل: «نحن كائنات تقليدية تعيش في عالم كمي. عقولنا وحواسيبنا بنيت على الفيزياء التقليدية، وهذا يحد قدراتنا على فهم حقيقة عالم الكم، أو التفاعل معه».

ومع أن دراسات سابقةً أوضحت أن تطبيقات تعلم الآلة قد تملك القدرة على حل بعض المشكلات الكمية، لكنها تعمل بطرق يصعب بها على الباحثين فهم كيفية توصل الآلات إلى تلك الحلول.

يقول هوانغ: «عادةً بالنسبة لمسائل تعلم الآلة، نحن لا نعرف كيف توصلت الآلة إلى الحل، فهي صندوق أسود. لكننا الآن استطعنا معرفة ما يجري في الداخل مبدئيًا بواسطة المحاكاة الرقمية».

أجرى هوانغ وزملاؤه العديد من المحاكيات الرقمية المعقدة بالتعاون مع مركز أمازون لخدمات الشبكات المخصص بالحوسبة الكمية في جامعة كالتك، التي أيدت نتائجهم النظرية بالفعل.
ستساعد الدراسة الجديدة العلماء على تكوين فهم أفضل للطبيعة الكمية وتحديد أوجهها المعقدة والمثيرة في آن.

يفسر بريسكل: «كان القلق يتمحور دائمًا حول صعوبة فهم ما يبتكره الناس في المعمل من حالات كمية جديدة. لكننا الآن نستطيع الحصول على بيانات تقليدية معقولة لتفسر ما يحدث فعلًا. ولن تقدم لنا الآلات الإجابة الجاهزة فحسب -مثل العراف- بل سترشدنا للتوصل إلى فهم أعمق».

يعلق فيكتور ف. ألبرت الفيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، والفائز بمنحة دوبريدج لأبحاث ما بعد الدكتوراة في كالتك، والمشارك في نفس الدراسة: «أكثر ما يثير حماستي في هذه الدراسة هو اقترابنا من عمل أداة تساعد الناس على فهم تفاصيل ما يجري لمادة في حالة كمية معينة، دون الحاجة لمعرفة الكثير عن تلك الحالة الكمية مسبقًا».

ستتفوق الآلات المعتمدة على ميكانيكا الكم لا محالة على الحواسيب التقليدية كما يؤكد العلماء. نشر هوانغ وبريسكل وزملاء لهم في دراسة بتاريخ 10 يونيو 2022 تقريرًا باستخدام معالج سيكامور من جوجل وهو حاسوب كمي، وذلك لإظهار أن تعلم الآلة الكمي سيتفوق على الطرق التقليدية.

يقول هوانغ: «نحن لا زلنا في بداية الطريق، لكننا متأكدون أن تعلم الآلة الكمي سوف يصبح الأكثر كفاءةً في نهاية المطاف».

اقرأ أيضًا:

تحقيق رقم قياسي جديد في الحفاظ على التشابك الكمي بين فوتونات

تجربة جديدة قد تفتح الأفق أمام حل أحد أهم التحديات في مجال الحوسبة الكمية

ترجمة: أحمد أسامة أبوحليمة

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر