أُجري تعديل على طريقة تدريس المنهاج لطلاب المدارس في مقاطعة أونتريو في كندا، إذ أُضيفت مادة خاصة لتعلم البرمجة أو الترميز بدءًا من شهر سبتمبر.

وصف المختصون في تدريس مواد الحاسوب، والعاملون في قطاع البرمجة، الإضافة الجديدة على المنهاج بأنها مادة متعلقة بالبرمجة ككل، وليس بالترميز فقط؛ لأن كتابة سطور الكود ليست سوى البداية في هذا العلم.

يأتي قرار المسؤولين عن التعليم في مقاطعة أونتريو بالانسجام مع قرار مشابه لإدخال مادة متعلقة بالبرمجة إلى المنهاج، طبقته مقاطعة بريتيش كولومبيا في 2015 ومقاطعة نوفا سكوشا في 2016.

أما بالنسبة لدول أخرى في العالم، فقد أُدخِلت مواد متعلقة بعلم الحاسوب والبرمجة في المراحل الدراسية كافةً، مثل إستونيا في 2012 والمملكة المتحدة في 2014 وكوريا الجنوبية في 2017.

يبقى السؤال إذن: ما الذي دفع الدول حول العالم لتخصيص الوقت والجهد لإدخال مواد متعلقة بعلم الحاسوب، والبرمجة إلى مناهج المدارس فيها؟

يشير هذا المقال الذي كتبه هيوغو إلى أن الإجابة تكمن بتركيز الباحثين على ثلاثة أسباب، وهو باحث مع اليونسكو في قسم تطوير المناهج الدراسية حول العالم، ومحاضر في قسم تعليم التكنولوجيا، وأتم مشروع أطروحته في مجال العلوم التعليمية في جامعة كيبك في مقاطعة مونتريال، وكانت فكرة الأطروحة تتمحور حول تأثير تعلم البرمجة في مرحلة مبكرة على الطلاب.

السبب الأول: تلبية حاجة السوق للكفاءات في مجال البرمجة

يُمثل تطور سوق العمل العالمي، وزيادة الحاجة إلى مبرمجين متمكنين، أحد أهم الأسباب التي دفعت الدول حول العالم إلى تعليم هذه المهارة لطلاب المدرسة بمراحلها كافةً. إذ يُشجع صانعو السياسات على تعليم البرمجة للأفراد في المراحل المبكرة من أعمارهم، لبناء المهارات اللازمة في أقرب وقت ممكن.

يُعد هذا الإجراء بديهيًا، فالتطور السريع في مجال المعلوماتية دفع باقتصاد شمال أميركا، والدول جميعها إلى مستويات من الازدهار لم يشهدها البشر سابقًا خلال العقدين الأخيرين.

فالطلب يزداد يومًا بعد يوم في سوق العمل، لملء شواغر تحتاج من المتقدمين الإلمام بالتقنية بأشكالها، وتطبيقاتها كافةً.

سيزداد عدد الوظائف التي تعتمد على التقنية في المستقبل القريب وما بعد حتمًا. فتوجد حاجة ماسة حاليًا للخبراء في مجالات علوم البيانات، وتلقين الآلة، والتقنيات اللامركزية (مثل تقنية البلوكشين التي هي أساس العملات المشفرة).

لا بد إذن من تعديل المناهج التعليمية، وتعليم الطلاب البرمجة والأمور المتعلقة بالتطور التقني، والمشاركة في الاقتصاد الرقمي منذ المراحل الأولى من التعليم، وهذا تمامًا ما تفعله حكومات الدول اليوم.

يرى الباحثون أيضًا أن تعليم البرمجة للطلاب في مراحل مبكرة يعود بفوائد على الصعيد الاجتماعي أيضًا. تشمل إحدى تلك الفوائد إزالة الصورة النمطية التي مفادها أن البرمجة وكل شيء له علاقة بالتقنية، هو خاص بالفتية والذكور فقط.

السبب الثاني: المساعدة في تحقيق التكافؤ الاجتماعي

بحسب العديد من الخبراء، يؤدي تعرض المتعلمين المبكر للأشياء المتعلقة بالتقنية والبرمجة إلى زيادة تكافؤ الفرص في المجتمع، وذلك بتسهيل الوصول إلى فرص العمل التي تحتاج مهارات رقميةً متقدمةً.

من ناحية أخرى من المعروف أن العمل في القطاع التقني يعني رواتب عالية وفرصًا أكبر لبناء الثروة، بسبب الطلب الهائل وصعوبة إيجاد المتخصصين الماهرين.

يُمكّن كل ذلك مجموعات الأفراد المهمشين من الخروج من حالة الفقر التي تركت أجيالًا عديدةً تحت رحمة المستغلين، ما أدى إلى تفاقم الظلم، وانعدام التكافؤ الاجتماعي.

تؤدي مشاركة المجموعات المهمشة من الناس أيضًا (كالنساء والسود والسكان الأصليين في كندا الذين يشملون شعوب الإنويت والمتيس) إلى زيادة تنوع الأفراد في بيئة العمل، وهذا بدوره يعني عددًا أكبر من العاملين لدفع عجلة الاقتصاد.

يشجع آخرون على تنوع الأفراد في بيئة العمل، لأنهم يرون أن ذلك يُحسن من الإنتاجية، ويخلق فرصًا أكثر للإبداع في العمل. إذ إن التنوع يشجع المستهلكين من خلفيات مختلفة على شراء المنتجات بثقة أكبر.

إذا كان سوق العمل يُتيح المجال لأشخاصٍ من صنف واحد المشاركة فيه، ستظهر عندها مشكلة عدم تكافؤ الفرص، وإطلاق منتجات وخدمات موجهة لشريحة صغيرة من الأفراد دون غيرها، ما يخلق كثيرًا من المشكلات الاجتماعية.

يقول المناصرون لفكرة المساواة هذه إنه لو لم تُتخذ إجراءات باكرة وهادفة لزيادة التنوع في سوق العمل، ستظهر فجوة في المجال الرقمي بين المجموعات المسيطرة على كل شيء وأخرى مهمشة غير قادرة على تغيير واقعها.

من هنا تتضح أهمية تعليم الجيل اليافع البرمجة وبناء المعرفة الرقمية، لأن ذلك سيؤدي إلى سد الفجوة وتكافؤ الفرص في المجتمع. تُحقق هذه الرؤية أهداف الأمم المتحدة؛ تحديدًا الهدف الرابع الذي يدعو إلى إتاحة التعليم للجميع.

السبب الثالث: تطوير مهارات التفكير لدى المتعلمين

باتت تنمية مهارات التفكير الحاسوبي ضرورة وهي من أكثر الأسباب شهرة عند الحديث عن بناء المعرفة التقنية. ظهرت فكرة التفكير الحاسوبي سنة 2006، ومفادها وجود مهارات فكرية تتعلق بحل المشكلات وبناء الأنظمة وفهم السلوك البشري، وبالوسع تعلمها بدراسة المفاهيم التي يُعنى علم الحاسوب بها.

يعتقد الكثير أن تطوير هذا النمط من التفكير مفيد جدًا للمتعلمين، إذ سيزودهم بالكثير من مهارات التفكير العليا التي يُمكن الاستفادة منها على أرض الواقع.

تتضمن الكثير من المناهج موادًا تعليمية تُركز على تنيمة هذه المهارات الفكرية، كالمنهاج البريطاني في لندن الذي يهدف إلى تدريس أساسيات علم الحاسوب لبناء الحس الإبداعي اللازم لإحداث فرق في العالم.

بالمجمل يُفيد تدريس البرمجة وأساسيات علم الحاسوب المتعلمين جميعًا، حتى أولئك الذين لن يعملوا في القطاع التقني. فبالوسع تطبيق مهارات التفكير العليا في مجالات أخرى وفي الحياة العملية.

من المهم الإشارة أنه لا بد من إجراء المزيد من الدراسات للتأكد إن كانت دراسة البرمجة مفيدة حقًا، إذ يعتمد النجاح في ذلك على إجراء دراسات قائمة على المنهج المقارن ودراسات طولية، وهذا تمامًا ما تناوله هيوغو في أطروحته.

يبدو أن صانعي القرار في مقاطعة أونتريو قد درسوا الفوائد الثلاث بتمعن، ما دفعهم إلى تطبيق القرار الجديد لإدخال مواد متعلقة بالبرمجة إلى المنهاج في المدارس. لكن يبرز التحدي الآن في إيجاد الكادر المؤهل لتدريس هذه المواد المعقدة لطلاب صغار.

يجب على الحكومات تدريب الكوادر لتنفيذ خطة تعليم البرمجة لطلاب المدارس بنجاح، وهذا ما تبين في تقرير نشرته الحكومة البريطانية سنة 2014 حول هذا الموضوع، إذ تتمثل إحدى الحلول في جعل تعليم البرمجة جزءًا من المرحلة الجامعية للمعلمين المقبلين على الدخول في مجال التدريس.

اقرأ أيضًا:

ما الفرق بين البرمجة والترميز؟

أفضل عشر لغات برمجة يجب على المهندسين تعلمها

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر